يوم شربت الشاي عند الجنرال في كفرعبيدا – ميشال الزبيدي
في عزّ عزّ الإحتلال السوري للبنان بثمانينات القرن الماضي، إختار شباب الأسد من قوات الردع السييء الذكر كفرعبيدا، فنصبوا المراكز والخيم بين بيوتنا، لمحاربة إسرائيل وإستعادة الجولان.
وكان لبلدتي شرف إستضافة مركز مخابرات لحزب البعث، الدخول اليه ليس كما الخروج منه، فاختاروا منزلا يشبه الفيلا للجنرال السوري البعثي التقدمي الإشتراكي، وبجانبه منزلا آخرا للجنود الخدم، هناك سكنوا محتلين أملاك الناس من أهلنا لسنوات طويلة.
وكان لشباب كفرعبيدا نصيب من جلجلة الدخول الى هذا المركز اللعين الذي يحوي كل اساليب التعذيب، فيه القبو المظلم الذي استعمل سجناً لكثر ،ظلموا، أهينوا، ضُربوا، بكوا وإختفوا.
اواخر الثمانينات وكان زمن خريف، أرسل لي جنرالهم عسكره، بإستدعاء تعسفي لم يكن الأول، وطبعاً لم يكن لنا سوى الإذعان والتوجه الى تلك النقطة الكريهة، دخلت الى الصالون حيث يجلس الضابط كما هاورن الرشيد، بادرني بعبارته الشهيرة التي تشبهه: “تعى ولك حقير”، وبعد دقائق من التحقيق السخيف فهمت منه انه منزعج من زياراتي اليومية للمناطق الشرقية المحررة، قيل له اني من أنصار الجنرال عون، لم يكن الأمر كذلك ولكن، كنت لأكون مع الشيطان لو ان الشيطان أعلن الحرب على حافظ الأسد ووعد بتكسير رأسه، كانت ساعات فيها اصعب ما يمكن ان يحصل لشاب من جيلي، هو احتجاز حرية، تهديد وضرب، الجنرال يريد ان يعرف علاقتي مع المناطق المحررة وكيف أساعد عدوه الجنرال ميشال عون، تكرار الزيارات ما كان سببها الا اننا في بلدتي ندرس ونعمل ونتسوق ونعيش في جبيل وكسروان والمتن وبيروت ولا نتوجه شمالا الا نادراً.
المهم في الخبر، كان احد جنوده يسكب له الشاي ولأن الجلسة طالت وطالت، توجه لي بالسؤال: أتشرب الشاي؟
تطلعت في أصابع العسكري الذي يسكب الشاي، أصابع رجل خشنة، فَعلت كل شيء يمكن ان يفعله رجل، وممكن ان تنجز اي شيء الا صناعة المأكل والمشرب، أما الإبريق، فلونه اسود، تحوّل معدنه من التنك الى الصدأ، والخبر المفجع هو عن الفنجان الذي يفترض ان أشرب فيه، هو نفس الفنجان الذي شرب احدهم فيه قبلي، وطبعا سأشاركه اللعاب وما جرّ جرّه، كان علي ان أجيب وبلحظة هل أشرب الشاي ام لا…
لأن للحرية طعم آخر، وما يعرف في ذلك المركز بالدولاب أراه امام عيني، ولأن من شهامة العرب حسن إستقبال الضيف، والخبز والملح ممكن ان ينقذاني من عتمة القبو، أخذت قراري ببسمة مزّيفة بالرغبة في شرب الشاي… وكان ما كان، شربت الشاي حتى الثمالة! وحصلت على حريتي بعد قليل، ولكن أقسم بأنه كان آخر كوب شاي أشربه في حياتي، كرهت الشاي والفناجين وسريلاكا وسيلان وكل التّوابع.
احببت ان اشارككم هذا القصة الحقيقية بعد ان تصدّرت اخبار الشاي لبنان وسريلنكا، انه النحس نحس الشاي…
ميشال الزبيدي – سيدر نيوز
Comments are closed.