انتخابات لبنان.. معركة بين أحجام الأحزاب وإحجام الناخبين

صخب شعبي وحزبي يضجّ به لبنان إلى حين موعد الانتخابات في 15 مايو المقبل. لا تبدو المعركة الانتخابية بين خصوم يحتكمون لصناديق الاقتراع، بل إنها معركة تتواجه فيها «أحجام الأحزاب» مع «إحجام الناخبين» عن المشاركة. الإحجام مرده أزمة البلد وبعض الأحزاب، الذي تجاهل الأزمة وتعالى عليها، فيما قدّم بعضها الآخر صورة المشهد بـ«مرايا مكبّرة»، والنتيجة تأسيس حزب عابر للطوائف والمناطق، هو حزب «القرفانين» الذين قرروا الإنكفاء في منازلهم يوم الانتخاب.

على أبواب مرحلة اصطفافات وتقاطعات مفصليّة، يقف لبنان عند مفترق لاستحقاقات متزاحمة تضع مصيره على المحكّ، فيما بات الأمل معقوداً على أن يشرّع الاستحقاق الإنتخابي، في 15 مايو المقبل، أبواب التغيير المنشود. أمّا الإشارة الدالّة، فمفادها أنّ الانتخابات المقبلة ليست انتخابات أكثريّة وأقليّة، بل انتخابات مصيريّة بين وجهة التغيير والانهيار الكبير.

بعد عبور المحطة الأولى على طريق هذا الاستحقاق، التي تجلّت في تحديد موعد إجرائها في الدوائر الانتخابية الـ15 في كلّ المحافظات والأقضية، انتهت المحطة الثانية بتقديم الترشيحات، في 15 من الجاري، لتبدأ المحطة الثالثة بالرجوع عن الترشيحات لمن يرغب في ذلك، ضمن مهلة تنتهي آخر الشهر الجاري، تليها المحطة الرابعة بتشكيل اللوائح المتنافسة، ضمن مهلة تنتهي في 4 أبريل المقبل. وذلك، تمهيداً لفتح صفحة المنازلات الخطابيّة والانتخابية على حلبة الاستحقاق، ‏وحتى موعد «الصمت الانتخابي»، الذي يمتدّ من الساعة الصفر في 14 مايو المقبل، ولغاية إقفال ‏صناديق الإقتراع في 15 منه.

‎وفي ظلّ غياب نادي رؤساء الحكومات وقيادات الصفّ الأوّل، وعلى رقم قياسي في تاريخ الانتخابات النيابيّة في لبنان منذ الستينيّات، تقدم لهذه الانتخابات 1043 مرشّحاً، بينهم 155 مرشّحة، يتنافسون على 128 مقعداً، مناصفةً بين المسلمين والمسيحيّين. ويرجّح المحلّل السياسي طوني فرنسيس أن يستمرّ نحو نصف عدد الذين ترشّحوا إلى الانتخابات في خوْض المنافسة، ذلك أنّ حظّ الوصول إلى الندوة البرلمانيّة محصور بـ128 منهم، ممّن سيحوزون النسبة الأوفر من مانحي الصوت التفضيلي، فيما معركة الحواصل ستُلقى على عاتقهم، إذْ إنّ الغالبية منهم ستكون مهمّتها تدعيم حاصل اللائحة التي سيلتحقون بها، وغالبية أخرى ستخرج من سِباق تشكيل اللوائح، لكوْن القانون الانتخابي، المسمّى نسبياً، وبحسب تأكيد فرنسيس لـ«البيان»، يفرض هذا النوع من التصفية في صفوف المرشحين قبل الوصول إلى التصفية العامّة عبر الصناديق.

«فخّ» القانون

ومن بوّابة هذا الواقع، فإنّ ثمّة إجماعاً على أنّ قانون الانتخاب النافذ «يجرّ» الكتل والأحزاب إلى حيث لا يسعها التراجع إلى الوراء. معظمها باتت أقرب إلى استيعاب «الفخّ» المقيم في القانون. وهو أنّ الأصل فيه، على ما يؤكّد الاختصاصي في الشأن الانتخابي جان الباشا لـ«البيان»، توصل الكتل والأحزاب إلى الحاصل المؤهِّل للفوز بالمقعد، قبل التعويل على الأصوات التفضيلية المفضية إلى تعيين الأسماء الفائزة. فالطريقة التي أُخرِج بها هذا القانون في مجلس النوّاب، عام 2018، أحالت الناخبين أرقاماً تركض وراءها لوائح الكتل. وعليه، وبحسب الباشا، لا يزال من المبكر رسْم الصورة الشاملة للتحالفات، على مستوى القوى الحزبيّة والسياسيّة التقليديّة، كما على مستوى «القوى المجتمعيّة»، وتبدو كأنّها تحاول التقاط الأنفاس المتعبة، والضياع في عالم اللوائح الكبرى المحسوبة على السلطة، ‏أو المشكّلة من تيّاراتها الحاكمة.

استطلاعات وتشاؤم

أسماء غابت، معالم تحالفات تشكّلت، تصفيات وتجاذبات حتى موعد الانتخابات.. وتتوالى التأكيدات السياسيّة على أنّ الانتخابات ستجري في موعدها المحدّد، فيما تشهد الحلبة الانتخابية ما يمكن تسميتها «زحمة استطلاعات» انتخابية، سياسيّة وحزبيّة ومدنيّة، الجامع بينه، بحسب قول الباحثة مهى الفغالي لـ«البيان»، أنّها تقارب الانتخابات بصورة متشائمة، لاستحقاق يؤشّر المزاج الشعبي إلى أنّه الأدنى من حيث النسبة المتوقّعة للاقتراع، حيث إنّها لن تلامس عتبة الـ49.6% التي سجّلتها انتخابات العام 2018، بل أنّها ستشهد انخفاضاً مريعاً لهذه النسبة، حيث ذهب بعض الإستطلاعات إلى رسْم صورة تقريبيّة لنسبة المقترعين على مستوى كلّ لبنان، تفترض أنّ نسبة الانخفاض المتوقعة تزيد حتماً عن 10 نقاط. واللافت في هذه الإستطلاعات، وفق الخبير ربيع زيتوني، أنّها لا تنسجم مع ما تسمّيها «مبالغات غير واقعية من الداخل والخارج في ما يتعلّق باقتراع المغتربين» إذْ إنّ مزاج الناخب المغترب لا يختلف أبداً عن مزاج الناخب المقيم وتوجّهاته.

وبمعزل عن الصّخب السياسي والمدني والحزبي الذي سيضجّ في البلد خلال الفترة الفاصلة عن موعد الانتخابات، بالترداد المملّ لذات العناوين والشعارات، فإنّه، وبحسب القراءات المتعدّدة، لا يؤشر إلى أنّه مرتبط حصراً بمعركة انتخابية بين خصوم يستعدّون لحسمٍ في ما بينهم في صناديق الإقتراع، بل أنّه مرتبط بالدرجة الأولى بمعركة قاسية تنتظر الأحزاب والتيارات على اختلافها، تتواجه فيها «أَحجام الأحزاب» مع «إحجام الناخبين» عن المشاركة في هذا الإستحقاق.

وحسبما أبلغ محلّلون لـ«البيان»، فإنّ الإحجام مردّه بالدرجة الأولى إلى الأزمة التي يشهدها لبنان، كما إلى «خطيئة» الأحزاب، التي تبدّت في كوْن بعضها تجاهل الأزمة وتعالى عليها بإنكار وجودها، وقاربها بمنطق السلطة الحاكمة وتنزيهها عن أيّ دور في الانهيار، وفي كوْن بعضها الآخر قدّم صورة المشهد الدّاخلي، ما بعد اندلاع الأزمة، بـ«مرايا مكبّرة» لا تعكس الواقع. أمّا النتيجة الطبيعيّة، فكانت تأسيس أكبر حزب في لبنان، عابر لكلّ طوائفه ومناطقه، هو حزب «القرفانين»، وفق تعبير أحدهم، الذين قرّروا الإنكفاء في منازلهم يوم الإنتخاب.

ويبدو أن واقع قوى الحراك المدني المتنوّعة والمتعددة ليس أفضل حالاً، حيث تؤكّد الوقائع الانتخابية أنّ قدرتها ضعيفة ولا تملك القدرة على التغيير وانتزاع ثقة المواطن اللبناني. وأشار الناشط السياسي عماد دياب لـ«البيان» إلى أنّ للصخب السياسي المنتظر وظيفة محدّدة، هي تحمية الأجواء الانتخابية، فيما لا مفاجآت منتظرة في النتائج المتوقّعة، لا تغيير في الهيكل السياسي والنيابي القائم، في ظلّ القانون الانتخابي النافذ، الذي تصفه أكثريّة اللبنانيّين بـ«القانون المسْخ».

وقائع وتحديات

ووسط الانقسام السياسي المتمدّد على طول المشهد اللبناني وعرضه، فإنّ ثمّة خشية من دخول البلد في بازار مفتوح على كلّ التشنّجات، وتحت عناوين وشعارات لزوم المعركة الانتخابية، والتي تؤشّر كلّ الوقائع المرتبطة بها إلى أنّها ستكون الأكثر احتداماً من كلّ الاستحقاقات الإنتخابيّة السابقة. أمّا الأجواء السياسيّة، فباتت محكومة بالوقائع المرتبطة بهذا التاريخ، والتي تؤشر، وفق إجماع مصادر سياسيّة متعدّدة لـ«البيان»، إلى معركة حتميّة، تحضّر لها الأطراف الداخلية على اختلافها، وتحت عناوين مختلفة ومتصادمة، بين قوى تخوضها معركة مصيريّة، وقوى تسعى إلى الحفاظ على أحجامها أو إلى تكبيرها، وقوى تسعى إلى كسْر أكثريات معيّنة للتربّع في موقع الأكثر تمثيلاً في الطائفة، وقوى تذهب بعيداً في وضع عنوان عريض لمعركتها، فحواه إحداث انقلاب جذري في الخريطة النيابيّة القائمة حالياً.

وفي ظلّ مشهد يؤكد، نظريّاً، أنّ الإنتخابات النيابيّة ستجرى في موعدها المحدّد في 15 مايو المقبل، فإنّ ثمّة كلاماً عن أنّ العدّ العكسي لمرحلة الأسابيع الحاسمة عن موعد الانتخابات لا يتّصل باستكمال الإجراءات القانونيّة التنفيذيّة، إذْ إنّ الانهيار الذي يشهده لبنان يجعل من المهلة المتبقية للإنتخابات محكّاً بالغ الدقّة والصعوبة، وربّما الخطورة، وذلك على 3 مستويات، بدءاً من التحدّي الكبير للحكومة والسلطة، في استكمال إجراءات إنجاح الاستحقاق، وسط رصْد الداخل والخارج للمطبّات التي قد تواجه إنجاز هذه الإجراءات بما يكفل الحدود القصوى من الكفاءة والنزاهة والشفافية والجاهزية لإجراء الانتخابات، مروراً بالاستحقاق الاجتماعي الأخطر إطلاقاً، ووصولاً إلى توفير معايير الإستقرار السياسي والأمني، لحماية الاستحقاق وعدم تعريضه لأخطار غير محسوبة، قد يُراد منها الإطاحة به، وسط ظروف دوليّة تحول دون أيّ اهتمام خارجي ملموس وفعّال بالوضع في لبنان، أقلّه في هذه المرحلة.

وفي الانتظار، فإنّ كلّ الوقائع المرتبطة بتاريخ 15 مايو تؤشّر إلى معركة حتميّة، تحضّر لها الأطراف الداخلية على اختلافها، وتحت عناوين مختلفة ومتصادمة، فيما يبقى السؤال معلّقاً حتى إشعار آخر: لمن سيعطي اللبنانيّون أصواتهم؟ هل لنموذج الحكم والحياة الذي شهدته السنوات الماضية، أم لنموذج الدولة الحقيقيّة المنفتحة على العالم بأسره؟.

البيان – وفاء عواد

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.
مواضيع تهمك

Comments are closed.