مهلة أسابيع لـ «تغییر السلوك»… وإلا «السيناريو الأسوأ».. مؤتمر ماكرون «نقطة تحول» في العلاقة الفرنسیة ـ الشيعية

مازال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مواظبا على الملف اللبناني متمسكا بمبادرته السياسية، رغم ما أصابه من خيبة و«انكسار».

فلم يكن بالأمر العادي والمألوف أن يعقد الرئيس الفرنسي مؤتمرا صحافيا استمر ساعة وخصصه بالكامل للوضع السياسي اللبناني، وبدا فيه متمسكا بالمبادرة الفرنسية التي وضع فيها رصيده السياسي وهيبة فرنسا، معترفا بالانتكاسة التي حصلت مع فشل تشكيل «حكومة مهمة» واعتذار الرئيس المكلف مصطفى أديب، ولكنه بدا مهتما بتوضيح وتأكيد أن هذا الفشل ليس فشلا له، وإنما فشل للطبقة السياسية اللبنانية، مسؤولين وسياسيين، ويتحملون كامل المسؤولية… صب ماكرون جام غضبه على الطبقة السياسية «التي تفضل مصالحها الشخصية والحزبية على المصلحة الوطنية وتسليم لبنان الى قوى خارجية»، ولم يتردد في القول إنه يدين كل الطبقة السياسية «ونخجل من هكذا مسؤولين».

وفي تحديده للمسؤوليات، سمى الأشياء بأسمائها، فأتى على ذكر الرئيس ميشال عون الذي تقع عليه مسؤولية تلقف الفرصة الأخيرة «ومسؤوليته في أن يعود ويأخذ المبادرة من أجل الدفع في اتجاه تشكيل حكومة المهمة التي تتبنى «خريطة الطريق»، وحمل صديقه الرئيس سعد الحريري مسؤولية في إفشال تأليف الحكومة، مشيرا الى أنه أخطأ بإضافة المعيار الطائفي في توزيع الحقائب الوزارية، ولكن ماكرون الذي لم يوفر في انتقاداته أحدا، وجه بشكل خاص انتقادات حادة الى حزب الله الذي اتهمه بفرض «مناخ من التخويف على الآخرين»، وقال ماكرون إن حزب الله لا يمكن أن يكون في الوقت نفسه جيشا يحارب إسرائيل وميليشيا تحارب المدنيين في سورية، وحزبا يحظى باحترام في لبنان.

عليه أن يثبت أنه يحترم جميع اللبنانيين، وفي الأيام الأخيرة أظهر بوضوح عكس ذلك. وتوقف ماكرون عند تفاصيل ما حصل في مساعي تشكيل الحكومة، والتي أوصلت الى الطريق المسدود، موجها الاتهام لحزب الله، وقال «إن حزب الله وحركة «أمل» قررا أنه «لا يتعين أن يتغير شيء في طريقة تعيين الوزراء»، مضيفا أن الرئيس بري، رئيس البرلمان، اعترف أنه شرط لحزب الله».

وبحسب ماكرون، فإنه حان الوقت بالنسبة الى حزب الله و«أمل» أن يجيبا على سؤال مركزي: هل يريدان الانخراط في الخط اللبناني أم أنهما يريدان العمل لمصلحة قوة أجنبية (في إشارة الى إيران)؟! وإذا كان هذا هو الوضع، فإن هناك خطرا كبيرا.

وفي أي حال فقد حذره من «أن يعتقد أنه أقوى مما هو».

صحيح أن ماكرون أبقى على خيوط العلاقة قائمة بينه وبين الثنائي الشيعي، نافيا أي رغبة في إبعاد الطائفة الشيعية عن الحكومة، وموضحا أن تعامله مع حزب الله لأنه موجود على الساحة، ومكررا رفضه لخيار العقوبات لأنه ليس الخيار الأجدى في المرحلة الراهنة، ولكن ماكرون كان حادا في مخاطبة حزب الله، وبعد توجيه انتقادات مكثفة له الى حد القول إنه نكث بوعوده والإيحاء بأنه خدعه، حدد ماكرون مهلة جديدة حتى ستة أسابيع لإحراز تقدم في لبنان وتشكيل حكومة جديدة وتنفيذ خارطة الطريق.

فإذا لم يحصل مثل هذا التقدم، «سنكون مضطرين الى سلوك خيار آخر لإعادة تشكيل طبقة سياسية جديدة»… مع حرص ماكرون على التذكر بأن هناك من يفكر بالخيار الأسوأ (الحرب ضد حزب الله) ومن يمارس ضغوطا على فرنسا للسير بهذا الخيار.

ولكن بالنسبة لماكرون الخيار ليس عنده وإنما عند حزب الله الذي عليه أن يأخذ خياره خلال شهر بأن يغير سلوكه في لبنان، أو أن يتوقع تغييرا في السلوك الفرنسي حياله، وعند الثنائي الشيعي الذي عليه أن يقرر ما إذا كان يريد للشيعة خيار الديمقراطية والمصلحة اللبنانية أم السيناريو الأسوأ… إذا كان ماكرون مصدوما من الطريقة التي تصرف بها حزب الله، وحيث انه لم يقابل بالمثل ما أبدته باريس حياله من انفتاح ومرونة واعتراف سياسي، ولم يظهر التعاون الذي انتظرته في موضوع الحكومة… فإن حزب الله مصدوم من كلام ماكرون الذي يلقي باللائمة والمسؤولية الأساسية عليه في فشل تشكيل الحكومة و«تفشيل» المبادرة الفرنسية، والذي يعلن اقتراب فرنسا من الموقف الأميركي الذي لا يميز بين جناحين عسكري وسياسي عند حزب الله ويصفه بـ«التنظيم الإرهابي»، ويمهد لانتقال فرنسا الى خيارات وسياسات أخرى في لبنان وتجاه حزب الله في حال لم يجر مراجعة سريعة لخياراته في لبنان ولعلاقته مع فرنسا.

ليس مبالغة القول إن مؤتمر ماكرون يشكل نقطة تحول في مجرى العلاقات الفرنسية الشيعية، وتحديدا العلاقة بين باريس وحزب الله التي اتصفت دوما بالدفء واستمرار التواصل في زمن الحصار الأميركي، وبالتمايز عن الموقف الأوروبي الذي انحاز الى الموقف الأميركي بتصنيف حزب الله إرهابيا، والذي انضمت إليه أخيرا ألمانيا… وعندما يفكر الثنائي الشيعي في خيارات المرحلة المقبلة، لابد أن يضع في حساباته مستقبل العلاقة مع فرنسا كآخر دولة أوروبية متفهمة ومتعاطفة.

فإذا كان الفريق السني (المتمثل في رؤساء الحكومات السابقين) أخطأ عندما أدلى بشروطه حول وزارة المال والتسمية معتقدا أن الفرصة مواتية لتغيير قواعد اللعبة في تشكيل الحكومات وكسر التوازنات السياسية التي قامت منذ اتفاق الدوحة، فإن الفريق الشيعي (المتمثل في «أمل» وحزب الله) أخطأ أيضا عندما ذهب في تصعيد موقفه الى حد الإصرار على تسمية كل الوزراء الشيعة، مع ما يعنيه ذلك من تقويض فكرة «الحكومة غير السياسية» التي يريدها الفرنسيون، حكومة تمثل الطوائف ولا تمثل الأحزاب، وبالتالي إفشال حكومة مصطفى أديب وتعريض المبادرة الفرنسية لخطر السقوط والعلاقة الفرنسية الشيعية لخطر التصدع والتفكك.

وإذا كان ماكرون ألمح الى تأثيرات سلبية للعقوبات الأميركية على مبادرته وعلى المناخ الشيعي، وحرص على عدم تحميل إيران مسؤولية في الانتكاسة الحاصلة، حتى أنه نفى أن يكون قد طلب منها المساعدة والتدخل في لبنان… فإن ذلك لا ينفي ولا يلغي واقع التجاذب الإيراني الفرنسي في لبنان، ذلك أن إيران، التي تقول صراحة إنها لن تتدخل في شأن لبناني داخلي وإنها تترك لحلفائها أن يأخذوا ما يرونه مناسبا من قرارات وخيارات، لا تقبل بحصول عملية اقتحام فرنسي للملف اللبناني من خلال وضع اليد على الحكومة، وسيكون ذلك على حساب نفوذ إيران وحلفائها في لبنان.

كما أن فرنسا لا تقبل أن يسقط لبنان تحت سيطرة إيران، مع ما يعنيه ذلك من خروج فرنسا من لبنان كنفوذ تاريخي وكآخر قاعدة تواجد وموطئ قدم في العالم العربي وفي شرقي المتوسط.

وهذا الصراع الخفي، والذي يبدو أقرب الى «حرب باردة على الأرض اللبنانية»، ستتضح ملامحه واتجاهاته قريبا، وتحديدا بعد الانتخابات الأميركية التي يبدو أن فرنسا باتت تنتظرها مثل إيران، وأن المهلة التي حددها ماكرون بستة أسابيع مرتبطة بموعد هذه الانتخابات التي ستحدد مسار الصراع الأميركي الإيراني تبعا للنتائج، وما إذا كان ترامب سيفوز أم يخسر.

فإذا كانت إيران تتحين هذه الانتخابات لتقرر وجهتها الجديدة مع أميركا، مفاوضات أو مواجهات فإن فرنسا تنتظر أيضا الاستحقاق الأميركي لتقرر «نقلتها» في المنطقة وخطوتها التالية أو «خطة ب» في لبنان.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.
مواضيع تهمك

Comments are closed.