لبنان… استمرار الدوران في المأزق

لم تصمد طويلاً اندفاعةُ رئيس الجمهورية ميشال عون في اتجاه تحديد موعدٍ كان مقَرَّراً اليوم أو غداً للاستشارات النيابية المُلْزِمة لتكليف رئيس للحكومة العتيدة، ليعود المأزقُ الذي تعيشه البلاد إلى «الدوران في مكانه»، بما يضع لبنان أمام سيناريواتٍ قاتمة.


وفي هذا الإطار، بدا واضحاً أن موقف القصر الجمهوري في «ثلاثاء عزوف» رئيس حكومة تصريف الأعمال عن تشكيل حكومة جديدة، كان أقرب إلى «ردّ الفعل» على خطوة سعد الحريري الذي أعطى إشارة «تَحرُّر» من محاولات تقييده بالشروط وتحميله مسؤولية العجز عن تشكيل الحكومة بعد شهر من إعلان استقالته، وهي «الحرب الناعمة» التي احتُجز معها التكليف والتأليف معاً من ضمن حرص تحالف فريق عون – الثنائي الشيعي على الإبقاء على ورقة التكليف «في الجيْب» للضغط عبرها لانتزاع المواصفات المطلوبة لحكومةٍ تُلاقي بالحدّ الممكن الثورة الشعبية وتحْفظ في الوقت نفسه التوازنات السياسية التي أرستْها الانتخابات النيابية (فاز فيها هذا التحالف) بما لها من أبعاد إقليمية لا يمكن إغفالها.
وبحسب أوساط سياسية، فإنّ «حزب الله» خصوصاً لم يتراجع عن تَمَسُّكه بالحريري لرئاسة الحكومة التكنو – سياسية أو أقلّه أن يغطّي الأخير الشخصية التي قد تُكلَّف لتشكيلها على أن يشارك «تيار المستقبل» فيها.
وفيما كانت مصادر قريبة من القصر الجمهوري تعزو تأخير موعد الاستشارات لنحو 48 ساعة إلى «التشاور حول اسم الرئيس المكلف بالإضافة إلى الاتصالات مع الكتل حول الترتيبات اللوجستية»، كان بارزاً غمْزها من إصرار على أنّ الأسماء البديلة عن الحريري لرئاسة الحكومة تكون بالتشاور والتوافق معه، وسط تأكيد قناة «او تي في» (تابعة للتيار الوطني الحر) أنّ الاسم الاكثر ترجيحاً لرئاسة الحكومة لا يزال سمير الخطيب (المدير العام لشركة «خطيب وعلمي») وأن هناك بعض التفاصيل التي تنتظر حسم بعض الكتل لموقفها نهائياً والأمر يتبلور خلال الساعات المقبلة».
وعَكَس هذا الجوّ المتريّث أن الملف الحكومي ما زال يدور في «حلقة مفرغة»، في ظلّ أن الحريري لم يكتفِ بإعلان «ليس أنا بل أحد آخَر لرئاسة الحكومة» بل ذهب إلى حد تأكيد أنه لن يعلن اسم مرشحه لرئاسة الحكومة إلا في الاستشارات النيابية رافعاً الغطاء الذي جرى الإيحاء بأنه أعطاه للخطيب وسواه (بينهم وليد علم الدين وفؤاد مخزومي).
وفي حين تقاطعتْ تسريباتٌ أمس عند الكشف عن أن آخِر الصيغ التي عُرضت على الحريري في سياق الحكومة التكنو – سياسية، كانت تقضي بأن يكون هناك 4 وزراء يمثلون القوى السياسية و14 أو 16 وزيراً تكنوقراط ومن الحراك الشعبي، ولكن الخلاف كان قائما حول هوية التكنوقراط وهل يُسمون من الأحزاب أم من خارجها، تأكّد وجود قطب مخفية أخرى كانت أشارت اليها «الراي» أول من أمس وأهمّها الإصرار على توزير رئيس «التيار الحر» جبران باسيل، وهو ما سبق للحريري أن أبدى رفْضه القاطع له سواء كان الأمر يتعلّق بحكومة يترأسها (تكنوقراط) أو بحكومة يمكن أن يغطّيها.
من ناحيته، شدد رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال «لقاء الأربعاء النيابي»، على أنه «لا يجوز ممارسة الديكتاتورية لا في الشارع ولا في المؤسسات».
وإذ استوقف الأوساط السياسية كلام باسيل من بودابست، وقوله «تخيلوا أنهم يعِدون اللبنانيين بربيع آخر وهم يحضّرون لهم شتاءً آخر في ظل انتفاضةٍ محقّة بدأت ملونةً وقد تنتهي سوداء إذا استمرّ النفخ فيها حقداً وتحريضا وتقطيعاً لأوصال الوطن»، أشارت إلى الدلالات المخيفة للمشهد الذي ارتسم ليل الثلاثاء – الأربعاء مع تكريس معادلة «الشارع مقابل شارع».
فقد أعلن الجيش، الذي سقط له عشرات الجرحى، توقيف 16 شخصاً على خلفية اشكالات وأعمال شغب.
ففي حين توجه موكب لـ»التيار الحر» إلى بلدة بكفيا، مطلقاً هتافاتٍ ضدّ الرئيس السابق أمين الجميل، اعترض طريقه مناصرو حزب الكتائب، ما أدى الى مواجهات وتكسير سيارات وسقوط 8 جرحى من الجيش.
وفي الوقت نفسه، كان «خط التماس» الشهير الذي انطلقت منه «بوسطة» الحرب الأهلية وهو عين الرمانة – الشياح يشهد مواجهاتٍ بين مناصرين للثنائي الشيعي وآخَرين لـ«القوات اللبنانية» و»الكتائب» انتهت بفصْل الجيش بين المتواجهين وجرْح 10 عسكريين جراء التراشق بالحجارة.
وفي طرابلس، حاولت مجموعة من الشبان إقتحام مكتب التيار الحر في شارع الجميزات، فتصدت لهم قوة من الجيش ما أدى الى وقوع مواجهات عنيفة أدت إلى جرح 33 عسكرياً وعدد من المتظاهرين قبل أن ينْدفع الشبان لتكسير واجهات المصارف ومحال تجارية والاعتداء على أملاك خاصة وإحراق صراف آلي.
ونظمت نحو مئة امرأة مسيرة بعد ظهر أمس، انطلقت من عين الرمانة إلى الشياح تنديداً بما شهدته المنطقة ليلاً. ورفعن لافتات عدة كتب على إحداها «الحرب الأهلية انتهت»، بينما رمى السكان الزهور والأرز عليهن تأييدا لمسيرتهن.
من جهتها، أعلنت جمعية المصارف، إن البنوك لن تشارك في إضراب عام مدته ثلاثة أيام من المقرر أن يبدأ اليوم.

الراي

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.