الراعي رأس صلاة الجنازة لراحة نفس المطران الهاشم: ما أمرّ خروج نعشين من البيت الواحد في غضون أيام
ودعت الكنيسة المارونية أحد أحبارها المطران بولس منجد الهاشم السفير البابوي السابق وراعي أبرشية دير الاحمر سابقا، ورأس صلاة الجنازة لراحة نفسة في كنيسة السيدة في بلدته العاقورة قضاء جبيل، البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، وعاونه لفيف من المطارنة والكهنة، الرئيس العام للرهبانية اللبنانية المارونية الاباتي هادي محفوظ ومجلس المدبرين، في حضور عضوي تكتل الجمهورية القوية النائبان زياد الحواط وانطوان حبشي على رأس وفد من دير الاحمر، مي خريش ممثلة رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، النائب السابق شامل روكز، رئيس الرابطة المارونية السفير خليل كرم وفاعليات وأهل وأقارب الراحل وأبناء العاقورة والقرى المجاورة.
بعد الانجيل المقدس القى البطريرك الراعي عظة قال فيها:
“ما أمرّ خروج نعشين من البيت الواحد في غضون أربعة أيام! نعش المرحوم النقيب الشيخ شبل الهاشم، ونعش شقيقه المثلث الرحمة المطران بولس-منجد، الذي نودعه بالأسى الشديد ونرافقه بصلاة الرجاء، وهو يعبر إلى بيت الآب في السماء. وقد توجت عائلته ورقة نعيه بكلمة يوحنا الرسول في رسالته الأولى: “من لا يحب، لا يعرف الله، لأن الله محبة”
( 1يو 4: 8)”.
أضاف: “المثلث الرحمة المطران بولس-منجد أحب الناس، لأنه عرف أن الله محبة، وأن الإنسان مخلوق على صورة الله، وأن بالمعمودية والميرون تنجلي فيه هذه الصورة. تربى على محبة الله والناس في البيت الوالدي، بيت المرحوم الشيخ رشيد الهاشم الذي عرفته شخصيا عن قرب في شيخوخته عندما كنت كاهنا لرعية زوق مصبح، وكان يأتي لحضور القداس الإلهي في كل صباح في كنيسة دير سيدة اللويزة. فكان مميزا بتقواه ووقاره. وربى على هذه المحبة لله والناس أبناءه الخمسة وبناته الثلاث. بهذه الميزة عرفناهم، وعرفنا المطران بولس-منجد منذ الستينات كاهنا في روما بعد أن أنهى إختصاصه في باريس، وأسقفا لأبرشية بعلبك-دير الأحمر، وسفيرا بابويا في بلدان الخليج، وعضوا نشيطا في سينودس كنيستنا المقدس، وفي مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان. فكان هو هو صاحب القلب الأبيض المحب والعلاقات الطيبة والعاطفة الصافية، والجهوزية للخدمة، وعفوية الموقف”.
وتابع: “إنه إبن العاقورة العزيزة التي أحبها وكل شعبها وتاريخها وتقاليدها. أحب كنائسها ومزاراتها، وعلى الأخص سيدة القرن ذخيرة بيته العائلي. ولد في عيد مولد العذراء، الثامن من أيلول سنة 1934. وبمحبة لله وللكنيسة لبى الدعوة الإلهية إلى الكهنوت فدخل المدرسة الإكليريكية في غزير. وبعد إنهاء دروسه الثانوية فيها، أرسلته السلطة الكنسية لنجابته ونضجه، إلى باريس للاختصاص في العلوم العليا. فنال من الجامعة الكاثوليكية شهادة الدكتوراه في اللاهوت وهناك إرتسم كاهنا سنة 1959. ونال من جامعات أخرى باريسية إجازات في كل من الحق القانوني والصحافة والعلوم الإجتماعية والعلوم الدولية. توجه إلى روما أثناء إنعقاد المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني ما بين سنة 1962 و 1965، وشارك في أعماله بصفة مدير القسم العربي في مكتب الصحافة التابع للكرسي الرسولي، ما أتاح له الإنفتاح على الكنيسة الجامعة ومحبتها ومحبة البابوات الذي عرفهم ورعاتها، ونسج علاقات واسعة مع كرادلة وبطاركة وأساقفة ولاهوتيين كبار.
وعاد من بعدها إلى لبنان، حاملا هذا الكنز الروحي والعلمي والكنسي. فأُسندت إليه مهام مختلفة منها: أستاذ محاضر في كلية اللاهوت في جامعة القديس يوسف في بيروت، ومرشد وطني للشبيبة العاملة المسيحية، وكاهن معاون في رعية مار نوهرا-فرن الشباك. وفي سنة 1970 استدعي إلى روما وعين عضوا في اللجنة الحبرية لوسائل الإعلام، ومديرا للقسم العربي في إذاعة الفاتيكان، فنائبا لمدير مكتب الصحافة التابع للكرسي الرسولي، وأخيرا عضوا في أمانة سر دولة الفاتيكان
لقسم العلاقات الدولية والمنظمات الكاثوليكية”.
وأردف: “طيلة تلك الفترة من سنة 1962 إلى 1975 عايشناه في روما وتعاونا معه في إذاعة الفاتيكان، واختبرنا طيبة قلبه ومحبته الصافية وعاطفته المرهفة وعفويته المخلصة وشجاعته في قول الحقيقة، وفوق ذلك محبته لله وللكنيسة عامة وللكنيسة المارونية خاصة بروحانيتها وليتورجيتها وتاريخها، وللبطريركية وشخص البطريرك. وتجلت هذه الميزة بأجمل صورها عندما انتخب مطرانا لأبرشية بعلبك-دير الأحمر، خلفا للمثلث الرحمة المطران فيليب شبيعه. فأنفق مدخراته الشخصية من أجل بناء كرسيها الجميل في دير الأحمر، واسترد مدرستها في مدينة بعلبك، ونظم حياة كهنتها، ونشط رعاياها.
إلى جانب هذا النشاط الراعوي، أُسندت إليه من الكرسي الرسولي العضوية في المجلس الحبري للعلاقات بين الأديان، ومهمة مستشار في المجلس الحبري “قلب واحد” لتنسيق أعمال المحبة. وفي المجلس الحبري لرسالة العلمانيين.
وعلى صعيد مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان إنتخب رئيسا للجنة الأسقفية للعلاقات الإسلامية المسيحية، فرئيسا للجنة الأسقفية للإنتشار، ثم مندوبا للمجلس لدى اللجنة الحبرية المعنية بإعداد المؤتمرات القربانية العالمية، وطُلب إليه المشاركة في أيام الشبيبة العالمية في كل من روما وتورنتو بكندا لإعطاء محاضرات في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية باللغتين العربية والفرنسية. في كل ذلك ظل محافظا على تواضعه وبساطته وأخلاقيته وطيب علاقاته الإنسانية”.
أضاف الراعي: “في شهر آب 2005 عينه قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر في بداية حبريته، أطال الله بعمره، سفيرا بابويا في الكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة، وقاصدا رسوليا في شبه الجزيرة العربية. فخدم فيها الكرسي الرسولي بكل تفان والجاليات العربية وبخاصة اللبنانية والمارونية لجهة تأمين خدمتها الروحية والراعوية. دامت خدمته هناك أربع سنوات انتهت مع بلوغه السن القانونية. وسر بأن يخلفه في رعاية أبرشية بعلبك-دير الأحمر العزيزة على قلبه، أسقفان أكملا بكل تفان البناء الروحي والراعوي والإنمائي وهما سيادة أخوينا المطران سمعان عطاالله خلفه المباشر والمطران حنا رحمة رئيس أساقفتها الحالي.
بعد ذلك، عاد إلى لبنان، واعتنى بإكمال قاعات كنيسة مار مارون في اللقلوق التي شُيدت لإحياء ذكرى شهيدهم الملازم مارون ووالدته المرحومة جوزفين. عاش في بيت شقيقه المرحوم النقيب الشيخ شبل حيث أُحيط منه ومن إبنه وبناته وعائلاتهم بالمحبة والإحترام والخدمة حتى آخر رمق من حياته. وكنا نشهد ذلك في زياراتنا المتكررة له سواء في مستشفى سيدة المعونات أم في بيت شقيقه في اللقلوق، حتى أسلم الروح بسكينة وسلام، بعد أن كان كاهن الرعية الغيور يحمل له كل يوم القربان المقدس، فزوده به، مع سر مسحة المرضى والغفران الكامل عن جميع خطاياه. وفي قلبه وعلى شفتيه محبته الصافية لله. وللكنيسة فخرج من عالمنا كما من جرن المعمودية نقيا صافيا”.
وختم: “وإنا وإخواننا السادة المطارنة أعضاء السينودس البطريركي نتبادل التعازي بفقده، ونعرب عن تعازينا الحارة للكهنة في أبرشيتي بعلبك-دير الأحمر وجبيل ورهبانها وراهباتها ومؤمنيها، ولعائلات المرحومين أشقائه وشقيقاته، ولشقيقته السيدة صفا راجين لها العمر الطويل.
نصلي إلى الله كي يتقبله بكثرة رحمته بين الرعاة الأبرار، ويرسل للكنيسة “رعاة وفق قلبه” بحسب وعده على لسان إرميا النبي (إرميا 3: 5).
المسيح قام!”.
Comments are closed.