حكومة لبنان المُصابة بـ «عمى الألوان» تفتّش عن خطة إنقاذ.. موجودة

الوزراء 2

اختلط حابل مشروع قانون الموازنة الذي أحاله مجلس الوزراء بطريقة ملتبسة على مجلس النواب، بنابل خطة التعافي التي تتعثّرحكومة الرئيس نجيب ميقاتي في استخلاص بنودها ومقارباتها الرقمية والعلاجية، توطئةً للانتقال من مرحلة المشاورات التقنية إلى استحقاق المفاوضات الرسمية مع إدارة صندوق النقد الدولي.

ووسط هواجس مشروعة من طغيانِ الانشغال الداخلي بالانتخابات النيابية المقررة منتصف مايو المقبل على أولوياتِ كبْحِ الانهيارات المعيشية والنقدية، تستعيد مشاعر الإحباط زخمها القوي في كواليس الأوساط الاقتصادية والمالية التي راهنت على فرصة انفراجاتِ تحملها حكومة ميقاتي، بعدما عانت الأمرّين مع حكومة الرئيس حسّان دياب التي صعقتها في أولى قرارتها المفصلية بإخراج لبنان وقطاعه المالي من الأسواق المالية الدولية جراء إصرارها على تعليق دفْع كامل موجبات الديون الحكومية المحرَّرة بالعملات الأجنبية (يوروبوندز).

وارتفع منسوبُ الريبةِ لدى الاقتصاديين والمصرفيين إثر انكشاف النتيجة المخيّبة لأحدث جولات المشاورات الافتراضية التي أجراها الفريق الوزاري والاقتصادي اللبناني مع الفريق المكلّف من إدارة صندوق النقد في واشنطن. وهذا ما رمى إلى التحذير المسبق منه، سيلُ النصائح التي وردتْ إلى الحكومة من مستشارين وخبراء محليين ودوليين، بضرورة إيلاء الأهمية المحورية لإنجاز الإطار الشامل للاصلاحات الهيكلية وتضمينها في خطة متكاملة مدعّمة بتوافق سياسي ومجتمعي عريضيْن.

وجاء ترتيب أولويات الفريق اللبناني متبايناً مع المنهجية المعتادة في أعمال صندوق النقد وبرامجه التمويلية، رغم الإدراك المسبق وخبرات رئيس الفريق سعادة الشامي، نائب رئيس الحكومة، بأن إدارة الصندوق تقدّم إطار برنامج «الانقاذ والتعافي» وأولويات مقارباته عبر مقترحات جدية وممنهجة لإعادة هيكلة واسعة النطاق تشمل إدارة المالية العامة واستدامة الدين (البنك المركزي والقطاع المصرفي) وسعر صرف الدولار وميزان المدفوعات وقطاع الطاقة والحوكمة والحماية الاجتماعية ومساعدة العائلات الفقيرة.

في المقابل، حاول الفريق اللبناني التركيز على «استجرار» موافقة المؤسسة المالية الدولية على تصوّرات توزيعِ أثقال الفجوة المالية المقدَّرة بنحو 69 مليار دولار، بما تحويه من شبه تنصُّل تام للدولة من مسؤوليتها في التغطية التشريعية والقانونية لشهية إنفاق المال العام وفتح منافذ الاستدانة بالعملة الوطنية وبالدولار، ليصل حجم الدين العام رسمياً إلى نحو 100 مليار دولار، ومن دون إدراج مستحقات قائمة لصالح مؤسسات عامة وخاصة يتقدمها صندوق الضمان الاجتماعي بمبلغ يفوق 5 تريليون ليرة وكان يعادل وحده نحو 3.5 مليار دولار بالسعر الرسمي.

بيد أن الأساسَ، بحسب مسؤولٍ مالي تواصلت معه «الراي»، ليس عملية محاسبية لتقدير الخسائر وإطفائها، إنما تحديد الفجوة وإدراجها ضمن آليةٍ فاعلة للاحتواء والتوزيع العادل للأعباء وفق المسؤوليات بين الأطراف المعنية، أي الدولة والبنك المركزي والجهاز المصرفي، مع الحرص الشديد على تجنيب المودعين الصغار، والذين تم تحديد سقوفهم بنحو 150 ألف دولار، أيّ أكلاف، والتدرّج بنسب معتدلة للفئات الأعلى.

ومن دون أي إبهامٍ، تولى فريق الصندوق تحديد مندرجات خطة الإنقاذ والتعافي التي تماطل الحكومة في إنجازها وإقرارها وإشهارها من دون لبس أو غموض. فقد أوضح فريق الصندوق بقيادة راميريز ريغو عقب انتهاء جولة المشاورات الأخيرة، أن البرنامج الاقتصادي اللبناني يجب أن يتضمّن إجراءات مستهدفة ومحددة زمنياً عبر ركائز مفصلية تشمل، الإصلاحات المالية الضامنة لقدرة تحمّل الديون وأيضاً مساحة للاستثمار في الإنفاق الاجتماعي وجهود إعادة الإعمار، إعادة هيكلة القطاع المالي لتقوية الثقة ودعم الانتعاش، إصلاح المؤسسات المملوكة للدولة، وخصوصاً قطاع الطاقة لتقديم خدمات أفضل من دون استنزاف الموارد العامة، تعزيز أطر الحوكمة ومكافحة الفساد ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لتعزيز الشفافية والمساءلة، ووضع نظام نقدي وسعر صرف موثوق.

وبالتوازي، فإنّ إقرار قانون تقييد الرساميل والتحويلات (كابيتال كونترول) لا يزال مهماً رغم التمادي في تأخير إقراره من مجلس النواب. إذ يتم تصنيفه في صلب مطالب صندوق النقد الدولي كشرط أساسي لإبرام اتفاق شامل مع لبنان، وكخطوة ضرورية وملحّة لأي مسار إصلاحي، بحيث لا يمكن للاقتصاد اللبناني أن يعود إلى النمو الإيجابي ويستعيد عافيته وينهض مجدداً، من دون مرجعية قانونية يرتكز إليها النشاط المالي والمصرفي بمنأى عن شكاوى المحاكم والقضاء في الداخل والخارج.
https://www.alraimedia.com/article/1576585/خارجيات/العرب-والعالم/حكومة-لبنان-المصابة-ب-عمى-الألوان-تفتش-عن-خطة-إنقاذ-موجودة

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.