القاضي حاتم ماضي: القاضي يحكم ولا يُحكم عليه وهو ليس عبداً ولا يحق لأي سلطة تهديده

أكد مدعي عام التمييز السابق القاضي حاتم ماضي أن مبدأ فصل السلطات يمنع على الحكومة أن تتدخل في عمل السلطة القضائية، كما يمنع عليها استدعاءها الى جلسة مشتركة معها لأنها ليست بإمرة السلطة التنفيذية وبالتالي هي خارج الاستدعاءات والقاضي يستدعي ولا يستدعى، وهو يحكم ولا يحكم عليه، وإذا كانت هناك من مشكلة بين السلطات يتم التفاهم عليها بعيدا عن الأضواء وعن الإعلام.

ورأى القاضي ماضي في تصريح لـ«الأنباء» أن ما حصل خلال الأيام الماضية من عقد جلسة للحكومة لمعالجة المشكلة بين القضاء والمصارف أمر غير مألوف، وحسنا فعل القضاة الكبار في عدم حضورهم جلسة مجلس الوزراء لأن الأخير لا يحق له استدعاء أي قاض، كما لا يحق لرئيس الحكومة أن يهدد بطرد قاض كبير من مركزه بحجة أن الحكومة عينته، صحيح أنها عينته لكنه ليس عبدا لها وتمتلكه، إنما بإمكانها كما عينته أن تقيله لا أن تهدد بإقالته اذا لم يلب ما يقال له، اذا أقيلك من مركزك، وهذا تهديد وهو أمر غير جائز ويرفضه القضاة ونحن لسنا في العصر الحجري، وما قاله الرئيس ميقاتي في هذا الإطار أعتبره حالة غضب.

واعتبر القاضي ماضي أنه لا أزمة بين القضاء والمصارف بالمعنى الحقيقي للكلمة، وإن كانت كما اعتبرتها المصارف أزمة، إلا أنها أزمة عابرة جاءت في ظروف غير طبيعية.

وردا على سؤال قال القاضي ماضي إن هناك ملفات بين يدي المدعية العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون فإذا رأى مدعي عام التمييز أن إدارة الملف غير سليمة يمكنه القول لها ارفعي يدك عنه، اما إذا وجد العكس يبقيه معها، فالقرار الأول والأخير له ولا أحد من السلطات السياسية يحق لها ان تقول له اعمل هذا ولا تعمل ذاك. فالمدعي العام التمييزي هو من يدير النيابات العامة كلها وهو صاحب السلطات التي يوزعها بقوة القانون على المدعين العامين ويمكنه أن يأتي بأي ملف من عند أي مدع عام ويتولى هو التحقيق به وملاحقته، كما بإمكانه أن يقول له اترك هذا الملف. وهنا يجب التفريق بين قضاء الحكم وقضاء الادعاء الذي هو النيابة العامة التمييزية والمدعين العامين الاستئنافيين.

وعن الدعاوى التي أقيمت بحق عدد من المصارف أكد القاضي ماضي أن القضاء يقوم بواجبه وقدمت أمامه عدة دعاوى وحقق فيها واتخذ القرارات التي تتفق مع القانون اللبناني، وهذه القرارات لم ترق لجمعية المصارف بذريعة أن الوضع الحالي لا يتحمل أزمة من هذا النوع. فالقاضي عندما اتخذ قرارا بحق أحد المصارف اتخذه وفقا للقانون ولا يمكنه أن يقول أن هذا القرار ملائم أو غير ملائم، انما عليه أن يتخذ قرارا ولا يمكنه ان يرفض دعوى تقدم اليه وإلا يكون مستنكفا وهذا يرتب عليه مسؤولية.

واعتبر القاضي ماضي أن الانهيار المالي مشكلة مثلثة الأضلاع مؤلفة من السلطة الحاكمة وحاكم مصرف لبنان والمصارف، وهؤلاء الثلاثة تواطأوا وتعاملوا وتشاركوا في الانهيار المالي، والسلطة الحاكمة والمقصود ليس السلطة الحالية بل على مدى ثلاثين عاما كانت تريد مالا، وكان مصرف لبنان يزودها بالمال خلافا للقانون الذي حدد للمصرف سقفا معينا، وحاكم مصرف لبنان تجاوز السقف بأشواط، ولما لم يعد لديه المال التفت الى أموال المودعين وجرى سحبها بالاتفاق مع أصحاب المصارف، لقاء فوائد معينة، فقامت المصارف التجارية بإعطائه المال الموجود لديها والذي يخص المودعين حتى وصلنا الى مرحلة لم يعد في المصرف المركزي ولا في المصارف المال، عمد اصحابها عندما شعروا ان الوضع آيل الى الانهيار الى تهريب أموالهم الخاصة بهم واموال بعض كبار المودعين الى الخارج، وبالتالي أصبح معظم المال العائد للمودعين خارج لبنان وأتى المودعون اليوم الصغار منهم والمتوسطون للمطالبة بأموالهم ووجدوا صناديق المصارف خاوية ولا يوجد فيها فلس، والحل هو بأن تستعيد الأموال التي أخرجتها تهريبا الى صناديقها في بيروت، وتعيد توزيعها على مستحقيها بصرف النظر عن مستقبل هذه المصارف أو لا.

وعن لجوء المودعين في المصارف الى القضاء لتحصيل حقوقهم، قال القاضي ماضي إن المودع يريد حقوقه، والقضاء هو الوسيلة الوحيدة المتاحة أمامه للوصول الى ذلك، بمعزل عن الجدار الذي تتحصن خلفه المصارف، وفي كل دول العالم النظام المصرفي قائم على هذا الأساس. وهو أن الودائع حق لأصحابها وواجب على المصرف أن يعيد الوديعة كما أودعها صاحبها وبذات العملة، وما حصل أن المصارف أخفت الودائع ام هربتها، لا أعرف انما الودائع غير موجودة وأصحابها يريدون الحصول عليها ويتوجهون الى المصرف ولا يجدون شيئا، ويكون الحل عندهم باللجوء الى القضاء، وهذا حق من حقوقهم المطلقة التي لا جدال فيها. وهو ليس مسؤولا عن التعثر الذي يصيب المصرف، او أن يتحمل ما تعثر به المصرف وليس شريكا مضاربا للمصرف، وهو صاحب حق ويجب أن يحصل على حقه، والقضاء هو السبيل الوحيد الذي يوصله الى حقه.

وعن توقيف شقيق حاكم مصرف لبنان رجا سلامة، اشار القاضي ماضي الى ان هناك دعوى مقدمة من القاضية غادة عون بحق حاكم مصرف لبنان وشقيقه وسيدة أجنبية، وهذه الدعوى حقق بها المدعي العام، لكن لم يحضر سلامة الجلسة فاتخذت بحقة تدبيرا وهو تدبير قانوني بحت، وشقيقه حضر واستجوبته وأصدرت مذكرة توقيف وأوقفته على ذمة التحقيق، وهو أمر منوط بقاضي التحقيق، ويبقى موقوفا في المرحلة الاولى 48 ساعة، ويمكن للمدعي العام أن يجددها 48 ساعة جديدة أي أربعة أيام، وبعد هذه المدة، فإن أمام المدعي العام أحد خيارين، إما أن تطلق سراحه وتتابع الدعوى أمام المحكمة او أن تحيله موقوفا أمام قاضي التحقيق، وهنا تبدأ مرحلة جديدة من الإجراءات القانونية. حتى الآن ما أقدمت عليه المدعية العامة قانوني وسليم، لكن بما أن المعني بالموضوع شقيق حاكم مصرف لبنان اتخذت القضية بعدا آخر تجاه الرأي العام، كأن هناك من هم فوق القانون ومن هم تحت القانون.

ورأى القاضي ماضي أن مشروع القانون المتعلق باستقلالية السلطة القضائية الذي وضع مؤخرا أمام الهيئة العامة أعيد الى لجنة الإدارة والعدل لمناقشته، وقال: نحن في دولة من دول العالم الثالث، لا أحد يحب القضاء كونه رقيبا على عمل السلطة السياسية ويحاسبها، ولا يريدون قضاء مستقلا بل تابعا، لأن القضاء المستقل يحاسبهم، من هنا نفهم تصرف السلطة السياسية في الأيام الماضية، وكيف تعاملت مع القضاء.

الانباء ـ اتحاد درويش

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.
مواضيع تهمك

Comments are closed.