الانتخابات النيابية في لبنان: حسابات حصول الاستحقاق واحتمالات تأجيله

على الرغم من اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في لبنان، والمقررة في 15 مايو/أيار المقبل، إلا أنها تبقى في دائرة الشك إلى حين حلول التاريخ المنتظر وانطلاق عملية الاقتراع، في ظل تجارب تاريخية أطاحت فيها القوى السياسية استحقاقات سابقة من نافذة “التهديدات الأمنية”، أو بوابة العوامل الخارجية الإقليمية والدولية.

وتعيش المنظومة الحاكمة هاجس احتمال تبدّل التركيبة البرلمانية، وخسارتها الأغلبية النيابية، مقابل اعتبار قوى معارضة أن الاستحقاق محطة أساسية لقلب موازين القوى وتغيير المعادلة وانتزاع الأكثرية النيابية، ما يجعل من هذه الحسابات ركيزة لتقرير مصير انتخابات 2022 التي ستليها المعركة الأكبر لاختيار رئيس جديد للجمهورية والمتوقعة في أكتوبر/تشرين الأول 2022.

مقاطعة “تيار المستقبل” تخلط الحسابات
ويستعدّ 1001 مرشح لخوض الانتخابات النيابية والتنافس على 128 مقعداً، بعد انسحاب 42 من العدد الإجمالي (1043) الذي سُجل مع إقفال باب الترشح قبل أكثر أسبوعين. لكن كل الحسابات والاحتمالات تبقى مطروحة على الطاولة، بما في ذلك لجوء الأحزاب الحاكمة للتأجيل تحت أي ذريعة في حال وجدت أن النتائج المتوقعة لن تلبي مصالحها.

خلطت مقاطعة “تيار المستقبل” حسابات حلفائه وصبّت لصالح “حزب الله”

وتشهد هذه الدورة مقاطعة غير مسبوقة تاريخياً لـ”تيار المستقبل” برئاسة سعد الحريري، وهي مقاطعة خلطت حسابات حلفاء الخط السياسي انتخابياً وصبّت لصالح “حزب الله” الطامح لتوسيع تغلغله في الوسط السنّي وفق المؤشرات الراهنة، في مشهدية تلقى اعتراضاً خصوصاً من حزب “القوات اللبنانية” برئاسة سمير جعجع.

ويخوض جعجع معركة الحصول على الأكثرية المسيحية ويرفع شعار كسر هيمنة رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل و”حزب الله”، معوّلاً على دعم خارجي لخطابه السياسي وعلى بعض التحالفات الحسابية مع “الحزب التقدمي الاشتراكي” برئاسة وليد جنبلاط، الذي يرفع أيضاً شعار إسقاط الثلاثي وقطع الطريق عليهم برلمانياً ورئاسياً.

أفرقاء راغبون بتأجيل الانتخابات اللبنانية
في المقابل، يشير متابعون إلى أن “التيار الوطني الحر” من الراغبين في تأجيل الانتخابات، إذ يبدو الخاسر الأكبر شعبياً بعد انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019. وظهرت مؤشرات واستطلاعات للرأي تفيد بأنه سيخسر العديد من المقاعد النيابية، بعدما كان أصلاً بدأ بخسارة مقاعد منذ 2018 عقب انسحاب عدد من النواب من كتلته النيابية، على رأسهم النائب شامل روكز الصهر الثاني للرئيس عون.

تأجيل البلديات بلبنان والمعركة النيابية تزعزع البيت الحزبي الواحد
ويُتهم حليفه “حزب الله” بقدرته على تعطيل الانتخابات النيابية في أي وقتٍ يريد بوصفه المهيمن على البلد من قبل معارضيه. ووُجهت للحزب اتهامات بنيّته تطيير الانتخابات، الأمر الذي نفاه أمينه العام حسن نصر الله، خصوصاً أن الحزب يضمن مقاعده النيابية وأن الأصوات المعارضة من الطائفة الشيعية لن تتمكن من زعزعته، في ظل تشتت المجموعات المدنية المستقلة.

ويتوقع المحامي أيمن رعد، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن تحسم المنظومة السياسية قرارها بعد اليوم الإثنين 4 إبريل/نيسان الحالي، موعد إقفال باب تسجيل اللوائح في وزارة الداخلية. ويوضح أنه إذا تبيّن أن “التغييريين” أو ما يعرف بالمجموعات المدنية المستقلة، تمكّنوا من تشكيل لوائح موحّدة قوية بوجه المنظومة، عندها ستحاول الأخيرة حتماً الغاء الانتخابات.

ويضيف رعد: “أما إذا وجدت المنظومة أن القوى التغييرية عاجزة عن إحداث أي خرقٍ مهم، فعندها ستواصل المسار، ويجري الاستحقاق الانتخابي في موعده، وسيضمن عودة الوجوه الموجودة في الحكم إلى البرلمان من جديد، وعندها يمكن لها القول إن التجديد شرعي إبان عملية ديمقراطية”. مع العلم أنه بموجب قانون الانتخابات يجب على كل مرشح الانضمام إلى قائمة انتخابية وإلا يسقط ترشحه.

سوابق تاريخية لتأجيل الانتخابات في لبنان
تاريخياً، يقول الباحث والمحلل السياسي اللبناني ربيع دندشلي، لـ”العربي الجديد”، إن السبب الأساسي الذي عادة ما يؤدي إلى تأجيل الانتخابات النيابية في لبنان سياسي بذريعة عدم التوافق ربطاً ببدعة الديمقراطية التوافقية، بينما تكون الحجج إما أمنية أو تقنية، كما حال اليوم ربطاً بأزمة الكهرباء وإفلاس الدولة والعجز عن تغطية مصاريف الانتخابات ومتطلباتها.

توقعات بحسم قرار التأجيل أو الإجراء بعد إقفال باب تسجيل اللوائح

ولحظت فترات تاريخية تمديداً لولاية المجلس النيابي لأسباب أمنية، خصوصاً مرحلة الحرب الأهلية (1975 – 1990) وحرمت اللبنانيين من الاقتراع من عام 1972 حتى 1992. وعام 2013 تمّ التمديد لمجلس النواب لسنة و5 أشهر “لمنع الحرب وإبعاد الفتنة والأزمات الخطيرة”، وفعلياً كان السبب عدم التوافق على قانون انتخاب.

وعام 2014 تمّ التمديد لسنتين و7 أشهر “لأسباب موجبة قاهرة” وفعلياً كان السبب عدم التوافق قبل حصول التسوية الرئاسية في 2016. أما في 2017 فتم إقرار قانون انتخابي جديد والتمديد 11 شهراً والسبب تأجيل تقني للانتخابات، إلى أن أجريت الانتخابات عام 2018 وفق قانون انتخابي جديد يقوم على النسبية الذي أطاح نظام الأكثرية، يقول دندشلي.

ويتوقف دندشلي عند مبررات يعتبر أنها تؤكد أن الانتخابات حاصلة في موعدها، منها أن الأحزاب السياسية التي بيدها القدرة على تعطيل الاستحقاق بدأت حملاتها الانتخابية وأطلقت ماكيناتها وإنفاقها الانتخابي ودخلت مسار تسجيل اللوائح.

ويضيف إلى ذلك الضغط الدولي والإقليمي والتحذيرات من مخاطر التأجيل والتمديد، لا سيما أن إجراء الانتخابات من ضمن شروط صندوق النقد الدولي والجهات المانحة لمساعدة لبنان وبدء مسار الخروج من الانهيار الاقتصادي. كما أن المجلس النيابي المنتخب هو من سيختار الرئيس الجديد للبلاد، وهنا تطرح أسئلة عدة “هل سينهي خلف الرئيس ميشال عون حقبة استئثار حزب الله والتيار الوطني الحر وشركائهم في السلطة أم لا؟”، وفق دندشلي.

ومن الدوافع لإجراء الانتخابات، يضيف دندشلي، الحركة الدبلوماسية الجديدة، وعلى رأسها عودة دول الخليج التي قاطعت لبنان في وقت سابق، ما يؤشر تالياً لحصول الانتخابات في موعدها، إلى جانب أن الواقع الراهن لا يحتمل أي فراغ دستوري كبير يولّده التأجيل مع نهاية ولاية المجلس النيابي الحالي والبلد مقبل على انتخابات رئاسية.

وعن الحديث عن غياب الميثاقية في ظل مقاطعة “تيار المستقبل” للاستحقاق النيابي، علماً أنه الممثل الأكبر للشارع السنّي حالياً، ما يبعده عن المشاركة في اختيار رئيس للجمهورية، يقول دندشلي إن الانتخابات النيابية هي التي ستحدد الميثاقية ومدى توافرها. ويضيف أنه في حال سُجل إحجام سنّي كبير عن الاقتراع، عندها يمكن الحديث عن الميثاقية، مع العلم أن الكثير من النواب السنّة لم ينسحبوا من المعركة الانتخابية سواء ترشحاً أو دعماً للوائح الانتخابية.

ويشير إلى أن هناك شخصيات سنّية لها ثقلها مشاركة في الاستحقاق من مختلف الدوائر الانتخابية، حتى أن “تيار المستقبل” الذي يقاطع الاستحقاق علناً، فهو مشارك من تحت الطاولة، باعتبار أن كل رموزه موجودة من الشمال إلى الجنوب وحتى في العاصمة بيروت هناك حركة انتخابية من خطه، عدا عن الشخصيات والجماعات السنّية الأخرى التي رفضت المقاطعة. يذكر أن المقاعد النيابية الـ128 تتوزع مناصفة بين المسيحيين والمسلمين في لبنان.

وفي وقت يرى فيه دندشلي أن المجتمع المدني فشل في الوقوف صفاً واحداً، ما شكّل خيبة أمل للبنانيين وانتصاراً للسلطة، يعتبر أن فريقاً واحداً إذا أراد الإطاحة بالانتخابات لا يمكنه فعل ذلك وحده. ويضيف على سبيل المثال إذا كان “التيار الوطني الحر” يريد تأجيل الانتخابات من بوابة الانهيار وحربه مع المصارف نظراً للخسارة المتوقعة التي سيُمنى بها، فإنه لا يملك الأوراق لفعل ذلك، ولا حتى يمون على حلفائه لتحقيق ذلك.

الأحزاب السياسية التي بيدها القدرة على تعطيل الاستحقاق بدأت حملاتها الانتخابية

ويشرح أن التيار متحالف مع الثنائي “حزب الله” و”حركة أمل” (يرأسها نبيه بري رئيس البرلمان)، متسائلاً “هل للأخيرة مصلحة سياسية ببقاء سطوة باسيل على المجلس وبعض الوزارات بينما الخلاف السياسي كبير بين الفريقين؟”. ويشير إلى أن “حزب الله” يضمن حكماً مقاعده، بينما “تيار المستقبل” قد يكون له دافع بالتأجيل لإعادة النظر بخياراته، ولكن على الرغم من كل هذه الوقائع فإن التخريب في لبنان يحتاج أيضاً إلى توافق.

إشارات إيجابية باتجاه إجراء الانتخابات
من جهته، يقول وزير الداخلية اللبناني الأسبق زياد بارود، لـ”العربي الجديد”، إن المعادلة القائمة أن من يستطيع أن يعطّل الانتخابات لا يرغب بذلك، في المقابل من لديه الرغبة في تطييرها لا يملك القدرة على ذلك. ولهذا يتوقع بارود أن تجري الانتخابات في موعدها الدستوري، و”هذا أمرٌ طبيعيٌّ بعكس التأجيل الذي هو في المطلق غير دستوري”.

ويشير بارود إلى أن ثمة إشارات إيجابية في اتجاه حصول الانتخابات، أهمها صدور مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، والاستعدادات الجارية في وزارة الداخلية، وتخصيص الاعتمادات اللازمة في مجلس الوزراء. وبالتالي يعتبر أن “الانتخابات حاصلة في موعدها أقلّه حتى اللحظة، أما “تطييرها” فهو أمرٌ غير ممكنٍ إلا بحالتين، إما فوضى أمنية واسعة النطاق لا أراها راهناً، أو من خلال فوضى كبرى في الشارع ناجمة عن وضع معيشي يتأزّم على خلفية تراجع سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار بصورة جنونية”.

بدورها، تقول دايانا البابا، منسقة مشاريع في “الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات – لادي”، لـ”العربي الجديد” إن التخوّف موجود دائماً من تأجيل الانتخابات النيابية، خصوصاً بعدما قرّرت الحكومة أخيراً تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية إلى مايو 2023 بعكس ما كانت تعهّدت به، وربطاً أيضاً بمحطات التمديد التاريخية.

وتلفت إلى أن التخوّف من إطاحة الانتخابات قائم بالتالي لأسباب قد تكون خارج الحسبان. أما الشق الأمني الذي يلوَّح به بين فترة وأخرى، فتعتبر أن مسؤولية الأجهزة المعنية ووزارة الداخلية تحديداً تأمين سلامة النهار الانتخابي والمقترعين والمرشحين، وأن تكون في حال تحسّب للحؤول دون وقوع أي حدث أمني من شأنه أن يؤدي إلى تأجيل الاستحقاق.

وتشير البابا إلى أن التحضير التقني، الهندسي، المالي، يفترض أن ينجز مسبقاً، ولكن للأسف دائماً ما يتم التعامل مع الاستحقاقات كأنها تأتي فجأة وغير محددة المواعيد. وتلفت إلى أن البرلمان أقر يوم الثلاثاء الماضي فتح اعتماد إضافي استثنائي في الموازنة العامة لعام 2022 في موازنة الداخلية والبلديات وموازنة الخارجية والمغتربين لتغطية نفقات الانتخابات.

وتضيف: “ننتظر أن تُصرف هذه الأموال بعد كل هذا التأخير، لإزالة هذا العائق الذي كان أداة أيضاً للتهويل بتأجيل الانتخابات وكأنها حركة تستخدم دائماً لإبقاء الناس بحال ترقب وتقبّل لكل الاحتمالات، علماً أن هذه الأجواء تؤثر سلباً على أشخاص يرغبون في الترشح وفي الوقت نفسه يخشون التأجيل ربطاً بضبابية مصير الاستحقاق”.

وتبيّن المعطيات والدراسات حتى الآن قبل شهر تقريباً من موعد الانتخابات، أن هناك تراجعاً عند معظم القوى السياسية، بحسب مدير مركز الاستشراف الإقليمي للمعلومات في بيروت عباس ضاهر. ويقول ضاهر، لـ”العربي الجديد”، إن “البرلمان الجديد لن يشهد تكتلات كبيرة كما كان حاصلاً في دورة 2018، بل سنكون أمام كتل نيابية متعددة دون العشرين”.

ويتوقع أن يحصد “التيار الوطني الحر” بين 15 و17 مقعداً، أما حزب “القوات” فلن تقل مقاعده عن 12 ولن تزيد عن 15، “على الرغم مما يحكى عن تقدّمه لكنه حتى الآن مربك بالتحالفات مع القوى السياسية ولا حليف سنّي وازن معه يعطيه القدرة النيابية، إلى جانب خصومته مع الحريري، وبالتالي فـ”القوات” تحاول الحفاظ على عددها، فيما من المتوقع أن يشهد الحزب التقدمي الاشتراكي تراجعاً بسيطاً”، وفق قوله.

بارود: من يستطيع أن يعطّل الانتخابات لا يرغب بذلك، ومن لديه الرغبة في تطييرها لا يملك القدرة

ويلفت ضاهر إلى أن الثنائي “حزب الله” ـ “حركة أمل” سيكون الطرف الوحيد الذي لن يتراجع كونه القادر على إمساك الساحة في الانتخابات، مقابل تقدّم حلفائه أيضاً سنياً ودرزياً. أما قوى التغيير، بحسب ضاهر، فتعاني من إخفاقات كثيرة مع عجز عن تقديم لوائح موحدة، وباتت بمواجهة بعضها البعض، عدا تشتتها مع سرقة أحزاب سياسية شعاراتها وقدراتها وهو ما سينعكس حكماً على نسبة الاقتراع التي ستشهد انخفاضاً مع تراجع حماس الناخبين تبعاً للمعطيات الراهنة.

يُذكر أنه بعد انتخابات عام 2018، حل تكتل “لبنان القوي” برئاسة جبران باسيل أولاً بـ29 نائباً، بعدما انضمت إليه كتل “ضمانة الجبل” 4 نواب، النواب الأرمن 3، ورئيس حركة الاستقلال ميشال معوض و21 نائباً لـ”التيار الوطني الحر”. تلته “كتلة المستقبل” بـ19 نائباً إضافة إلى النائب تمام سلام، ثم كتلة “التنمية والتحرير” برئاسة نبيه بري بـ17 نائباً، تلاه “تكتل الجمهورية القوية” الذي يمثل “القوات” بـ15 نائباً، ثم “كتلة الوفاء للمقاومة” التي تمثل “حزب الله” بـ13 نائباً.

وبعدها جاءت كتلة “اللقاء الديمقراطي” التي تمثل الحزب “التقدمي الاشتراكي” (بزعامة وليد جنبلاط) بـ9 نواب، وكتلة “التكتل الوطني” وتضم 7 نواب يتوزعون بين “تيار المردة” (بزعامة سليمان فرنجية) والوزير السابق فيصل كرامة وفريد هيكل الخازن، و”كتلة الوسط المستقبل” تضم 4 نواب برئاسة رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي (عزف عن الترشح)، و”الكتلة القومية الاجتماعية” تضم 3 نواب، و”الكتائب” 3 نواب. وتوزع باقي النواب على جهات مستقلة، علماً ان هذه الكتل عانت لاحقاً من انشقاقات واستقالات في صفوفها.

العربي الجديد – ريتا الجمّال

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.