«نداء الراعي 2020» معادل لـ «نداء المطارنة 2000»… ولكن!

«نناشد فخامة رئيس الجمهورية العمل على فك الحصار عن الشرعية والقرار الوطني الحر. ونطلب من الدول الصديقة الإسراع إلى نجدة لبنان كما كانت تفعل كلما تعرض لخطر.

ونتوجه إلى منظمة الأمم المتحدة للعمل على إعادة تثبيت استقلال لبنان ووحدته، وتطبيق القرارات الدولية، وإعلان حياده. فحياد لبنان هو ضمان وحدته وتموضعه التاريخي في هذه المرحلة المليئة بالتغييرات الجغرافية والدستورية.

حياد لبنان هو قوته وضمانة دوره في استقرار المنطقة والدفاع عن حقوق الدول العربية وقضية السلام، وفي العلاقة السليمة بين بلدان الشرق الأوسط وأوروبا بحكم موقعه على شاطئ المتوسط».

هذا النداء أطلقه البطريرك بشارة الراعي في ختام عظة الأحد التي ألقاها في الديمان (المقر الصيفي للبطريركية)، وهذه المرة خرج الراعي عن مسار المواقف السياسية التقليدية التي كانت شهدت في الفترة الأخيرة وتيرة تصاعدية، مثل تفهمه للمقاطعة السنية للقاء بعبدا، وانتقاده عدم الإعداد الجيد لهذا اللقاء الذي زاد في الانقسام الداخلي، واستنكار الحكم القضائي «المنفرد والمستعجل» الصادر في حق تصريحات السفيرة الأميركية ووسائل الإعلام خلافا للدستور والأصول القانونية… هذه المرة، أدلى البطريرك الراعي بموقف وطني مثلث الأضلاع والاتجاهات:

– مناشدة رئيس الجمهورية فك الحصار عن الشرعية والقرار الوطني الحر (من دون تحديد الجهة المحاصرة).

– الطلب من الدول الصديقة الإسراع الى نجدة لبنان كما كانت تفعل كلما تعرض لخطر (من دون تسمية هذه الدول الصديقة، وبما يوحي بطلب «تدخل دولي» إنقاذي).

– الطلب من الأمم المتحدة إعادة تثبيت استقلال لبنان ووحدته وتطبيق القرارات الدولية وإعلان حياده… وهذه الدعوة الى «تطبيق القرارات الدولية» بما في ذلك القرار ١٥٥٩ والى «إعلان حياد لبنان»، تطرح إشكالية وتفتح باب سجال واسع داخل لبنان لأنها تلامس مسائل على جانب كبير من الدقة والحساسية وتعني حزب الله مباشرة.

من الواضح أن التعاطي مع «النداء الموقف» الصادر عن الراعي سيكون على مستويين وبطريقين:

١- هناك من سيعمد الى التقليل من شأن هذا الكلام، واعتباره موقفا ظرفيا وانفعاليا جاء تحت تأثير الأزمة الخطيرة والضغوط الكبيرة، وليس موقفا نهائيا وإنما مفتوح على التعديل في سياق المسار غير المستقر لتصريحات الراعي ومواقفه التي لا تثبت على حال، وتفتقر الى المتابعة والمثابرة، إذ إنها لا تندرج في إطار استراتيجية متكاملة وإنما تندرج في سياسة رد الفعل أكثر من سياسة الفعل.

٢- هناك من سيعمد الى الرهان على موقف البطريرك والبناء عليه، ومن يرى تغييرا مستجدا في موقفه وتموضعه ومقاربته للأزمة وفي خطابه النازع الى «الوضوح والتشدد»… فالبطريرك الراعي تجاوز المألوف ونقل الأزمة من مستوى أزمة مالية اقتصادية الى أزمة سياسية وطنية، ونقل النقاش الى مسائل وملفات ومواضيع كبرى حساسة واستراتيجية لها صلة بمستقبل لبنان ودوره وعلاقاته… وهكذا يكون قد حدد هدف وجدول أعمال أي حوار وطني لا بد أن يتضمن مسألة الاستراتيجية الدفاعية، ويكون قد أسس لحالة استقطاب وفرز جديد على الساحة اللبنانية تحت سقف عناوين كبرى، أبرزها حياد لبنان، متجاوزا العناوين المتداولة التي تجاوزتها الأحداث ولم تعد في مستوى الأزمة والمرحلة (مثل الإصلاحات ومكافحة الفساد…).

بين محاولتي «التحجيم» و«التضخيم»، يبقى واضحا أن «نداء الراعي» يعني أمرين أساسيين:

١- استشعار خطورة الأزمة التي باتت ترقى الى مستوى أزمة وجودية مصيرية، مع الانتقال من مرحلة الانهيار الى مرحلة «الاحتضار»… وبالتالي الوضع يتطلب تحركا إنقاذيا عاجلا ولم يعد يحتمل الانتظار.

٢- التوصل الى قناعة بأنه لا حلول داخلية للأزمة، وأن الإنقاذ لا يأتي من داخل لبنان وإنما من خارجه..

نداء الراعي في يوليو ٢٠٢٠ معادل في وقعه وقيمته لنداء مجلس المطارنة الشهير في سبتمبر٢٠٠٠، ولكن في ظل ظروف داخلية مختلفة على المستويين السياسي والاقتصادي، وفي ظل معادلة إقليمية متغيرة تماما على إيقاعات «الربيع العربي» والمشروعين الإيراني والتركي… والسؤال: إذا كان نداء المطارنة ٢٠٠٠ شكل نقطة تحول في الوضع الداخلي وبداية مرحلة جديدة في لبنان بلغت نقطة الذروة في العام ٢٠٠٥.. فهل يكتسب نداء الراعي مقومات وإمكانية أن يكون كذلك؟!

الانباء

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.