ما قدرت إنزل ع لبنان ع دفن أمّي

أليتيا – ما قدرت إنزل ع لبنان ع دفن… ع دفن أمّي… معاملات وراقي بالغربة وقفو بدربي

عشت الدفن عالتلفون… صورة من هون وصوت من هونيك وتعزاية عالخط…

بعد سنة ونص سافرت بجواز سفري الاجنبي ع لبنان…حبّيت أعمل مفاجأة لبيّ… ما خبّرت حدا…

وأنا جايه بزواريب الضيعة، شفت المقابر من بعيد… لفحني نسيم المقابر…هالنسيم غمرني…ضمني… ريحة النسيم حبق أمّي… وصلت عالبيت عالهدا… شفت من بعيد بيّ قاعد قدّام السطيحة عم يتشمس تحت غيوم شباط… هونيك عصفورين يغطو قبالو يكبلّن فتافيت خبز… كل شي دبلان عالسطيحة…

لمّا شافني غمرني ورف عصافير يطير حوالينا… لمّا شافني زاحت كل غيوم سما شباط والشمس من فوق تدَفينا… صار بيّ يخفي دمعتو ويلهيني بأحاديث  الضيعة وفلان وعلتان…

فتت عالبيت… البيت مهجور…عتمة بكل زاوية… مزهرية مكسورة عالارض… غبرة ع المايدة… صحون بلا جلي… ريحة البيت قبو عتيق مشحتر… ريحة البيت قبو عتيق عم يدلف من فساويخو تلج جايه من المقابر…

صورة ع حيط الدار… صورتي مع أمّي وبيّ بالشعنينة…وعيون بيّ حزينة…

قلّي بيّ: “هيدي حال الدني… يا إبني”

قلتلّو: “حال الدني تموت عروسة البيت وما تقول بخاطركن بغمرة لإبنها…! حال الدني إنو هالحياة بتعطينا دهب وبتاخد منّا كل دموعنا… حال الدني إنّو هالدني بتعطيني جواز سفر وبتاخد منّي كل صبحيات أمّي، وحبق وياسمين أمّي..

قهّارة هالدني… بتعطيك كنزة سعرها  ملايين بس ما بتدفيك بمقابر “جميع القديسين”.

فتت عالقوضة… تخت أمّي مليان ورق خريف… حد التخت كتاب صلاة ومسبحة… فتحت الكتاب شفت صورتي… صورتي مبلولة دموع وشموع…

بصلاتك يا أمّي رجعت عالبيت بسلامة… بصلاتك رجعت ع تخت من ورق خريف… رجعت فتِّش ع وجك بزوايا عتمة… رجعت فتّش ع غمرة من إيديكي لي فيهن ربيع… والربيع احترق “بنيران حال الدني..” رجعت فتّش ع صوتك بصورة شعنينة ع حيط مصقّع… رجعت فتّش ع دفى بموقدة بردانة…رجعت فتّش ع نصايحك بركوة وبفناجين قهوة مغبّرة…

الحياة مش عادلة ولا حنونة… لانها مجنونة… مجنونة بحالها…

أتاري خلف كل غربة في قصة ولا ممكن تفهمها… خلف كل دهب عم يلمع في عيون عم بتدمع…صحيح المسيح قام وهيدا رجانا… بس المسيح بكي ع موت لعازر… بكي ببستان الزيتون… وعم يبكي مع قلب بيّ وقلبي…

ركضت… ركضت ع مقابر جميع القديسين… أوّل ما وصلت… هبّ الهوا… هبّ الهوا حامل معو تراب مقابر… تراب من مقبرة أمّي… غمرني التراب وشدّ ودموع تنزل ع زهور بخور مريم… والهوا يهبّ والتراب يغمرني وأسمع صوت أمّي بين شجر السرو…” حمد الله عالسلامة يا إبني”… ويرعد شباط والدني تشتي زهر من جنينة أمّي…

الاب فادي روحانا

القصة من وحي اختبارات الناس ومن نسيج الأدب والحب

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.