«البيان الوزاري» ضمن خطة «تسويق» الحكومة

يتحرك رئيس الحكومة حسان دياب منذ لحظة دخوله السراي الحكومي، مقيما ومستقرا مع عائلته، ضمن خطة واضحة المعالم والنقاط، تهدف الى معالجة نقاط الضعف والفجوات التي تعاني منها حكومته، وتهدف تحديدا الى:



1 ـ كسب ثقة الطائفة السنية أولا كبيئة حاضنة لأي رئيس حكومة. وبما أن غياب التأييد والغطاء السني يشكل الثغرة الأساسية في وضعية دياب، حتى أن زيارته الى دار الفتوى لم تحصل حتى الآن، فإنه يسعى جاهدا الى انتزاع الثقة السنية عبر إثبات أنه «ليس الحلقة الأضعف في الحكم»، وأنه ضنين بدور رئاسة الحكومة وصلاحياتها وقادر على «حماية» المراكز والمواقع السنية الأساسية في الدولة، حتى لو كانت تابعة للرئيس سعد الحريري ومحسوبة عليه.. وهذا التوجه كان ليخلق في وجهه مشاكل وصدامات مع أركان الحكم، ولاسيما رئيس الجمهورية، ولكن دياب يستقوي بالحاجة إليه في هذه المرحلة، ويعرف أن الرئيس ميشال عون له مصلحة في إنجاحه، ليس فقط بسبب الأزمة الخطيرة وإنما لأن رئيس الجمهورية ليس راغبا برؤية الحريري مرة ثانية رئيسا للحكومة في عهده، وكذلك الأمر بالنسبة لحزب الله الذي يغض النظر ويتساهل معه لأنه يعرف أنه من الصعب إيجاد «دياب آخر» وتشكيل حكومة جديدة في حال انهارت حكومته.

2 ـ كسب ثقة المجتمع الدولي، والعربي أولا والخليجي خصوصا، وهذا ما بدأه في طريقة مخاطبة الخارج والعزف على وتر الإصلاحات التي يشترطها والإيحاء بإحداث تغيير في الأداء والسلوك.. والأهم من ذلك، إبداء رغبة القيام بجولة خليجية تبدأ من السعودية، مع ما يعنيه ذلك من توجه الى إحداث توازن في السياسة الخارجية والإقليمية، وباتجاه مزيد من التشاور مع دول الخليج والتناغم مع الموقف العربي العام.

وهذا ما ظهر في الاجتماع العربي الطارئ في القاهرة الذي شكل أول اختبار مبكر للحكومة ووزير الخارجية الجديد ناصيف حتي.

3 ـ كسب ثقة المجتمع اللبناني، وتحديدا الشارع المنتفض والرأي العام المتحضر للمراقبة والمحاسبة.

وهذه العملية ليست سهلة وتتطلب وقتا وجهدا ومثابرة، لأن أزمة الثقة عميقة ودرجة الإحباط والخيبة عالية.

يركز دياب على استمالة الرأي العام واكتساب الثقة الشعبية أكثر من أي شيء آخر، لأنه يعتبرها مفتاح النجاح والوصول الى المجتمع الدولي والحصول على دعمه.

الثقة النيابية تهمه كحاجة وضرورة، ومسايرته للقوى التي سمته وتؤيد حكومته وتقف وراءها لا تتجاوز هذه الضرورة.

وأما مهادنته للقوى السياسية الأساسية التي لم تسمه وأصبحت خارج الحكومة، فإنها أيضا من باب الضرورة وكي تهادنه.

الثقة الشعبية حاول دياب أن يبنيها من لحظة تشكيل حكومته عندما أوحى أنه نفذ ما وعد به من حكومة تكنوقراط، ولم يرضخ لمطلب أن تكون حكومة تكنوسياسية.

وبعد ذلك، شرع في إثبات ذلك عبر خطوات صغيرة رمزية (مثل الفصل في السراي الحكومي بين جناحه الخاص والأجنحة الأخرى لدفع فاتورة الكهرباء من جيبه، أو مثل إعلان وزير المال غازي وزني أنه سيتكفل بمصاريف مكتبه الخاص في الوزارة..)، وعبر خطوات أساسية مثل البيان الوزاري الذي حرص دياب من خلاله على أن يكون عمل حكومته نموذجيا عملا بفكرة التكنوقراط التي تستدعي أن يكون عمل الوزراء متخصصا، ولأن سيف الشارع مسلط فوق رأس الحكومة.

حاول دياب من خلال البيان الوزاري إقناع الرأي العام أن حكومته لن تألو جهدا في مهمتها الإنقاذية، وأنها ستنأى بنفسها عن الوعود الفضفاضة والمقاربات المبهرة للنظر، وأن البيان الوزاري لن يكون نظريا وحبرا على ورق، وإنما يتضمن خطة إنقاذية عملية ذات مهل زمنية محددة، وكمحصلة لأكثر من ورشة عمل جرت مع أصحاب الاختصاص للوقوف عند آرائهم وأفكارهم من الاقتراحات التي ستلزم الحكومة نفسها بتطبيقها.

في جديد البيان الوزاري، في الشكل والطريقة التي أعد فيها، أن النقاش حوله لم ينطلق من مسودة جاهزة وإنما من «الصفر»، حيث تولى كل وزير اقتراح الخطة التي يريدها لوزارته والإنجازات التي يسعى الى تحقيقها، فضلا عن المهل الزمنية المحددة.

فإذا كان المكتوب يقرأ من عنوانه، فإن الحكومة تقرأ من عنوانها وهو «بيانها» الذي إذا لم يكن تقليديا، فإنه يساعدها على خلق انطباع جيد لدى الرأي العام ويمدد الفرصة وفترة السماح المعطاة لها.

أما في المضمون، فتم إبراز مسألة أن الشق السياسي، وللمرة الأولى منذ العام 2005، كان هامشيا ولم تكن له الأولوية، وأن الاهتمام تحول بالكامل باتجاه الأزمة الاقتصادية المالية وإيجاد حل لها.

الشق السياسي لم يأخذ الكثير من الوقت وجرى اعتماد بيان الحكومة السابق كـ «نسخة منقحة» بإدخال تعديلات «لغوية» تسترضي الدول العربية والغربية.

ولكن الشق الاقتصادي والمالي هو الذي استأثر بالاهتمام وهيمن على المضمون.

البيان الوزاري، الذي يقول إن الحكومة مستقلة وإن العديد من مطالب الحراك ليست محقة فقط وإنما هي في صلب خطتها، يرتكز على برنامج عمل يتضمن خطة طوارئ إنقاذية وسلة إصلاحات محورها ورشة إصلاح قضائي وتشريعي ومكافحة الفساد وتصحيحات ومعالجات في المالية العامة، تواكبها إجراءات اقتصادية تحفز الانتقال من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج بالإضافة إلى شبكة الأمان الاجتماعي، مقترحا الاستعانة بالخطة الاقتصادية التي أعدها المكتب الاستشاري «ماكينزي»، وتخفيض الفائدة على القروض والودائع لإنعاش الاقتصاد وتخفيض كلفة الدين.

وتشمل الخطة المتكاملة، على سبيل التعداد لا الحصر، مشاريع قوانين وإجراءات مجدولة على مراحل ثلاث من 100 يوم إلى ثلاث سنوات.

وضمن خطة عمل المائة يوم، تعهدت الحكومة بإجراء الإصلاحات القضائية واستقلال القضاء، وإقرار الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وتعيين نواب حاكم مصرف لبنان وملء الشواغر في الجامعة اللبنانية وإنشاء المجلس الأعلى للتخطيط، فيما تلحظ خطة العمل من سنة إلى ثلاث سنوات، إطلاق ورشة قانونية لتحديث القوانين واسترداد الأموال المنهوبة من خلال إقرار مشروع قانون يكافئ من يساعد في الكشف عن الجرائم التي تستهدف المال العام، كما يتعهد البيان الالتزام بما ورد من إصلاحات في الورقة التي أقرت في مؤتمر «سيدر» واجراء إصلاحات ضريبية تعمد على تحسين الجباية ومكافحة التهريب من المعابر الشرعية وغير الشرعية والتهرب الضريبي، وإعادة هيكلة القطاع العام وخفض الدين العام، ومعالجة الأزمة النقدية والمصرفية من أجل حماية أموال المودعين، ولاسيما صغارهم في المصارف والمحافظة على سلامة النقد، واستعادة استقرار النظام المصرفي من خلال مجموعة تدابير منها إعادة رسملة المصارف ومعالجة تزايد القروض المتعثرة.

وفي موضوع الطاقة، دعت الحكومة إلى تخفيض سقف تحويلات الخزينة لمؤسسة كهرباء لبنان ورفع التعرفة مع تحسين التغذية وتعيين مجلس إدارة جديد للمؤسسة وتعيين الهيئة الناظمة للقطاع، مع اعتماد الخطة التي أقرت في مجلس الوزراء وأكدت عليها الورقة الإصلاحية للحكومة السابقة، والإسراع في إجراء دورة التراخيص الثانية في قطاعي الغاز والنفط وإقرار قانون الصندوق السيادي وقانون الشراكة الوطنية.

وفي ملف إعادة هيكلة القطاع المصرفي، يتحدث البيان عن منع أي هندسة مالية مستقبلية لتعويض نقص الربح وتحميل أصحاب المصارف وكبار المودعين العبء الأكبر، الذين استفادوا من السياسات المالية في الماضي، إضافة إلى تشديد الضوابط لمنع المصارف من التعرض لاستثمارات خطيرة، والتحقيق الفوري بالتحويلات إلى الخارج التي حصلت بعد 17 أكتوبر ونشر نتائجها، بالإضافة إلى مساءلة المصارف عن استنسابية التعامل مع المودعين، والتفاوض على أي إجراء استثنائي إضافي لازم.

كما تلتزم الحكومة تعزيز شبكة الأمان الاجتماعية، عبر مكافحة الفقر المدقع ومساعدة الأسر الأكثر فقرا، واعتماد نظام صحي شامل لتغطية جميع اللبنانيين، وضمان شيخوخة لجميع اللبنانيين، واعتماد نظام ضريبي جديد منصف لفائدة الطبقة الوسطى والفقيرة، إضافة إلى دعم شركات القطاع الخاص وتحديدا المتوسطة والصغيرة الحجم ومعالجة الخلل البنيوي للاقتصاد اللبناني لنقله من اقتصاد ريعي إلى منتج يخلق فرص عمل مستدامة ويزيد التصدير ليعالج بالتالي أزمة ميزان المدفوعات وأزمة الميزان التجاري.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.