السلطة «تُلاعِب» المبادرة الفرنسية.. و«حزب الله» ذكّر بخطوطه الحمر

دَخَلَتْ بيروت أسبوعاً من «اللعب في قلْب الهاوية»، وسط توقعاتٍ بأن تشتدّ المناوراتُ والكمائنُ في الطريق إلى الاستشارات النيابية المُلْزِمة لتكليف رئيس جديد للحكومة حدّد رئيس الجمهورية ميشال عون موعداً مفاجئاً لها في 15 أكتوبر الجاري.

وبحسب أوساط واسعة الاطلاع، ليس المهمّ تحديد موعد الاستشارات ولا حتى تأليف حكومة كيفما كان، فالأهمّ استيلاد تشكيلةٍ بمعيار الخطر الوجودي الذي يواجهه لبنان. وهذه الحكومة بالتحديد هي التي حاولتْ مبادرةُ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الدفعَ باتجاهها على قاعدةٍ مزدوجة: الأولى في الشكل الذي يقوم على تشكيلةٍ من اختصاصيين مستقلّين لا تسميهم القوى السياسية، بما «يشتري» للبنان وقتاً مستقطعاً في المواجهة الأميركية – الايرانية، والثانية في المضمون الذي يرتكز على جدول أعمال إصلاحي بمهلٍ محدَّدة يضعُ البلادَ على سكة إنقاذٍ مالي مُمَرْحَل لا تكتمل شروطه بمعزل عن الشقّ السياسي من الأزمة اللبنانية.

ومع اصطدام مبادرة ماكرون بـ«جدار مصفّح» أقامه «حزب الله» خصوصاً أمام شقّها السياسي تحت عنوان رفْض تشكيل حكومة من خارج معيار الأكثرية النيابية أو تشكّل انقلاباً عليها مع تَمَسُّك الثنائي الشيعي (الحزب والرئيس نبيه بري) بحقيبة المال من بابٍ ميثاقي وبأن تسمّي القوى السياسية ممثّليها في الحكومة وبالتشاور مع الكتل النيابية، لم يتوانَ الحزب وقبل أن يجفّ حبر توجيه عون الدعوة للاستشارات النيابية عن التذكير بهذه القواعد ليتقاطع مع مناخاتٍ عبّر عنها قريبون من فريق الرئيس بأن المبادرة الفرنسية بشقّها السياسي تعثّرت أما بشقّها الاقتصادي فلا تزال قائمة.

واعتبرتْ الأوساطُ أن ثمة محاولةً تبلورتْ ملامحها في الساعات الماضية لإجراء مقايضةٍ بين طبيعة الحكومة وبين المشروع الإصلاحي، على قاعدةِ السعي لانتزاع تشكيلةٍ سياسية بأوسع تمثيلٍ أو بالحدّ الأدنى تكنو – سياسية تحت سقف البُعد الذي كان رَسَمَهُ الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله غداة اعتذار السفير مصطفى أديب، بتأكيده أن تمثيل الحزب في الحكومة هدفه «حماية ظهر المقاومة» ومنْع انزلاق لبنان في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

وترى الأوساط أن الأنظار تتجه خصوصاً إلى نادي رؤساء الحكومة السابقين (سعد الحريري، نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة وتمام سلام) وإذا كانوا في وارد تكرار تجربة اقتراح سلّة أسماء لرئاسة الحكومة لتختار قوى الغالبية النيابية بينها كما حصل مع تكليف أديب (في 31 أغسطس الماضي) ولكن لرئاسةِ تشكيلة بشروط «حزب الله» وحلفائه، وحتى إذا كانوا يغطّون طرْح ميقاتي لحكومة تكنو – سياسية من 20 وزيراً (بينهم 6 وزراء سياسيين)، لأن في الجواب على هذا السؤال يتّضح إذا كانت البلاد ستتجه إلى حكومات ما قبل ثورة 17 اكتوبر 2019 (حكومات وحدة وطنية كاملة أو مطعّمة بتكنوقراط) التي استقال الحريري على وهجها قبل نحو عام، أو إلى استنساخ تجربة حكومة حسان دياب المستقيلة ذات اللون الواحد.

وإذ اعتبرت أن إطلالة الحريري التلفزيونية مساء اليوم، ستبلور الكثير مما ستحمله الأيام الفاصلة عن الاستشارات ولا سيما أن قوى الغالبية تفضّل أن يترأس هو الحكومة الجديدة بقواعد الأكثرية النيابية، لاحظتْ أن ثمة محاولة من الائتلاف الحاكم لوضع الرئيس الفرنسي أمام معادلة إما أن تتحرّك دفْعاً لنسخة جديدة من مبادرتك بشروطنا على صعيد إدارة التفاوض وطبيعة الحكومة وتالياً توازناتها، وإما تعلن فشلك مع ما ينطوي عليه ذلك من انتكاسة لمكانة فرنسا في المنطقة.

ولا تتوانى الأوساط نفسها عن الإعراب عن صعوبة تقديرِ إذا كان الائتلاف الحاكم سيغامر بحكومةٍ من خارج شروط المبادرة الفرنسية التي حظيت بعدم ممانعة أميركية على ألا تكسر حلقة الضغط الأقصى على «حزب الله» من ضمن المكاسرة مع إيران، مشيرة إلى أن أي حكومةٍ جديدة ليكون لها «أمل» في وقف تَدَحْرج لبنان نحو السقوط المريع، ينبغي أن تتكئ على«سيبة» ثلاثية تبدأ داخلياً من تغطية الرباعي السني لها، ومن وقْعها على المجتمع الدولي كما على الشارع الذي يتهيأ لإحياء الذكرى الأولى لانتفاضة 17 أكتوبر.

ولم يكن عابراً أمس وقبيل إطلالة نصرالله مساءً أن يعاجِلَ نائبه الشيخ نعيم قاسم الملف الحكومي في ضوء تحديد موعد الاستشارات، محدداً شروط حزب الله القديمة – الجديدة القائمة على أن «الوقت ليس مواتياً لتغيير موازين القوى، ولا للانقلاب على نتائج الانتخابات، ولا لابتداع صيغ لحكومة لا تمثل الكتل النيابية»، مشيراً إلى أن «الحلَّ الوحيد المتاح هو التكليف والتأليف بحسب الدستور والآليات المعتمدة منذ الطائف، وأي تجاوز لهذا الحل يعني إبقاء البلد في المراوحة والتدهور».

وفي موقفٍ حَمَلَ إشارةً «نصف سلبية» من باريس، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أن بلاده ستنظّم مؤتمراً للمساعدات الإنسانية للبنان خلال نوفمبر المقبل بعدما كان من المقرَّر إقامته في اكتوبر، في ما بدا ربْطاً ضمنياً بين الحاجة للإفراج عن الحكومة وفتْح باب الدعم الإنساني.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.