الليرة تفقد 90% من قيمتها.. والاحتجاجات تقطع أوصال لبنان

الأزمة المعيشية في الذروة، الصعود المتتالي للدولار على حساب فعالية الليرة اللبنانية المتلاشية قلب المقاييس، من عجز الناس عن الشراء إلى عجز المتاجر عن المبيع، لقد أقفلت مئات المتاجر أبوابها بانتظار ان يرسو الدولار الأميركي على بر مع الليرة اللبنانية.

وكما المواد الغذائية كذلك محطات توزيع المحروقات، التي رفعت أسعارها أربعة أضعاف، ثم بدأت بترشيد التوزيع تبعا لصعوبة الحصول على المخزون، من صفيحة البنزين للسيارة (20 ليترا) إلى عشر ليترات، ما تسبب في تقليص حركة المواصلات العامة.

وبكَّر المتظاهرون في إقفال الشوارع في بيروت أمس، وانتشرت الدواليب المشتعلة وحاويات النفايات التي أضرمت فيها النار وسط الشوارع، وذلك على وقع الارتفاع الجنوني للدولار الذي تجاوز عند الظهر سقف 15000 ليرة لبنانية للدولار الواحد. وكذلك سدوا الطرق في أجزاء واسعة من طرابلس وزحلة والجنوب امس في ظل انهيار جديد لليرة اللبنانية أمام الدولار، لتفقد معظم قيمتها.

وتجاوزت الليرة الـ 15 ألفا للمرة الأولى امس، بحسب متعاملين بالسوق، لتصل خسائرها إلى نحو 90%منذ اندلاع الأزمة أواخر 2019. وكان أحد المحتجين يصيح «جعنا.. طفح الكيل.. خلصنا».

من جهته، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب لـ «رويترز» ان البلاد يمكن أن تبقي على دعم أغلب السلع حتى يونيو، مضيفا «حاليا الحكومة مغطاة بالنسبة لما تدعمه حتى يونيو، إلا أن بعض المواد الأخرى كالمحروقات لا تكفي حاجتنا بعد شهر مارس».

الدولار اربك أيضا حركة الصرافين الرسميين، فآثر بعضهم الإقفال، ما فتح السوق السوداء على المصراعين للصيارفة الجوالين، أو «الدليفري» حيث تصعب المراقبة والمحاسبة، وآخر رقم سجل كسعر الدولار مقابل الليرة هو 15250 ليرة كسعر وسطي.

هذه الصورة المالية القاتمة أضافت إلى صورة لبنان الخارجية المزيد من القتامة والاسوداد، ومثال ذلك ما أوردته صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية، في تقرير عن لبنان، خلاصته: ان البلد أصبح رهينة وأن المواطنين رهائن لدى مجموعات طائفية من أمراء الحرب يرتدون البدلات الأنيقة.

هذه الصورة الواقعية مرشحة للتبلور وربما للتلاشي، ضمن نطاق شهر مارس الجاري، حيث بدا من محادثات وفد حزب الله في موسكو ومن زيارة قائد القيادة الأميركية الوسطى الجنرال كينث ماكينزي إلى بيروت ان الأمور اللبنانية في طريق الانكفاء والحلحلة، ولعبة الدومينو العكسية بدأت. وسبق وصول ماكينزي إلى بيروت إعلان صادر عن وزارة الخارجية الأميركية يعبر عن القلق مما يجري في لبنان، ومن عدم اتخاذ أي إجراء من قبل المسؤولين فيه، وقد التقى ماكينزي كبار ممثلي الجيش وعلى رأسهم العماد جوزف عون، مجددا التأكيد على أهمية الحفاظ على امن لبنان واستقراره وسيادته. وحول المخاوف من الانشقاقات في الجيش بسبب السياق الاجتماعي، قال ماكينزي: لم أر دليلا على ذلك إطلاقا.

المصادر المتابعة نقلت لـ«الأنباء» عن ماكينزي إشارات تحذيرية، من ان من دمروا المصارف اللبنانية يسعون لتدمير الجيش، وهذا لن يسمح به، ولذلك المطلوب وجود حكومة.

أما محادثات وفد حزب الله في موسكو فقد كان بيان الخارجية الروسية واضحا: «حكومة مهمة» برئاسة سعد الحريري. وبالتأكيد، فإن هذه المحادثات شملت قضايا إقليمية أوسع، كدور حزب الله في سورية وفي جنوب لبنان وفي مناطق أخرى، وكانت لافتة إشارة رئيس الوفد النائب محمد رعد إلى المرور «على الوضع اللبناني وعلى ضرورة تسريع الحكومة بعد محادثاته مع لافروف، ما يعني ان هذه المسألة هامشية بالنسبة للزيارة ولم تكن اساسا لها».

ويبدو انه سيكون هناك رد موسع من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في اطلالة مسائية متلفزة غدا على مجمل القضايا والمستجدات المرتبطة بالحزب، وتاليا بالوضع العام. والتقدير ان الحزب سيعيد النظر بسياسته المعتمدة على نظرية «الحياد المعطل» في لبنان، والمطلوب تحوله إلى «الحياد الإيجابي المفعل» على الساحة السياسية اللبنانية من خلال علاقاته التحالفية مع التيار الحر.

وكانت مصادر إعلامية ذكرت ان رئيس التيار جبران باسيل رفض نصيحة مسؤول التواصل في الحزب وفيق صفا بصرف النظر عن «الثلث المعطل»، إلا ان باسيل نفى عبر «التيار» ان يكون ذلك حصل.

المصادر المتابعة أبلغت «الأنباء» ان الرئيس ميشال عون وضع في أجواء دولية وإقليمية توجب تسهيل تشكيل «حكومة المهمة» بمقاييس المبادرة الفرنسية.

وفي المعلومات ان النقاش تخطى عدد الوزراء و«الثلث المعطل» إلى الوزارات المختلف عليها، خصوصا وزارة الداخلية، التي يريدها الرئيس عون لتياره السياسي، بينما يفضل الرئيس المكلف إيلاءها للقاضي زياد أبوحيدر (أرثوذكسي) كحل وسط.

وثمة مخرج محدد يجري العمل عليه الآن وهو إقناع الثنائي الشيعي بالتخلي عن وزارة المال لقاء إعطائه وزارة الداخلية، بشخصية موثوقة من جميع الأطراف، والمطروح اسم اللواء عباس إبراهيم المدير العام للأمن العام «جوكر» الاتصالات السياسية الداخلية.

رئيس حزب القوات اللبنانية د.سمير جعجع انتقد في مؤتمر صحافي حكومة تصريف الأعمال، وقال: إنها تتصرف كما أنها تصرف الأعمال في ستينيات القرن الماضي، في وقت أن أي أمر طارئ أو استثنائي أو كارثي يدخل في إطار تصريف الأعمال. وأضاف «ان ما يحصل مؤشر إلى نهاية حقبة، وبداية حقبة جديدة وإلى نهاية عهد وبداية عهد وكل مخاض يكون عسيرا ولابد من ولادة وضع جديد. الوزراء في الحكومة العتيدة لن يكونوا مستقلين كما هو واضح والناس انتخبوا نوابا في المجلس النيابي، وهناك أكثرية حاكمة من حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر وحلفائهم، وعليهم تحمل مسؤولياتهم».

الانباء ـ عمر حبنجر

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.