«صراع الإرادات» في لبنان يحتدم مع جفاف أموال الدعم.. نقابة المحامين تحفّز المصارف لحماية احتياطي الودائع

يتبارى الوزراء في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية ومعهم حاكم البنك المركزي رياض سلامة في الجهر، متأخرين نحو عام وأكثر، بقرب أفول «عصرالدعم» الموجّه الى المواد الاساسية، سواء كان بالسعر الرسمي البالغ 1515 ليرة للدولار أو بسعر المنصة البالغ 3900 ليرة.

وارتضى وزير المال غازي وزني أن يزفّ «البشرى» مكتملة العناصر الى المقيمن بـ «ان المال المخصص لتمويل الواردات الأساسية سينفد بحلول نهاية مايو، وقد طلب المصرف المركزي من حكومة تصريف الأعمال اتخاذ قرار في شأن الرفع التدريجي للدعم لتقنين احتياطات النقد الأجنبي المتبقية».

والى جانب استحقاق تَعَذُّر تَواصُل الدعم الذي ينذر بتوليد مخاطر معيشية متطرفة في حدّتها وقد تقود الى تطورات تهدد الاستقرار الامني الهش، يدور «كباش» غير خفي في شأن احتياط الودائع بالعملات الأجنبية المحدد بنسبة 15 في المئة من أصل الوديعة مخزّنة الزامياً في البنك المركزي ومدرَجة ضمن الاحتياط العام. بينما تعاني المصارف جفافاً شبه مطبق بتوافر سيولة العملات الصعبة، وتمتنع منذ اشهر طويلة عن صرفها بالدولار لصالح مودعيها أو إجراء أي تحويلات للخارج.

ويبدو أن صراع الإرادات الخافت، مع التمادي الرسمي بتقاذف كرة «مرجعية» القرار وعدم حسم الخيارات البديلة للتخلي عن السياسة الفاشلة بتمويل سلع ومواد أساسية بما يسبّب نزف 500 مليون دولار شهرياً لا يصل ربعها للمسهتدفين، سيتحوّل مسموعاً بأعلى الأصوات ومرئياً بكل حيثياته في غضون أسابيع قليلة في حال لم تتألف الحكومة الجديدة الموعودة، بما يُفترض أن تعكسه من وقائع جديدة في الميدان الداخلي، وبغير ذلك فإن هوة الانهيار ستصبح بلا قعر، بحسب توصيفات مراجع وخبراء لم يعودوا يُخْفون أن العتمة الكهربائية الشاملة وانفلات وحش الغلاء من آخِر قيوده لن يكونا حينها بالتأكيد آخِر «الآلام».

ما هو ثابت احصائياً والأحدث توثيقاً أول الشهر الحالي، أن إجمالي الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي وصل إلى 17.1 مليار دولار، وفق بيانات مالية رصدتها «الراي». وفي المقابل، يناهز اجمالي الودائع المحرّرة بالدولار في الجهاز المصرفي نحو 105 مليار دولار، ما يعني تلقائياً أن نحو 15.7 مليار دولار تمثل الاحتياطي الالزامي لهذه الودائع. وهي حقوق «معلّقة» للمودعين، وربما هي السيولة النقدية اليتيمة بالعملة الصعبة التي تحفظ لهم جزءاً يوازي 15 في المئة من أصل الوديعة.

أما من الناحية العملية، فثمة إشارات غير مُطَمْئنة يمكن استنباطها من خلال رصد «شهية» الدولة بمرجعياتها المقررة وبأحزابها ذات «المونة» لمواصلة الانفاق من الاحتياط من دون اتخاذ أي تدبير استثنائي لحماية «الرمق» المتبقي للمودعين الذين يعانون أصلاً تقييد سحوباتهم وإخضاعها لسعر يقلّ عن ثلث القيمة الأصلية و«الحقيقية» للوديعة. وفي آخِر التجليات، إقرار مجلس النواب سلفة لمؤسسة الكهرباء بقيمة توازي فعلياً 200 مليون دولار، في موازاة «تهرُّب» الحكومة من قرار ترشيد الدعم، ما جَعَلَ البنك المركزي في وضعية حرجة وبحوزته ما يقل عن 1.4 مليار دولار فقط من الاحتياط الحر تكفي، وفق المنوال السائد، لتغطية الدعم لأسابيع قليلة لا تتعدى أول شهر يونيو المقبل.

وفرضت جسامة الملف وتداعياته، تحركاً واعداً من نقابة المحامين التي طلبت، في كتابٍ سلّمتْه الى جمعية المصارف ووقّعه النقيب ملحم خلف «باتّخاذ كافة الإجراءات القانونيّة والقضائيّة مع المصارف وباتخاذ كافّة الإجراءات القانونيّة والقضائيّة في لبنان ولدى المصارف المراسلة لمصرف لبنان، لمنْع هذا الأخير من التصرّف بما تبقّى لديه مِن أموال المودِعين»، مؤكدة أنها «لن تألو جهداً على كلّ الأصعدة ولدى كلّ المراجع في لبنان والخارج لحماية ما تبقّى مِن أموال المودعين في مصرف لبنان».

وتلقّفت جمعية المصارف مبادرة «أهل القانون»، لترفع بدورها كتاباً إلى حاكم مصرف لبنان، موقّعاً بإسم رئيس مجلس إدارة الجمعية سليم صفير، تُبدي فيه دعمها «القوي والصريح» لموقف سلامة بعدم المَسّ بالاحتياطي الإلزامي لأي سببٍ حرصاً على أموال المودِعين «إذ لا يمكن تحويل هذا الاحتياطي لأي سبب من الأسباب، إلى دعم للمنتجات المستوردة من الخارج بأي شكل من الأشكال».

وبيّنت في كتابها، أن أموال الاحتياطي الالزامي هي ايداعات ذات تخصيص محدد، لا يمكن استخدامها سوى للغاية المُعَدّة لها حصراً. ولكونها محتسبة كنسبةٍ من التزامات المصارف، فإنه يقتضي مع انخفاض الودائع بالعملة الأجنبية تحرير القسم المقابل وإعادة الفائض الى المصارف عبر نقل المبالغ من حسابات البنك المركزي الخارجية الى حسابات المصارف لدى البنوك المُراسِلة.

وإذ أملت الجمعية في كتابها «استمرار التعاون الحثيث مع مصرف لبنان بغية حماية أموال المودِعين»، تمنّت على الحاكم سلامة أن «يتم إعلان هذا الموقف بشكل رسمي وحاسم في أقرب فرصة».
الراي

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.