بالوقائع: تيار الحرباية – ماريو ملكون

بقلم ماريو ملكون

لأنّ ذاكرة اللبنانيين قد ثَقُلت بالأحداث التي غلب فيها المُرّ، ولأنّ ما عانوه من مدّ وجذر بإسم دستورهم وطوائفهم وحقوقهم قد غرّبهم عن صوت الحقيقة، ظنّ البعض أنّه في استمراره العزف على وتر الخديعة وتقليب الحقائق قد يتمكّن من دسّ الغبار في عقول شعبٍ ضربته موجات التغيير المُخادِع.

بعد أن أطلّ رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل مُستخدماً “حزب الحرباية” لوصف خصومه، كان لا بدّ من عرض مقتضب للمسار المتلوّن الذي غلّف مسلك باسيل وتيّاره، ليُترك للشعب اللبناني الحكم عن الذي عاث التبديل فساداً والذي ثَبُتَ بأرضه ولو مصلوباً.

وعليه، هذا بعض ما فعله “التيار”: عام ٢٠٠٥، شيطن سلاح حز ب الله وطالب بالمعتقلين اللبنانين في سوريا ثمّ مجّد السلاح نفسه عام ٢٠٠٦ وَنَكر وجود المعتقلين عام ٢٠٠٨، كما أطلق “التيار” كتاب سوريا الاسود في لبنان قبل عام ٢٠٠٥ وطالب اللبنانيين بالاعتذار من السوريين عام ٢٠٠٨.

ومن جملة تقلّباته، قام “التيار” بوصف النائب ايلي الفرزلي بالعميل السوري و”الأزعر” قبل عام ٢٠٠٥ وسارع لوصفه بالرئيس الحبيب والرفيق عام ٢٠١٨ وذلك عشيّة الانتخابات النيابية.

عام ٢٠٠٧، قدّس “التيار” شغب قطع الطّرقات والاعتداء على الاملاك العامّة والخاصّة التي قام بها مع حلفائه، ثمّ شَيطَن المظاهرات السّلميّة التي جرت في ثورة ١٧ تشرين ٢٠١٩.

وكانت إحدى أبرز التقلّبات تلك التي ارتبطت بموقف “التيار” من الحريرية السياسية، حيث شنّ أعنف هجوم على تيار المستقبل قبل انتخابات ٢٠٠٩ وأصدر كتاب الابراء المستحيل عام ٢٠١٣ ووصفه بـ”داعش لبنان” عام ٢٠١٥، ثمّ عقد تحالف سلطوي معه عام ٢٠١٦ وانخرط في السياسات المالية نفسها عام ٢٠١٧ وتحالف معه نيابياً في انتخابات ٢٠١٨.

وفي عام ٢٠١٢، شَيطَن الجماعات الاسلامية وحذّر من وجودها وخطرها على المسيحيين، ثمّ عقد تحالفات إنتخابيّة معها عام ٢٠١٨؛ واتّهم النائب بهيّة الحريري بحماية جماعة الاسير عام ٢٠١٣ ومن ثمّ وصفها بإم نادر وإم الكل عام ٢٠١٨.

قبل عام ٢٠١٦، رفض “التيار” حقّ رئيس الجمهورية بالحصول على مقاعد وزارية وقدّس الحقّ نفسه في عهد الرئيس عون؛ وفي العام نفسه، وقّع تعهّداً وطنياً طيًّا لكلّ الخلافات المسيحية الدّمويّة، لكنّه واظب على استحضار كلّ لغة الحرب في الاعوام التي تلته.

ومن التناقضات البارزة التي مارسها “التيار” كانت في تجديده لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة عام ٢٠١٧ ورفضه مطالبة “القوات اللبنانية” بإجراء تدقيق في حسابات مصرف لبنان في العام نفسه، من ثمّ شنّ هجوماً على سلامة عام ٢٠٢٠ مُطالباً بالتّدقيق الذي سبق ورفضه.

قُبيل انتخابات ٢٠١٨ النيابية، وصف “التيار” الرئيس نبيه بري بالبلطجي ومن ثمّ اعتبر أنّ بري يندرج ضمن معادلة الرئيس القوي فور انتهاء الانتخابات؛ وقبل هذه الانتخابات، أعلن فصل الوزارة عن النيابة وأصرّ بعدها على تعيين بعض نوّاب التكتّل وزراءً في الحكومة.

ومن جملة الشعارات التي تناقضت ما بين القول والفعل، كانت مطالبته بإستقلاليّة القضاء عبر الشاشات ورفضه توقيع التشكيلات القضائية في المكاتب؛ مجاهرته برفع شعارات النّزاهة والشّفافيّة على المنابر وتعطيله عمل الهيئات الرّقابيّة في قطاع الكهرباء وعلى رأسها الهيئة الناظمة؛ إستذكاره “حقوق المسيحيين” لتمرير الصّفقات والتوظيفات غير القانونيّة وتحصيل المناصب والمواقع السّلطويّة والقفز فوقها عبر ضرب مؤسسات الدولة بسوء الادارة وما نتج عنها من تهجير للشعب وإفقار للعائلات وتدمير للمهن وإقفال للمؤسسات وصمتٍ على استقواء “الحليف المسلّح” على أراضي الكنيسة وتهديده للبطريرك الماروني ومسّه بالمقدّسات ومحاولته غزو منطقة آمنة بالعتاد المتوسّط.

إنّ هذه السلسلة هي جزء من أحداث ومواقف كثيرة، جسّد فيها “التيار” بوتقة من مواقف التلوّن والانقلاب والنكران، حيث اصطاد استمراريته بضرب الوقائع، وبنى خطابه السياسي على اتّهام الآخرين بما يرتكبه، ليستحقّ وقبل صفة التلوّن لدى “الحرباء” التي رماها على خصومه، أن يُشابه طبيعة تكوينها، كون مَن ضرب الحقيقة بالخديعة وحوّل الوصول إلى السلطة هدفاً ينسف خلاله المبادىء الوطنيّة والمُسلّمات السياديّة ويرهن عبره ذاته وناسه وشعبه في أقفاص حاكم مسلّح ومشروع تدميري يستحقّ أقلّه أن يوصف بـ”تيار الزواحف”.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.