الراعي: الجماعة السياسية تمد يدها لتسرق أموال المودعين من خلال السحب من الاحتياط الإلزامي
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس يوم السلام للشرق وتكريس الشرق للعائلة المقدسة في كنيسة الصرح البطريركي الصيفي في الديمان، عاونه رئيس اللجنة الاسقفية عدالة وسلام المطران شكرالله نبيل الحاج، القيم البطريركي في الديمان الاب طوني الآغا، أمين سر البطريرك الاب هادي ضو وشارك في القداس الاب الدكتور لويس الفرخ، رئيس دير مار انطونيوس جديدة زغرتا والامين العام لمجلس كنائس الشرق الاوسط الدكتور ميشال عبس، الرئيسة العامة للجنة الاسقفية عدالة وسلام الدكتورة سوزي الحاج والرئيسة العامة لراهبات العائلة المقدسة الام ماري انطوانيت سعادة، عدد من الاباء والراهبات.
وحضر القداس رئيس اللجنة الاعلامية للمرشدية العامة للسجون في لبنان الصحافي جوزيف محفوض واعضاء من اللجنة الاسقفية عدالة وسلام وعدد كبير من المؤمنين.
بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان: “أرسلكم كالخراف بين الذئاب فكونوا حكماء كالحيات وودعاء كالحمام”، قال فيها: “الكنيسة، بأبنائها وبناتها ومؤسساتها، مرسلة من المسيح إلى العالم لتنشر فيه ملكوت الله، أي ملكوت الحقيقة والمحبة، ملكوت القداسة والخير، ملكوت العدالة والسلام. لكن العالم الرازح تحت ثقل الخطيئة يرفض هذه القيم، وبالتالي يضطهد كل من ينادي بها أو يعمل من أجلها. والرب يسوع هو شهيدها الأول، وتبعه جميع الرسل. وما زال الاضطهاد جاريا حتى يومنا. يشبه الرب يسوع المؤمنين بالخراف ومضطهديهم بالذئاب. ذلك أن المؤمن بالمسيح يتميز بالوداعة والتواضع، ويكتسب منه الصلاح. أما الذين يضطهدونهم فإنهم ذئاب في وحشيتهم، فاقدين هكذا إنسانيتهم. ويدعو الرب يسوع المؤمنين به ليتحلوا بفضيلتين: حكمة الحيات ووداعة الحمام. بالحكمة يتجنبون شر الأشرار، وهي أولى مواهب الروح القدس. وبالوداعة يحافظون على إيمانهم وإنسانيتهم وهويتهم، ولا ينقادون إلى ردات الفعل السيئة والخروج من طبيعتهم الداخلية التي صورها الروح القدس على صورة المسيح بالمعمودية ومسحة الميرون”.
وتابع: “يحتفل اليوم بطاركة الشرق الكاثوليك والأساقفة، كل في كاتدرائيته، بقداس السلام في الشرق الأوسط وتكريسه للعائلة المقدسة. يأتي هذا الإحتفال في إطار سنة القديس يوسف التي افتتحها قداسة البابا فرنسيس في 8 كانون الأول الماضي، بمناسبة الذكرى 150 لإعلانه شفيعا للكنيسة الكاثوليكية؛ وبمناسبة مرور 130 سنة على الرسالة العامة للبابا لاوون الثالث عشر، بعنوان “الشؤون الحديثة”. وقد تناول فيها قضية العمل والعمال. قامت اللجنة الأسقفية في لبنان “عدالة وسلام”، بهذه المبادرة، وباركها قداسة البابا فرنسيس ووجه رسالة تلاها في بداية القداس سيادة أخينا المطران شكرالله نبيل الحاج رئيس لجنة عدالة وسلام. للقديس يوسف علاقة خاصة بالعمل. ويسوع تعلم من أبيه بالتبني قيمة العمل وكرامته في حقل النجارة، وأَكل الخبز بعرق الجبين. نصلي اليوم إلى الله، لكي بشفاعة القديس يوسف، شفيع العمال، يجد حكامنا الحلول الجدية للأزمة الإقتصادية والإجتماعية والمعيشية، وأن يلهم شبيبتنا الصمود بالعمل ورفض حالة الإتكال على الغير، وأن يساعد الله كل رب عائلة على النهوض من جديد، والمثابرة في العمل بجهد وتفاؤل ورجاء”.
أضاف: “إننا نصلي من أجل السلام في شرقنا الجريح، ونكرسه للعائلة المقدسة، مصدر قوتنا للثبات بالإيمان والرجاء والمحبة، وبخاصة في ظروفنا الصعبة. نحن نثق بأن آلام شعوبنا المضمومة إلى آلام المسيح على الصليب، سيكون لها قيمة خلاصية شاملة تغير وجه لبنان والشرق، بل وجه العالم. فأعطنا يا رب، السلام الذي تتوق إليه جميع القلوب، السلام النابع من قلبك، بل الذي هو أنت. نلبي في أول تموز، كما تعلمون، مع إخواننا البطاركة ورؤساء الكنائس في لبنان، دعوة قداسة البابا فرنسيس إلى “لقاء تفكير وصلاة من أجل لبنان”. سيكون هذا اليوم محطة هامة في مسار جهود قداسته لمساعدة لبنان على بقائه وطن الشراكة المسيحية/الإسلامية، ودولة الممارسة الديمقراطية، ومجتمع السلام والرقي والحضارة. لا نذهب إلى الفاتيكان حاملين هم المسيحيين وحدهم، بل هم جميع اللبنانيين، “فكلنا في الـهم لبنان”.نحمل قضية لبنان بما هي قضية الحرية والحوار والعيش المشترك المسيحي-الإسلامي بالمساواة والتضامن والتعاون في هذا الشرق. إن صحة الشرق من صحة لبنان. نذهب لنؤكد لقداسته حرص اللبنانيين على الحياة معا رغم جميع الخيبات والحروب التي مروا فيها بسبب تعدد الولاءات، أو بسبب أخطائهم أو خصوصا بسبب التدخل الخارجي المقيت في شؤونهم. فنؤكد أن إنقاذ الحياة المشتركة بين اللبنانيين واستقراره السياسي وازدهاره الإقتصادي تحتم اعتماد حياده مع التنفيذ الدقيق لدستوره وللقرارات الدولية، ولو تطلب الأمر انعقاد مؤتمر دولي خاص بلبنان، طالما أن الحوار السياسي والتسوية الداخلية متعثران”.
وقال: “أثبتت الأحداث والوقائع أن إضعاف الدور المسيحي في لبنان يؤدي دائما إلى: ترنح وحدة لبنان ونظامه الديمقراطي ونمط حياته الحضاري؛ اهتزاز الشراكة المسيحية/الإسلامية؛ قلق مسيحيي العالم العربي؛ اختلال علاقات لبنان العربية والدولية؛ إلصاق هويات مختلفة ومتناقضة بالهوية اللبنانية الوطنية؛ فشل التجربة اللبنانية التي تعطى على العموم كنموذج حسي ليس فقط للحوار بين الأديان، بل أيضا وبخاصة لعيشها المشترك في دولة واحدة، المنظم في الدستور والميثاق الوطني. إذا كان لقاء التفكير والصلاة محصورا بالرؤساء الروحيين المسيحيين، فهذا لا يقصي أحدا، بل ينسجم مع قلق المسيحيين على مصير لبنان، لا على مصيرهم وحدهم. وهذا ما فعلوه في كل منعطف تاريخي لبناني أو مشرقي بغض النظر عن موازين القوى. لم يختر المسيحيون يوما مشروعا لهم بل لخدمة الكيان اللبناني وكل اللبنانيين.
إننا نحمل معنا حقيقة الوضع اللبناني من النواحي الكنسية والوطنية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، خصوصا في ظل جماعة سياسية تتعمد عزل لبنان عن أصدقائه، وإفقار شعبه، وضرب نظامه، وتشويه ميثاقه، وتزوير هويته، وهدر كرامة أبنائه، وهي أغلى ما لديهم. وها هي الجماعة السياسية إياها تمد يدها اليوم لتسرق أموال المودعين من خلال السحب من الاحتياط الإلزامي في مصرف لبنان، وكأنها تريد تمويل حملاتها الانتخابية من أموال المودعين. وهذه جريمة موصوفة. فأي قرار حكومي أو تشريع نيابي يقر هذا السحب، إنما يستوجب الطعن فيه لدى المرجع القضائي المختص”.
وختم الراعي: “غريب أمر هذه الجماعة السياسية التي تحلل لنفسها مد اليد إلى أموال الشعب، وتحرم على نفسها تأليف حكومة للشعب. هل صار كل شيء ممكنا ما عدا تأليف حكومة؟ إن جميع التدابير البديلة التي تلجأ إليها السلطة هي نتيجة الامتناع عن تشكيل حكومة إنقاذ تقوم بالإصلاحات الضرورية فتأتيها المساعدات من الدول الشقيقة والصديقة ومن المؤسسات الدولية. ألفوا، أيها المسؤولون، حكومة ودعوا أموال الناس للناس. وفيما نكرس الشرق الأوسط للعائلة المقدسة، ونصلي من أجل السلام على أرض أوطاننا، نكرس على الأخص وطننا لبنان، ونصلي من أجل إحلال السلام فيه، سلاما آتيا من الله، لمجد وتسبيح الثالوث القدوس، الآب والإبن والروح القدس، إلى الأبد آمين”.
Comments are closed.