الخطيب: على الحكومة تحمل مسؤوليتها في التخفيف عن المواطنين

الخطيب 1

ادى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس وألقى خطبة الجمعة استهلها بالقول: “قال تعالى: ولو شاء ربك  لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم..)”.
 
أضاف: ” إن الاختلاف ظاهرة كونية وانسانية لا امرا عابرا في الكون والحياة، وما يهمنا هنا التطرق اليه هو ظاهرة الاختلاف في الحياة الانسانية، فالاختلاف موجود في الفهم والوعي والذوق والامزجة والطاقات والمصالح، وهذا النوع من الاختلاف يضفي على الحياة شكلا من الحيوية التي لا بد منها والا لبدت جامدة لا طعم لها ورتيبة لا حياة فيها، وانما هذا الاختلاف هو من يعطيها الحركة ويجعلها تؤدي بحكمة الله تعالى الهدف الذي خلقها من اجله وهو ان تكون مسرحا للتكامل بين المختلفين للارتقاء بالحياة الانسانية الى اعلى الدرجات ومجالا للابداع والخلاَّقية واظهار القدرات الانسانية من عالم الاستعداد والقابليات الى عالم الفعل والوجود، وان يعطي الانسان اقصى ما لديه من جهد في هذا السبيل ليكون مساهماً فاعلاً في هذا البناء من خلال  هذا التكامل بين القدرات والطاقات، ويحقق الانسان فيه ذاته وكيانه وان لوجوده معنى في هذه الحياة. فالاختلاف بهذا المعنى ذو طابع ايجابي وبناء لو اقتصر الامر على هذا المعنى، فالطموح الانساني يعطي للافراد والجماعات على حد سواء المجال ليكون الافضل ويدفعه ليكون السبَّاق في هذا المضمار”.
 
وتابع: “الكل بالاجمال يريد ان يكون قصب السبق له و ان يكون الاقوى والارقى فلو اقتصر الامر على ذلك لما وجدت مشكلة في الحياة طالما استثمر هذا الاختلاف في هذا الجانب الايجابي، ولكننا نرى ان الامر لم يكن يأخذ هذا الطابع الايجابي في حياة الافراد والجماعات تاريخيا، وسرعان ما كان يأخذ طابع الصراع والمواجهة ويستثمر الانسان النتائج الايجابية للجهود البشرية التي اثمرها هذا الاختلاف التكويني للقدرات البشرية بغير الوجهة التي ارادتها حكمة الخالق ويعمل على استخدامها في البغي والعدوان بذرائع يبتدعها ليرضي نفسه الامارة بالسوء وطموحها الوحشي بذرائع شتى منها فلسفة البقاء للاقوى وان القوة تعطي الحق لصاحبها في السيطرة على الآخرين واخضاعهم لارادته واستثمار جهودهم ومصادرتها لمنفعته وتطبيق شريعة الغاب على الحياة الانسانية التي لا يرى فرقا بينها سوى ان الانسان ارقى واكثر قدرة على السيطرة والامساك بزمام الامور من سائر المخلوقات، فليس العقل الذي يتميز به الانسان عن البهائم سوى اداة متطورة للصراع مع الطبيعة والآخرين وهو ليس محكوما بأي معايير انسانية تقيده او تتحكم بتصرفاته، وهذا في الواقع اسفاف في الفهم للخلق وحط من كرامة الانسان وما يتميز به من قدرات منحه الله تعالى اياها ليعطي الحياة بعدها الانساني والاخلاقي، وان الانسان ارقى من ان يكون على هذا المستوى الذي يعطيه اياه البعد المادي والتفسير المادي المحض الناشىء من الخلفية الغرائزية الطاغية والمستحكمة التي تمنع الانسان من التحرر في التفكير بتجرد عن العوامل والضغوط المادية التي تحيط به لانها الالصق به ولانه الاكثر احساسا بها”.                                                          
وقال: “لذلك كان التجرد منها امرا يحتاج الى جهد نفسي وفكري فيه كلفة على النفس، ليس كل واحد على استعداد ان يقوم بتحملها او ببذلها خصوصا اذا كان ذلك يستدعي منه خسارة منفعة يمتلكها او يسهل الحصول عليها، وهو ما يدفع بالتالي الى وقوع الصراعات والحروب التي تقع بين الطامحين الى السيطرة والنفوذ وامتلاك وسائلها التي تمكنهم من بلوغ هذه الغاية وهو ما قصدته الاية المباركة ( ولا يزالون مختلفين ) وهو الاختلاف في الغايات الدنيوية المجردة عن القيم والمعايير الانسانية والمتمحضة بالمادية التي تجعل من المجتمع البشري ساحة للصراع المتوحش الذي لا يرحم في مقابل ما رمت اليه الحكمة الالهية من الخلق، وجعل الحياة مسرحا للتنافس في الخيرات المحكوم بالقيم الالهية التي عبّرت عنه الاية الكريمة بالرحمة، لان الرحمة الالهية التي ستعم البشرية التي تراعي هذه القيم ليست سوى الاستقرار الناتج عن التعاون والايثار وتقديم الافضل والتنافس في الخيرات والبعد عن حب الانا والسيطرة وما تنتجه من مظالم في حق الاخرين وفي حق الانسانية جمعاء، وهو ما استثنته الآية المباركه في قوله جل وعلا ( ولا يزالون مختلفين الا ما رحم ربي ولذلك خلقهم) اي للرحمة وليس للاختلاف كما يحاول البعض ان يعطيها هذا البعد عن قصد او عن غير قصد ولو كان المقصود بالاختلاف المعنى الايجابي هنا لما كان للاستثناء محل كما يتضح من الاستثناء ان الاختلاف في قوله تعالى (ولا يزالون مختلفين الا ما رحم ربي)”.
 
أضاف: “يتضح أن الانصات إلى صوت الرحمة لن يسود الا لدى القلة ممن شملتهم الرحمة الالهية وسمت افكارهم وارواحهم وانتصروا على غرائزهم وذواتهم ولم تستطع ان تخضعهم او تسيطر عليهم ، وان من المؤسف ان يقع حتى بعض اولئك الذين من الله عليهم بالايمان ان لا يتحول ايمانهم الى سلوك وحياة ويبقى مجردا عن التأثير في مجريات حياتهم ليعيشوا هذا الايمان حقيقة ظاهرة وليس مجرد شعار يتباهون به عندما يرون الحاجة الى التمايز عن الآخرين ليتحول الى مجرد هوية عصبية في مقابل عصبيات الاخرين، ثم لا يلبثون ان ينزعوه عنهم كما ينزع الثوب عن الجسد حينما يرى الاستغناء عنه، فليس الاختلاف عن الآخرين هنا جوهريا وانما شكليا عرضيا، فالاختلاف المطلوب ينبغي ان يتمثل بالتزام سلوكي يتمظهر بكل حين وآن، في قولنا وفعلنا، في حربنا وسلمنا عند الاتفاق وعند الاختلاف، عند اختلاف المصالح قبل ان يكون عند اتفاقها وان يكون الحكم دائما القيم التي ننتمي اليها حيث تحول الامر الى ان يكون الدين او المذهب كما هي العائلات والعشائر على طريقة انصر اخاك ظالما او مظلوما، ظالما لا بمعنى ان تردعه عن ظلمه كما اراده رسول الله وانما بان تعينه على ظلمه، لنتحول بالشعار مؤمنين وبالواقع والحقيقة جاهليين ندعي الايمان ونعمل بخلافه. وهذا نوع آخر من الاختلاف الاخطر الذي يشكل ظاهرة ينبغي الالتفات اليها ومعالجتها لان الانتماء هنا ليس انتماء للايمان في واقعه وليس انتماء للحق وانما هو انتماء للاهواء والعصبيات وحين يتحول الانتماء للاسلام وللايمان بالوسائط فهي الكارثة وهنا الخطر”.
 
تابع: “فقد حدد لنا امير المؤمنين الميزان في معرفة الحق بقوله:” اعرف الحق تعرف اهله”، وقال: “لا يعرف الحق  بالرجال بل يعرف الرجال بالحق” ، فلا بد ان تعرف الحق اولا ثم تعرض الرجال عليه فان وافقوه والا، وهذا هو الميزان عند الاختلاف فاذا كان الاختلاف واقع لا محال فلا بد لك حتى تنجو من ان تعود الى ما يميز لك طريق الحق من طريق الضلال ، على ان الاختلاف اذا كان ميزة من ميزات البشر فهل يعني ذلك ان الحل ينحصر بالغلبة والاحتراب حتى مع تختلف معه في الدين والعقيدة ، ابدا فان الله تعالى امرنا بعدم العدوان وان نقسط في التعامل معهم والبر اليهم طالما لم يثيروا معنا حربا على الدين ولم يبادروا الى خيانة عهد”.
 
أضاف: “أيها الاخوة والاخوات، ليست هناك مشكلة في التعايش مع من يختلف معك في الدين فضلا عمن يختلف معك في غيره وان بامكانك التوافق معه على المصالح العليا كالمصالح الوطنية حينما يتهددها عدو او تتعرض للاخطار ولكنه من غير المفهوم وانت ترى الاخطار تتهدد بلدك و مصالحه الا تبادر الى الدفاع عنهما، وان تفسح في المجال بدلا عن ذلك الى المطالبة بالتخلي عن مقومات الدفاع  وعما بيدك من اوراق قوة وان تتهم نفسك بانك المعتدي وان عدوك مُعتدى عليه، لانك حينما تطالب بالحياد وبنزع سلاح المقاومة تتهم المقاومة وتبرأ العدو، و هذا هو مطلب العدو وبالتالي تضعف موقف لبنان امامه فما هي المصلحة في ذلك ؟ نحن اول المطالبين ثم المستفيدين من ان يكون الجيش اللبناني من يتولى الدفاع عن سيادة لبنان وعن اهله وثرواته وحدوده البرية والبحرية والجوية، ونحن على الاقل نحب اولادنا كما الناس والاستقرار والامن والحياة الهادئة ولكن ما هو الحل المقنع الذي قدم للبنان؟ هل ما نراه في ما يقدم من حلول في موضوع تحرير ثروتنا النفطية التي يحاول العدو استغلالها ومنعنا من الاستفادة منها، هذا مع وجود سلاح المقاومة الذي لولاه لما حلمنا حتى بالوساطة الاميركية المنحازة لمصلحة العدو الاسرائيلي ان نحرر ارضنا ونلجم العدوان الاسرائيلي بمعادلة ردع جديدة ارستها المقاومة جعلت العدو الصهيوني يفكر الف مرة قبل الاعتداء على لبنان.اننا من هذا المنطلق ندعو الحكومة اللبنانية الى عدم التراخي امام الضغوط وعدم التفريط بالحق اللبناني في الحصول على كامل ثروته النفطية على الحدود اللبنانية الفلسطينية المحتلة”.
 
وقال: “نستنكر عملية الاغتيال الصهيونية لشبان فلسطينين، وما تلاها من غارات اسرائيلية على سوريا في انتهاك فاضح للسيادتين اللبنانية والسورية كما هي طبيعة هذا الكيان العدواني ، ونحن اذ نعزي بالشهداء ونتمنى للجرحى الشفاء العاجل فاننا نؤكد ان إرادة المقاومة صلبة وردها حتمي، ولن تثنيها الجرائم الصهيونية عن بذل التضحيات والمضي قدما في التصدي للعدو ومقاومته بكل الامكانيات والوسائل ، ولنا ملء الثقة ان النصر سيكون حليف شعوبنا ونؤكد من جديد أن المقاومة السبيل الوحيد لتحرير الارض وتحقيق الانتصار. وفي الوقت عينه فاننا نضع هذه الاعتداءات برسم المجتمع الدولي والامم المتحدة ومجلس الامن ونطالب باتخاذ اجراءات فورية تلجم العدو عن طغيانه ولا تقتصر على تسجيل عدد الانتهاكات والاكتفاء ببيانات الادانة  والدعوة الى ضبط النفس.  ونوجه تحية الاكبار والتقدير الى الشهداء الابرار الذين صنعوا مجد لبنان وعبدوا بدمائهم طريق النصر والعزة بدءا من انتفاضة السادس من شباط وما سبقها من أسقاط اتفاق 17 أيار وما تلاها من عمل مقاوم تكلل بالتضحية واتسم بالشجاعة والايثار ، ونخص بالتحية  قوافل الابطال منفذي  العمليات الاستشهادية ضد الاحتلال الصهيوني والقادة الشهداء الذين ادخلوا لبنان في عصر  جديد دحضوا فيه مقولة قوة لبنان في ضعفه،  لتصبح قوة لبنان وعزته في مقاومته وجيشه وشعبه”.
 
أضاف: نتوجه بتحية الاجلال والاكبار الى مؤسس المقاومة الإمام السيد موسى الصدر ورائدها  الذي غرس الفكر المقاوم في نفوس محبيه فاينع غرسه دحرا للاحتلال وعزة لشعب لبنان فكان المجتمع المقاوم نتاج نهضته الثورية ضد الاحتلال الصهيوني واحتضن المقاومين الشرفاء الذين انتصروا للحق ولم تأخذهم في نصرته لومة لائم حتى أصبح لبنان محط انظار العالم في مقاومة الاحتلال يقدم نموذجا قل نظيره”.
 
وعن مناقشة الموازنة العامة للدولة، قال: “نكرر رفضنا ان يتحمل عامة الناس وزر الانهيار الاقتصادي، ونطالب السادة النواب برفض زيادة رسوم وضرائب تفاقم معاناة اللبنانيين المعيشية ولا سيما ان غالبيتهم اصبحوا يصنفون في خانة الفقراء، ونطالب الحكومة بأن تتحمل مسؤوليتها في التخفيف عن مواطنيها وزيادة التقديمات الاجتماعية لهم ورفع الرواتب والاجور لموظفي القطاع العام والخاص بما يوفر العيش الكريم لهم، وبدل ان تبحث الدولة عن جبايات جديدة لتغذية خزينتها، فإن من واجبها ومسؤوليتها ان تسترد الاموال المنهوبة وتعيد اموال المودعين المحتجزة في المصارف ، كما نجدد الدعوة للاجهزة الرقابية والقضائية بتكثيف الجهود لمكافحة الاحتكار والغش الذي يجعل من المواطنين فريسة جشع التجار المحتكرين. نطالب مجلس النواب بإلغاء الوكالات الحصرية بشكل صريح ومن دون مواربة. وهنا نستحضر كلام امام المقاومة والوطن السيد موسى الصدر: أوساخ لبنان التي يجب أن تكنس هي المحتكرون والمستبدون والسلطات الغاصبة، أولئك الذين بنوا قصورهم على متاعب الناس واغتصاب حقوقهم، أنتم أيها المحتكرون أول الكافرين بلبنان”.
 
وختم: “نناشد المسؤولين والميسورين والمتمكنين بأن يتحسسوا آلام إخوانهم الفقراء الذين لا يجدون ما يسدون به رمق جوعهم ولا يملكون ثمن دواء يشفيهم، فيبادروا الى  مد يد العون لكل محتاج، ولا سيما ان وطننا يعاني ظروفا اقتصادية ومعيشية صعبة، وهو مهدد من تفشي جائحة الكورونا التي تستدعي تضامنا وطنيا والتزاما صحيا وتكافلا اجتماعيا. وفي نفس الوقت نوجه التحية لكل من يقدم المساعدات العينية والمادية إلى المحتاجين”. 

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.