ماذا بعد إعلان الحريري… «ليس أنا بل أحد آخَر» لرئاسة الحكومة؟

يتّجه لبنان نحو منعطف جديد يصعب التكهن بمآله في ضوء حسْم رئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري قراره بعدم ترؤس حكومة جديدة، والتوقعات التي سادتْ بتحديد يوم غد أو الجمعة موعداً للاستشارات النيابية المُلْزمة التي يُجْريها رئيس الجمهورية ميشال عون لتسمية الرئيس المكلف، وسط سباقٍ محموم ارتسم بين المسار السياسي للأزمة التي رافقتْ اندلاعَ «ثورة 17 أكتوبر» وبين المخاطر الأمنية المرتفعة التي عبّرتْ عنها خصوصاً «الغزواتُ» المتنقّلة بين بيروت وصور وبعلبك (منذ الأحد) لمناصري «حزب الله» وحركة «أمل»، وكل ذلك فيما تتزايد مظاهر الانهيار المالي – الاقتصادي الذي يُخشى أن تتضاءل تباعاً إمكانات لجْمه.


وعشية مرور شهر على إعلان استقالته استجابةً لضغوط الشارع ومَطالب الثورة بتشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين تمهّد لانتخابات نيابية مبكرة، رمى الحريري الكرةَ مرّةً جديدة في ملعب تحالف عون – الثنائي الشيعي عبر إخراج نفسه من «القفص» الذي أُريدَ حشْرُه فيه لاستدراجه إلى ترؤس حكومة تكنو – سياسية لا يريدها وتصويره أنه هو الذي يؤخّر التكليف والتأليف.
وعَكَس بيانُ «ليس أنا، بل أحد آخَر» لتشكيل الحكومة الذي أصْدره الحريري أمس، بعضاً من التعقيدات الخفية التي حكمتْ التجاذب بين أطراف السلطة حول الملف الحكومي، كما ظهّر «انكسارَ الجرّة» مع عون الذي سارعت مصادره إلى الحديث عن انقطاع «حبل السرة» مع زعيم «تيار المستقبل»، ما ترك علامات استفهام حول مجمل المرحلة المقبلة بعدما دُفنت تسوية 2016 التي جاءت بالرجلين إلى الحُكم.
فالحريري الذي انتقد «حالة الإنكار المزمن الذي تم التعبير عنه في مناسبات عديدة طوال الاسابيع الماضية»، ووضع خروجه من مشهد التكليف في سياق «تحريك عجلة المعالجات وفتح الباب أمام البدء بالحلول»، انتقد ضمناً عون بقوله: «عندما أعلن للملأ أنني لا أرى حلاً للخروج من الأزمة الاقتصادية الحادة إلا بحكومة أخصائيين، وأرشح مَن أراه مناسِباً لتشكيلها، ثم أتبنى الترشيح تلو الآخر لمَن مِن شأنه تشكيل حكومة تكنو-سياسية، أواجَه بأنني أتصرف على قاعدة أنا أو لا أحد ثم على قاعدة أنا ولا أحد. علماً ان كل اللبنانيين يعرفون مَن صاحب هذا الشعار قولاً وممارسة».
وأضاف: «أسوأ الإنكار هو أن مَن يعرفون كل هذه الوقائع ما زالوا يتحججون تجاه الرأي العام بأنهم ينتظرون قراراً من سعد الحريري المتردد لتحميلي، زوراً وبهتاناً، مسؤولية تأخير تشكيل الحكومة الجديدة».
وتابع: «إزاء هذه الممارسات عديمة المسؤولية، أعلن أنني متمسك بقاعدة – ليس أنا، بل أحد آخر – لتشكيل حكومة تحاكي طموحات الشباب والشابات وكلي أمل، وثقة، أنه بعد إعلان قراري هذا، الصريح والقاطع، أن فخامة رئيس الجمهورية سيبادر فورا إلى الدعوة للاستشارات النيابية الملزمة».
وفي ظلّ الغموض الكبير، لفّ سيناريو الساعات المقبلة لاعتبارات عدة أهمّها:
• إذا كان التكليف سيتم بالتفاهم مع الحريري، فهل سيعني ذلك أنه سيشارك في التشكيلة التكنو – سياسية التي لن يتراجع عنها تَحالُف عون – الثنائي الشيعي، وبأي شروط؟ وكيف سيتم تجاوُز العقبات التي كانت واجهت آخِر محاولة لتسمية رئيس حكومة بديل عن زعيم «المستقبل» وبالتوافق معه وهو الوزير السابق بهيج طبارة (سقط خياره ليل الاثنين) وتحديداً لجهة طلب صلاحيات تشريعية استثنائية للحكومة العتيدة وأن يختار الرئيس المكلف أسماء الوزراء الاختصاصيين على أن يتمتّع بحق ‏ «الفيتو» على الوزراء السياسيين، وصولاً إلى عودة بروز عقدة توزير رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل خلافاً لرأي الحريري وذلك من خارج المعادلة التي كان يتم الترويج لها على قاعدة الحريري وباسيل يدخلان معاً أو يخرجان معاً.
• إذا كان التكليف سيجري من دون موافقة الحريري، فهذا سيعني الاتجاه إلى حكومة «اللون الواحد» في ضوء إعلان حزبيْ «القوات اللبنانية» و«التقدمي الاشتراكي» منذ فترة اعتكافهما عن المشاركة في أي حكومة مقبلة. ورغم إيحاء أجواء قريبة من عون بأن أي حكومة جديدة بلا زعيم «المستقبل» لن تكون حكومة اللون الواحد ولا المواجهة إلا مع الأزمة المالية – الاقتصادية وبأن رسائل خارجية وصلتْ إلى لبنان وتشي بعدم ممانعةٍ في قيام حكومة تكنو – سياسية من دون الحريري على قاعدة أن الأهمّ استقرار لبنان، فإن أوساطاً سياسية ترى أن أي حكومةٍ لـ «حزب الله» وحلفائه ستساهم في المزيد من عزلة لبنان عربياً ودولياً.
وفيما أعقب بيان الحريري التداول باسم المهندس سمير الخطيب (المدير العام لشركة «خطيب وعلمي») باعتباره الأوفر حظاً لتشكيل الحكومة مع تسريبات بأن زعيم «المستقبل» يوافق عليه، فإن أوساطاً سياسية حاذرت الوقوع مجدداً في «تجربة» ترشيح كل من الوزير السابق محمد الصفدي ثم طبارة اللذين احترق اسماهما سريعاً، مُلاحِظةً أن المرشّحين المحتملين لرئاسة الوزراء يشترطون الحصول على دعم علني من الحريري كما من رؤساء الحكومة السابقين ودار الفتوى، وداعية إلى رصْد إذا كان حصل فعلاً توافق على اسم بالتفاهم مع الحريري أو من دونه لتكليفه في الاستشارات، وسط أسئلة لم تسقط حول هل تخلى «حزب الله» كلياً عن الإصرار على الحريري كرئيسٍ لحكومة تكنو – سياسية تواجه الأزمة?
وإذ اعتُبر موقف الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي بعد اجتماع المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى عن «أنّنا رؤساء الحكومة السابقين نؤكّد تأييدنا أن يتابع الرئيس الحريري مهماته هو الذي كان الركن الأساسي بالتسوية الرئاسية التي كانت بين طرفين ولا يجوز أن يترك أحد الطرفين الساحة ويبقى الآخر» إشارةً مبكّرة إلى عدم نضوج أي تفاهم، برز إعلان سمير الخطيب أنه «تم التواصل معي من بعض الجهات المعنية بتشكيل الحكومة وكان جوابي ان التوافق ضروري لأي حل».
في موازاة ذلك، استوقف الأوساط السياسية اندفاع السلطة إلى تحريك شارعها بمواجهة المنتفضين عبر «هجمات نقالة» شملت أمس منطقة بعلبك حيث هاجم مناصرون لـ «حزب الله» و«أمل» ساحة خليل مطران التي يتجمّع فيها «الثوار» واعتدوا عليهم مع تسجيل إطلاق نار وتكسير الخيم، فيما كان مناصرو «التيار الحر» يتصدّون وأيضاً على طريقة شارع مقابل شارع لاعتصام أقيم على طريق القصر الجمهوري للحضّ على إجراء الاستشارات وتشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين.
وكان ليل الاثنين شهد اعتداء مناصري «الثنائي» على خيم المعتصمين في صور بالتزامن مع مظاهر استفزازية في بيروت وتحديداً في مناطق محسوبة على «المستقبل»، في استكمالٍ للمشهدية المروّعة في محلة «الرينغ» ليل الأحد. وليلاً تجولت مجموعات أخرى في الكولا مطلقة النار في الهواء بكثافة.
وأعلن الجيش اللبناني، أمس، اعتقال المدعو (ي. ح) في طرابلس، بعدما أطلق النار على منزل ميقاتي.

الراي – وسام أبو حرفوش – من ليندا عازار

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.