التعري أقل شعبية في ألمانيا.. لا إرتياح في المناطق التي يتواجد بها عراة

ثمة فرصة كبيرة أمام أي شخص يسير عبر متنزه عام أو غابة في ألمانيا لأن يقابل شخصا ما يستمتع بحمام شمس وهو متجرد من ملابسه، مما يثير دهشة أولئك الذين لم يألفوا هذا النمط السلوكي.

ومع ذلك نجد أن ثقافة التعري من الناحية التاريخية ولدت في ألمانيا.

ويوضح المؤرخ الألماني هيكو شتوف أنه “تم تأسيس أول نواد للاستفادة من مميزات الطبيعة في الإمبراطورية الألمانية بنهاية القرن التاسع عشر، لم تكن هناك فوارق بين الدول الأوروبية في كيفية التعامل مع التعري”.

ويقول شتوف إن “حركة العودة للطبيعة، الجديدة وقتذاك كانت لها رسالة مفادها ضرورة العمل بشكل منتظم على تحسين شكل الجسم، باستلهام النموذج الإغريقي الكلاسيكي الذي يمثل نوعا من الجسد المرمري”.

ولم يكن للجنس أي دور في هذه الحركة، بخلاف التفكير في أن الأجسام الجميلة التي تتمتع بالصحة هي وحدها التي يجب أن تنجب، وهو اعتقاد جاء في إطار التركيز على “النظافة العنصرية” في تلك الفترة من النازية، وهو تعبير كان المقصود منه الحفاظ على العرق الألماني من الاختلاط بالأعراق الأخرى الأقل منه وفقا للتصور النازي.

كما أن مذهب التعري في العشرينات من القرن الماضي كان له جانب اجتماعي ينادي بأن جسم العامل المقهور يجب أن يصبح مدركا لذاته عن طريق التعري.

صور السيلفي تظهر الأجسام النموذجية التي تتمتع بالبشرة المشدودة والناعمة، وتؤثر سلبا على هواة العري

ويشير شتوف إلى أن مذهب التعري كان يهدف إلى التخلي عن القيم الأكثر قدما وتقليدية للإمبراطورية الألمانية، ويقول إنه “كان تعبيرا عن حب مباهج الحياة”.

كما ازدهرت المجلات التي تتبنى ثقافة التعري في العشرينات من القرن الماضي، ويشير شتوف إلى أن هذه المجلات لا علاقة لها بالإباحية، على الرغم من أنها غالبا ما تبتعد بالكاد عن مخالفة القانون، وكانت تنشر من آن لآخر صورا لأشخاص يمرحون على الشاطئ، مما مثل ابتعادا عن أسلوب التصوير الفوتوغرافي السابق التقليدي الذي يقوم على إعداد الشخص لجلسة التصوير بدلا من التقاط الصور التلقائية والعفوية له.

واستمرت ثقافة التعري في الازدهار أثناء عهد النازية في ألمانيا، ومن أكثر الكتب مبيعا في تلك الفترة كتاب عن التعري بعنوان “الإنسان والشمس” من تأليف هانز سورين وكان حافلا بصور أشخاص عراة.

وبعد عام 1945 تم تأسيس شواطئ منفصلة للعراة في كل من ألمانيا الشرقية والغربية، وكانت سباحة العراة من الاتجاهات العصرية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، كما سارت نساء كثيرات على الشواطئ عاريات الصدور.

ولكن الأمور والأحوال تغيرت.

ويبدو أن التعري أصبح اليوم أقل شعبية، أو ربما أصبح يقسم المجتمع بدرجة أكبر، وبينما لا يزال كثير من الأشخاص سعداء بتمضية أوقاتهم وهم بلا ملابس، فإن عددا متزايدا من الأفراد أصبحوا يريدون الاحتفاظ بملابسهم.

كما أن جائحة كورونا أذنت بحدوث تغيير في المفاهيم، فمثلا أغلقت بحيرة إيديو الشهيرة الكائنة بضاحية فانسي ببرلين، المنطقة المسموح فيها بالتعري تنفيذا للوائح الاحترازية.

وأشار استطلاع للرأي أجري مؤخرا إلى أن المزيد من الألمان أصبحوا لا يشعرون بالارتياح في المناطق التي يتواجد بها أشخاص عراة، وسجل هؤلاء نسبة 36 في المئة من مجموع من أجري عليهم الاستطلاع وعددهم 2053 شخصا، مقارنة بما نسبته 28 في المئة منهم أعربوا عن شعورهم بالارتياح، وقال الباقون إنهم يتجنبون أماكن تواجد العراة من حيث المبدأ أو لا يشاركونهم في أفكارهم.

وربما ما يثير دهشة أقل أنه عند تحليل نتيجة الاستطلاع وفقا للنوع بين الجنسين، نجد أن المزيد من النساء يشعرن بعدم الراحة إزاء التعري مقارنة بالرجال، حيث أعرب ما نسبته 39 في المئة من النساء عن عدم الارتياح مقارنة بنسبة 34 في المئة من الرجال.

ومن ناحية التراث قال المزيد من الألمان الشرقيين (36 في المئة) إنهم يشعرون بالارتياح بين الأشخاص العراة، مقارنة بما نسبته 26 في المئة من سكان ألمانيا الغربية.

وتركزت أحدث مناقشة حول ما إذا كان إظهار صدر المرأة يعد نوعا من التعري، في الوقت الذي لا تعد صدور الرجال العارية كذلك.

وهذا التساؤل أدى إلى إطلاق حركة تطالب “بالمساواة بين الجميع في الصدور”، ويقول المدافعون عن هذا المطلب إنه يجب السماح للمرأة بأن تسير عارية الصدر في نفس الأماكن التي يسير فيها الرجال عراة الصدور، كما يقولون إنه يجب إضفاء الصفة الطبيعية على الصدور وليس النظر إليها على أن لها علاقة بالجنس، ورفعت الحركة شعارا يقول “لا يجب تحرير صدور ما إلا إذا تحررت كل الصدور”.

ثقافة التعري استمرت في الازدهار أثناء عهد النازية في ألمانيا، ومن أكثر الكتب مبيعا في تلك الفترة كتاب عن التعري بعنوان “الإنسان والشمس”

ويرى شتوف أن الجدل الدائر لا يتعلق بالحقائق المجردة، ولكن بدلا من ذلك يبرز بعض الطرق التي تؤثر بها التكنولوجيا في الثقافة.

ويوضح أن منصات التواصل الاجتماعي سببت نوعا من الخجل لمحبي التعري، مشيرا إلى أن الصور السيلفي التي تنشر على منصة إنستغرام وتظهر مجموعات من الأجسام النموذجية التي تتمتع بالبشرة المشدودة والناعمة، تؤثر سلبا على العراة.

ويقول إن “معظم الصور المنشورة تتم معالجتها، غير أنه على الشاطئ لا يمكننا وضع أنفسنا أمام فلتر تنقية وتحسين الصور، وأعتقد أن هذا سبب قوي في ظهور مشاعر عدم ارتياح إزاء التعري، ذلك لأن حقيقة شكل الأجسام تخيف كثيرا من الناس وبالتالي أصبحوا يرفضون الكشف عنها”.

وبينما يوافق بعض الأشخاص على إظهار أجسامهم التي تحتوي على بعض العيوب، يشعر كثيرون بأنهم يتعرضون لضغوط لكي يقتربوا من تحقيق ما يرون أنه نموذج للجسم المثالي.

ويضيف المؤرخ الألماني شتوف “سرعان ما ستشعر بنوع من الفشل لعدم تحقيق الجسم المثالي، وهذا بالطبع يفسد بهجة التعري ويعرض المرء لنوع من الضغوط والرغبة في التنافس”.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.