انسداد الأفق ينذر بهزات مالية واجتماعية أكبر في لبنان

حملت تحذيرات خبراء الاقتصاد في لبنان، المقرونة بالمؤشرات الدولية التي ترصد مجمل الحياة الاقتصادية في البلد الذي يعاني من أزمة مالية تاريخية، في طياتها انطباعا أكثر تشاؤما قد يجعل من فرضية انهيار الدولة مسألة وقت لا أكثر.

ولم يعد خافيا أن البلد يمر بأزمة اقتصادية ومصرفية هي الأسوأ في تاريخه، وقد صنفها البنك الدولي بين الأزمات الثلاث الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.

وعانى لبنان، وما زال يعاني ، من عدة أزمات مثل أزمة كورونا وتلك التي سببها انفجار مرفأ بيروت، إلا أن الأزمة الاقتصادية كان لها الأثر السلبي الأكبر على حياة اللبنانيين.

وشهدت الدولة التي تعاني من أكبر دين عام في الدول النامية خلال العام الماضي كسادا سبّبه انكماش النمو بنسبة 20.3 في المئة، بالإضافة إلى وصول نسب التضخم لأكثر من 100 في المئة فضلا عن أن سعر صرف الليرة يشهد تدهورا غير مسبوق ومعدلات الفقر تتزايد بشكل حاد.

وبات أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، وفقدت الليرة أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار، فيما ارتفعت أسعار المواد الأساسية إلى أكثر من 700 في المئة.

والأمر الأكثر لفتا للانتباه هو القلق الدولي المتصاعد من انعدام الأمن الغذائي للسكان بعدما وضعت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) البلد على لائحة الدول الساخنة.

وصنف تقرير مكافحة الأزمات الغذائية الصادر عن الأمم المتحدة مؤخرا لبنان ضمن 23 منطقة معرضة لتدهور وانهيار الأمن الغذائي فيها ومن بينها سوريا واليمن وإثيوبيا وأفغانستان وأنغولا وجمهورية أفريقيا الوسطى.

ونسبت وكالة الأنباء الرسمية اللبنانية إلى الأمين العام لاتحاد المصارف العربية وسام فتوح قوله إن “مع نهاية الحرب الأهلية، كان الاقتصاد اللبناني يعاني تشوهات كبيرة جداً، بالإضافة إلى دمار شبه كامل للبنية التحتية والقطاعات الإنتاجية الأساسية”.

وأضاف الخبير الاقتصادي “لذلك، كان من الصعب جداً إعادة بناء البنية التحتية وإعادة عجلة الدولة إلى الدوران بالقدرات المحلية فقط”.

وشهد الاقتصاد اللبناني خلال العقد الذي سبق انفجار الأزمة الاقتصادية الحالية تباطؤا واضحا في النمو، مع تفاقم العجز في الحساب الجاري نتيجة لتراجع التدفقات المالية إلى لبنان وبدء الخروج التدريجي للأموال منه، ولذلك سجل الحساب الجاري عجزاً بمتوسط سنوي بلغ 24.4 في المئة بين عامي 2010 و2019.

بالإضافة إلى ذلك شهدت المؤشرات الاقتصادية الأخرى تراجعاً ملحوظاً، حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي نموّا سنويا بنسبة 1.2 في المئة فقط خلال الفترة المذكورة، وتم تسجيل عجز في الموازنة بنسبة 8.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، فيما زاد الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من 136.8 في المئة عام 2010 إلى 174.3 في المئة عام 2019.

أما الأخطر فهو بداية تراجع احتياطات مصرف لبنان المركزي الأجنبية بدءا من يوليو 2018، حيث سجلت لأول مرة تراجعاً مستمراً ومتواصلاً بلغ 15 مليار دولار بعدما كانت عند نحو 40 مليار دولار.

ويعيب فتوح على السياسات الاقتصادية والمالية للحكومات المتعاقبة أنها كانت لا تحظى بالتخطيط السليم وبتحديد الأولويات ولا تمتلك خططا قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى.

ولكن الأسوأ من ذلك هو تفشي الفساد وضعف الحوكمة والإنفاق الخارج عن الأصول القانونية الذي فاقم عجز الموازنة العامة وأدى إلى تزايد الدين العام، بحيث أصبح لبنان أحد أكثر الدول مديونية في العالم.

ويعتبر الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة أن هذه السنة كانت الأسوأ بالنسبة إلى الاقتصاد اللبناني بعد أن بدأت منذ عام 2019 سلسلة من الكوارث على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والمالي والنقدي.

وقال إن “تلك الأزمات كانت تداعياتها خطيرة على الصعيد الاجتماعي إذ ارتفعت نسبة الفقر بشكل كبير جداً حيث بلغت عام 2019 نحو 30 في المئة لتفوق 50 في المئة العام الماضي، وهذه السنة ستصل على الأقل إلى 75 في المئة”.

 

جاسم عجاقة: الأزمات الحالية تحمل تداعيات خطيرة جدا اجتماعيا

ورجح عجاقة أن تصل نسبة الفقر المدقع، الذي يعني أن نسبة الدخل اليومي أقل من 1.9 دولار، إلى 30 في المئة بنهاية العام بعدما كانت عند نحو 23 في المئة العام الماضي وعند حوالي 8 في المئة في عام 2019. وبسبب تآكل القدرة الشرائية لم تعد هناك قدرة لدى اللبنانيين على شراء المواد الغذائية التي ارتفعت أسعارها بشكل جنوني.

وبحسب تقرير لليونيسيف فإن أكثر من 77 في المئة من الأسر اللبنانية ليست لديها القدرة على تحقيق الاكتفاء الغذائي وأن 30 في المئة من الأطفال ينامون وأمعاؤهم خاوية، وهذا الأمر يعني أن الوضع متدهور ويجعل البلد على الخارطة الاجتماعية في المنطقة الحمراء.

وأشار عجاقة إلى أننا “مهددون اجتماعياً بأمور أخرى كالمحروقات التي هي عنصر أساسي في الحياة بالإضافة إلى أزمة الكهرباء والغاز”. وعلى الصعيد الاقتصادي تقسم الماكينة الاقتصادية إلى قسمين، الأول يضم من يصدرون إلى الخارج ويشمل الصناعيين وقسما من المزارعين، وكل هؤلاء متضررون بشكل لم يسبق له مثيل.

أما القسم الثاني فيضم الموردين، أي التجار، ومعظم ما يتم إنتاجه من صناعة وزراعة والذي يقدر بنحو 3.5 مليار دولار سنويا ويصدر إلى الخارج، مما يجعل من مسألة تغطية الطلب المحلي أمرا صعبا بينما يتم استيراد كل شيء من الخارج تقريبا.

وقال عجاقة “بعد مرور عامين تقريباً على بدء الأزمة لم نستطع أن نخفف من استيراد المواد الغذائية وغيرها، وهذا أمر كارثي فلا أحد يستثمر والكثير من المواطنين فقدوا أعمالهم بسبب إقفال الشركات وأزمة المحروقات، وبالتالي ارتفعت نسبة البطالة بشكل كبير وهذا يؤدي إلى ارتفاع نسبة الهجرة”.

ومن المؤكد أن استمرار هذه الأزمة أمر مضر بلبنان فالمالية العامة لا يمكنها حل هذه المشكلة دون خطة بمشاركة صندوق النقد الدولي، وهذا الأمر يتطلب تشكيل حكومة جديدة.

واعتبر ممثل منظمة فاو في لبنان موريس سعادة في مقابلة مع وكالة الأنباء الكويتية قبل أيام أن “لبنان يستورد نحو 80 في المئة من السلع الغذائية ويحتاج ذلك إلى العملة الصعبة التي لم تعد متوفرة للاستيراد، ما أدى إلى تدهور الوضع بسرعة بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة وبسبب التضخم وتدهور سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار”.

وشدد على أن فاو تركز بشكل أساسي على دعم المزارعين اللبنانيين والإنتاج الزراعي، إلا أن زيادة الإنتاج لا تحل المشكلة بسبب استيراد لبنان للقسم الأكبر من المواد الغذائية ولا يمكن للزراعة مهما تطورت وتمددت أن تسد هذا النقص.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.
مواضيع تهمك

Comments are closed.