لبنان: رفْعُ «العلم الإيراني» فوق الحكومة العتيدة… هل يغرقها ؟
لم يكن أدلّ على انفلاتِ الانهيار الشامل في لبنان مِن أيّ مَكابح، مِن تَحَوُّل البلاد «مصْنعَ أزماتٍ» تولد حتى من رحم ما يُفترض أنه حلولٌ ولو تخديرية يُراد لها أن تُمِدِّدَ وقتَ اللعب السياسي في «المنطقة الحمراء» التي باتت تدور فيها «مكاسرة ناعمة» حول ملف تأليف حكومةٍ جديدة ترفع شعار «وزراء اختصاصيون ومستقلون يرتبطون بولاء الحدّ الأدنى للأحزاب» كشرطٍ لإبحارها في «المياه الدافئة» ونيْلها الدعم المطلوب للإنقاذ المالي وإذ بـ «الشراع» الإيراني يرتفع فوقها عبر سفن المحروقات المدجَّجة بألغام إقليمية.
وفيما كان يفترض بـ «التسوية» التي قضتْ بتوفير دعمٍ استثنائي (حتى نهاية سبتمبر) للمحروقات بما يغطّي قيمة الفارق بين سعرها الجديد (دولار 8 آلاف ليرة) وبين سعر صرف الدولار الذي يصرّ عليه «البنك المركزي» بحسب منصة صيرفة (نحو 17 ألف ليرة حالياً) أن تؤمّن انفراجاً في سوقٍ عطشى إلى المازوت والبنزين اللذين يُعتبران شرياناً رئيسياً لكل الدورة الاقتصادية كما لحياة المواطنين، إذ بها تُفَجِّرُ أزمةً كبرى بفعل الفجوة الزمنية الفاصلة بين سريان التسعيرة الجديدة وبدء تسليم المحروقات للأسواق وبين اشتراط السلطات المعنية بيع كامل المخزون الباقي وفق السعر القديم (دولار 3900).
وملأت هذه الفجوة الخطيرة غضبةٌ شعبية عارمة تجّلت في قطْع طرق رئيسية وداخلية في مناطق عدة، وسط صرخاتِ مواطنين «تنام» سياراتهم أمام المحطات منذ يوم السبت (تاريخ صدور قرار منْح مرحلة انتقالية جديدة قبل الرفع الكامل للدعم) وآخرين نفدت آلياتهم من الوقود، في موازاة استغاثة المستشفيات والدفاع المدني وانقطاع خدمة الانترنت في أكثر من بقعة وزيادة مولدات الأحياء تقنين ساعات التغذية البديلة عن «كهرباء الدولة» بعدما لم تتسلّم أي كمياتٍ جديدة من المازوت.
وهكذا، بدت البلاد أمس وكأنها في «هستيريا محروقات» وطوابير لا تنتهي في ظلّ انتظارٍ باهظِ الثمن لنفاد كامل المخزون القديم في موازاة عدم فتْح الشركات المستوردة أبوابَها ريثما تُحسم آلية الدفع وفق التسوية الجديدة وتتبلّغها من مصرف لبنان، وسط معلومات عن عدد من البواخر الراسية في المياه اللبنانية بحمولة 100 ألف طن تقريباً غالبيتها من البنزين تترقّب الساعة صفر لبدء التفريغ، بعد أن تُبتّ أيضاً عقدة جعالة المحطات التي يريد أصحابها أن ترتفع من 4 آلاف ليرة لكل صفيحة إلى 20 ألفاً.
وبالتوازي مع هذا العنوان الذي لا يستبشر الخبراء خيراً بأن يشهد انفراجات كبرى في الأسابيع الخمسة المقبلة في ظل تحكُّم «مصرف لبنان» بفتح الاعتمادات المحكومة أيضاً بسقف مالي (225 مليون دولار تشمل أيضاً مبلغاً لصيانة معامل الكهرباء ولمقدمي الخدمات) يجعل الكميات المستوردة محدودة، ناهيك عن الشراهة المفتوحة على التهريب الى سورية وتخزين مواد سيتضاعف سعرها بعد شهر، فإن ملفاً متصلاً آخر يشي بأن يتحوّل «مادة حارقة» في السياسة وربما الأمن ويتمثّل في السفن الإيرانية التي أعلن «حزب الله» بلسان أمينه العام السيد حسن نصر الله إبحارها لتزويد لبنان بالمحروقات.
وإذ كرر نصرالله (مساء الأحد) «أن سفينة ثانية ستنطلق قريباً وسنواصل هذا المسار طالما بقي الوضع في لبنان هكذا»، رافعاً جرعة التحدي بإعلانه «إذا أتى الوقت وليس هناك شركات تريد الحفر لاستخراج النفط والغاز من المياه الإقليمية فنحن جاهزون للاستعانة بشركة إيرانية لديها خبرة كبيرة والجرأة ولا تخاف من العقوبات الأميركية ولتجرؤ إسرائيل على استهدافها»، فإن هذه الاندفاعة من «حزب الله» بدت في شقها الأول خارج حلقة ما وصفه بـ «كسْر الحصار الأميركي» وفي شقّها النفطي أبعد من مجرّد «تنمُّر» على اسرائيل.
وفي رأي أوساط سياسية أن نصرالله، الذي حدّد للمرة الأولى بهذه الأريحية خيارات كبرى «فوق الدولة» أرفقها بهجوم عنيف على السعودية والولايات المتحدة، يُطْلِق مساراً جديداً مشبَّعاً بالأبعاد الاستراتيجية دخلت معه إيران علناً على عنوان «الاقتصاد المُقاوِم» في لبنان، حاجزة في الوقت نفسه حصّة في السوق اللبنانية من خلف ظهر جدار العقوبات الأميركية وتالياً مسيّلة «ورقة جديدة» في تَفَوُّقها لبنانياً بامتداداته الاقليمية التي تصل إلى حرب النفوذ التي تجري في «الفناء الخلفي» للملف النووي، وهو ما يصعب تَصَوُّر أن يمرّ بلا أثمان على بيروت التي تسعى للتخفف، ولو شكلياً، من أثقال زجّها في صراع المحاور علّها «تنجو» من الارتطام… المميت.
وفي حين بدأت طهران أمس بالدخول المباشر على خط استثمار «ديبلوماسية السفن» إذ أكدت بلسان الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، «اننا لا نستطيع الاكتفاء بمشاهدة معاناة الشعب اللبناني، هذا الشعب متمكن وثري، ومن الطبيعي ارسال الوقود لمَن يشتريه منا»، مضيفاً «نحن مستعدون لمساعدة لبنان بهذا الخصوص، إن طلبت الحكومة اللبنانية ذلك»، فإن مصادر مطلعة طرحت علامات استفهام عن تداعيات هذا التحول غير العادي على الوضع اللبناني والحكومي خصوصاً سائلة: «ما نفع حكومة» المستقلين«ولو المقنّعين ما دامت سقطت الأقنعة بالكامل عن التموْضع الاقليمي للبنان ولو بقوة الأمر الواقع».
وعلى وهج هذا العنوان، لفّ الغموضُ «غير البنّاء» مسار تأليف الحكومة وسط معلومات عن أن الرئيس المكلف نجيب ميقاتي سيزور الرئيس ميشال عون اليوم حاملاً معه تشكيلة متكاملة من 24 وزيراً جرى ضخّ مناخاتٍ أنها عالقة عند اسم او اثنين يحتاجان لتوافق حولهما لتولد الحكومة.
وإذ أمل عون أمام زواره في «أن تحمل الأيام المقبلة تطورات إيجابية على صعيد تشكيل الحكومة لإطلاق ورشة التعافي على مختلف المستويات»، فإن العارفين في خفايا التأليف بدوا غير متفائلين بقرب الانفراج الحكومي، ملاحظين أن قريبين من فريق رئيس الجمهورية مضوا في الساعات الماضية بإشاعة أجواء مفرطة بالإيجابية أو أطلقوا إشارات إلى أن الصيغة الحكومية أُنجزت وأن ميقاتي يتردّد في حسْم أمْره بحجة عدم الموافقة على هذا الاسم أو ذاك، وأنه يخشى ردّ فعل واشنطن على استيلاد حكومته في ظلال السفن الإيرانية.
ولم يكن عابراً أن يردّ موقع «لبنان 24» (المحسوب على ميقاتي) على هذه المناخات، مشيراً إلى أن «حليمة عادت الى عادتها القديمة، وحليمة هي الغرفة الاعلامية السوداء التي تحركت بقوة خلال اليومين الماضيين لضخ اخبار مفبركة عن الملف الحكومي في محاولة واضحة لحرف الانظار عن محاولات تعطيل مهمة الرئيس المكلف تشكيل حكومة منتجة وغير مقيدة بالولاءات الشخصية والحسابات العددية التعطيلية»، غامزاً من قناة عقدة الثلث المعطّل القديمة – الجديدة لفريق عون، ومتحدثاً عمن «يتلطى خلف الأبواب والحيطان لفرض معادلات تؤمن له ارضية الاستئثار بالقرار الحكومي مباشرةً او مواربة».
وانتقد «تسريب تشكيلة حكومية مزعومة، هي مجرد أوراق مزورة تحمل اسم الرئيس المكلف مع أسماء مختلقة لوزراء وهميين»، ناقلاً عن مصادر مطلعة على جو المفاوضات الحكومية سؤالها «أي فجور سياسي وشخصي يتحكم بعقل البعض وأدائه؟ هذا الأسبوع يطوي الرئيس المكلف الشهر الاول من مهمته، وهو أبدى كل ايجابية في لقاءاته مع رئيس الجمهورية وأعطى الاتصالات السياسية مداها لبلورة تصور حكومي بات واضحاً أمامه تماماً، لكن المشكلة أن البعض يصر على الانقلاب على كل الأسس التي وضعها الرئيس المكلف، متجاهلاً قاعدة أساسية ينطلق منها الأخير وهي تشكيل حكومة عمل لا حكومة محاصصة وزبائنية، وهنا جوهر المشكلة».
وبحسب «لبنان 24»، فإن ميقاتي، وبعدما استكمل اتصالاته ومشاوراته «حسَم موقفه الواضح والنهائي من كل المسائل المطروحة حكومياً، وبات واجباً على المعنيين ملاقاة هذا الموقف بخطوات أساسية لإصدار التشكيلة الحكومية، لا الرهان على المزيد من اللقاءات لمجرد أخْذ الصورة».
الراي – وسام ابو حرفوش وليندا عازار
Comments are closed.