ترسيم الحدود البحرية في لبنان: تسوية داخلية بحسابات انتخابية

لقاء مع الوسيط الأميركي في عملية التفاوض غير المباشر لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل آموس هوكشتاين

شكّل إعلان لبنان عن تراجعه عن الخط الحدودي البحري 29 إلى 23 مفاجأة كبيرة قد تمهد لإتمام مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، فيما يبحث رئيس الجمهورية ميشال عون عن إنجاز ينقذ عهدته الرئاسية ويمكن تسويقه انتخابيا قبل الاستحقاق النيابي في مايو القادم.

وتنتهى عهدة عون الرئاسية في أكتوبر القادم دون أي إنجاز، بينما يعاني حزب التيار الوطني الحر الذي يقوده صهره جبران باسيل وكان مؤسسه من تراجع شعبيته داخل بيئته المسيحية.

ويقول مراقبون إن عون بات في أمسّ الحاجة إلى إنجاز اقتصادي للعمل عليه انتخابيا، وهو ما دفعه إلى التراجع عن تحفظات سابقة بشأن ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل والدفع باتجاه التسوية.

وزار الموفد الأميركي آموس هوكشتاين لبنان في الثامن من فبراير الجاري، حيث التقى بمسؤولين لبنانيين، وقال في أحد اللقاءات الصحافية إن مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل “في نهايتها” وإن التفاوض هو بين الخطّين 1 و23.

وجاءت زيارة الموفد الأميركي في محاولة لإعادة تحريك المفاوضات بين الجانبين التي انطلقت في أكتوبر 2020 ثم جُمدت في مايو 2021، عقدت خلالها 4 جلسات محادثات برعاية الأمم المتحدة ووساطة أميركية دون التوصل إلى اتفاق.

وما بين الخطين 1 و23 منطقة بحرية متنازع عليها بين بيروت وتل أبيب تبلغ مساحتها 860 كيلومترا مربعا وتعد غنية بالنفط والغاز، إلا أن الوفد اللبناني قدم خلال إحدى جلسات التفاوض خارطة تقول إن حدود بلاده هي الخط 29 وتدفع باتجاه 1430 كيلومترا إضافية لصالح لبنان.

وجاء الموقف اللبناني المستجد بعد إعلان الرئيس اللبناني في الثاني عشر من فبراير الجاري أن “حدود لبنان البحرية هي الخط 23 وهو خط تفاوضنا الذي نتمسك به، وأن البعض طرح الخط 29 من دون حجج لبرهنته”.

وجاء موقف عون مناقضا لما نُقل عنه سابقاً عن تمسكه بالخط 29، كما يخالف رأي الجيش اللبناني ووفده المفاوض الذي أصر سابقاً على اعتماد الخط 29 كمنطلق للمفاوضات، ما دفع برئيس الوفد المفاوض العميد الركن الطّيار بسام ياسين في اليوم ذاته الى إصدار بيان ردّ حول ذلك.

وقال ياسين في بيانه حينها إن “الرئيس عون كان يؤكد دائماً خلال كافة الاجتماعات التي عقدها مع الوفد على ضرورة التمسّك ببدء المفاوضات من الخط 29، وكان يرفض حصر التفاوض بين الخطين 1 و23 كما تطالب إسرائيل”. واعتبر ياسين أن “الخط 23 غير تقني وغير قانوني وتشوبه الكثير من العيوب”.

ويرى محللون أن المصالح السياسية الداخلية وراء هذا التطور الذي يأتي على أعتاب الانتخابات في لبنان.

وكرر وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب الجمعة موقف عون الأخير عندما قال إن “الخط 23 هو الذي يحقق مصلحة لبنان، وأن التمسك بالخط 29 لن يؤدي إلى نتيجة”.

وكشف بوحبيب أنه تواصل مع مسؤولين في حزب الله قبل زيارة هوكشتاين الأولى إلى لبنان في نوفمبر الماضي وسمع منهم أن “ملف الحدود البحرية هو شأن الحكومة”.

وفي أكثر من مرة أكد أمين عام حزب الله حسن نصرالله أن جماعته لا تتدخل في عملية ترسيم الحدود، وتمضي بما تقرر الحكومة اللبنانية بهذا الشأن.

وفي الثامن من فبراير الجاري قال نصرالله في حديث تلفزيوني “نحن کمقاومة لا نتدخل في موضوع ترسيم الحدود، لأنه ‏بالنسبة إلينا لا يوجد شيء اسمه إسرائيل ‏لنذهب ونكون جزءا من الترسيم معها”.

وأضاف حينها أن “موضوع ترسيم الحدود تقرره الدولة اللبنانية، ونحن كمقاومة نلتزم بهذه الحدود التي تقبل بها وتقررها مؤسسات الدولة”.

واعتبر المحلل والكاتب السياسي منير الربيع أن حسابات سياسية داخلية قد تكون خلف ذلك لتسريع ترسيم الحدود، خصوصا أن لبنان على مشارف الانتخابات النيابية والرئاسية.

واعتبر الربيع أن “ثمة همّ أساسي للرئيس عون وهو أنه يريد أن ينجز عملية ترسيم الحدود في عهده (ينتهي أواخر أكتوبر 2022)، كي يعلن إطلاق عمليات التنقيب عن النفط والغاز”.

سياسيون لبنانيون يأملون أن تساعد الموارد الهيدروكربونية المحتملة قبالة الساحل اللبناني في انتشال البلاد المثقلة بالديون من أعمق أزمة اقتصادية تواجهها

وأضاف الربيع “لرئيس البلاد همٌّ أساسي آخر وهو رفع العقوبات الأميركية عن صهره جبران باسيل، واستعادة عدد من الأوراق القوية داخلياً قبيل موعد الانتخابات”.

ولفت إلى أن “التيار الوطني الحر (حزب عون) يسعى للحفاظ على مقاعده ووجوده في الانتخابات النيابية والرئاسية المقبلتين، أو حصول تمديد للمجلس النيابي ولولاية رئاسة الجمهورية، أي أنها حسابات ومصالح سياسية بحتة خلف ذلك”.

ويأمل سياسيون لبنانيون أن تساعد الموارد الهيدروكربونية المحتملة قبالة الساحل اللبناني في انتشال البلاد المثقلة بالديون من أعمق أزمة اقتصادية تواجهها.

ومن شأن الاتفاق جلب أرباح للبلدين من مخزونات الغاز الموجودة في المنطقة المتنازع عليها، الأمر الذي سيساعد لبنان في التخلص من أزمته الاقتصادية.

ووفق الاتفاق البحري المحتمل ستحصل شركات طاقة دولية على حقوق البحث واستخراج الغاز الطبيعي، ومن ثمّ يتفق الطرفان على وسيط دولي سيحدد مستوى الأرباح التي ستحصل عليها كل دولة.

ويشهد لبنان منذ عام 2019 انهيارا اقتصاديا غير مسبوق صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن الماضي. ويترافق ذلك مع شلل سياسي يحول دون اتخاذ خطوات إصلاحية تحدّ من التدهور وتحسّن من نوعية حياة السكان الذين يعيش أكثر من ثمانين في المئة منهم تحت خط الفقر.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.
مواضيع تهمك

Comments are closed.