الصين تضع خطة لإيجاد أرضٍ ثانية صالحة للحياة
بعد أن أرسلت الصين روبوتاتٍ إلى القمر، وأنزلت أخرى على المريخ، وبنت محطة فضاء خاصةً بها، تضع الآن نصب أعينها الأنظمة الشمسية البعيدة؛ ففي هذا الشهر، سينشر العلماء خططًا مفصلةً للبعثة الأولى التي ستنظمها الصين لاكتشاف الكواكب الواقعة خارج نظامنا الشمسي.
ستعمل البعثة على البحث عن تلك الكواكب في المناطق الأخرى من مجرة درب التبانة، بهدف إيجاد أول كوكب شبيه بالأرض يدور في المنطقة الصالحة للحياة حول نجمٍ مشابه للشمس؛ إذ يظن علماء الفلك أنَّ مثل هذا الكوكب، الذي يسمونه “الأرض 2.0″، ستتوافر فيه الظروف المناسبة لوجود المياه السائلة، وربما أشكال الحياة.
اكتُشِف بالفعل 5 آلاف كوكبٍ خارج نظامنا الشمسي في مجرة درب التبانة، أغلبها عن طريق تلسكوب “كيبلر” التابع لوكالة ناسا الأمريكية، والذي عمِل لمدة تسع سنوات قبل نفاد وقوده في عام 2018، بعض الكواكب المُكتَشَفة كانت عبارةً عن أجسامٍ صخرية شبيهة بكوكب الأرض، تدور حول نجومٍ قزمة حمراء صغيرة، لكنَّ جميعها لا ينطبق عليها تعريف “الأرض 2.0”.
وتقول جيسي كريستيانسن، عالِمة الفيزياء الفلكية بمعهد علوم الكواكب الخارجية التابع لوكالة ناسا، والذي يقع في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا بمدينة باسادينا: إنَّه باستخدام التقنيات والتلسكوبات الحالية، يصعب للغاية رصد المؤشرات الدالة على وجود الكواكب الصغيرة الشبيهة بالأرض، عندما تكون نجومها المضيفة أثقل بمليون مرة وأكثر سطوعًا بمليار مرة.
إلَّا أنَّ البعثة الصينية، المُسمَّاة “الأرض 2.0″، تأمل تغيير ذلك الوضع، هذه البعثة ستُموَّل من الأكاديمية الصينية للعلوم، وهي حاليًّا في نهاية مرحلة التصميم الأولية، ومن المقرر أن تُراجَع التصميمات على يد لجنةٍ من الخبراء في شهر يونيو، وإن أقرَّتها فسيحصل فريق البعثة على التمويل للبدء في بناء القمر الصناعي، ويخطط الفريق لإطلاق المركبة الفضائية على متن صاروخٍ من نوع “لونج مارش” Long March قبل نهاية عام 2026.
سبع عيون
القمر الصناعي لبعثة “الأرض 2.0” مُصمَّمٌ ليحمل سبعة تلسكوبات، لترصد هذه التلسكوبات السماء لمدة أربعة أعوام، ستعمل ستةٌ منها على مسح كوكبتي الدجاجة والقيثارة، وهي المنطقة نفسها التي مسحها تلسكوب “كيبلر”، وعن ذلك يقول جيان جي، عالِم الفلك الذي يقود البعثة في مرصد شنغهاي الفلكي التابع للأكاديمية الصينية للعلوم: “إنَّ نطاق تلسكوب كيبلر يسهل مسحه؛ لأنَّ لدينا بياناتٍ جيدةً جدًّا عن هذه المنطقة”.
ستبحث التلسكوبات عن الكواكب الواقعة خارج نظامنا الشمسي عن طريق رصد التغيُّرات الطفيفة في سطوع النجوم، تلك التغيرات التي تشير إلى أنَّ كوكبًا مرَّ أمامها، واستعمال عدة تلسكوبات صغيرة معًا يتيح للعلماء مجال رؤيةٍ أوسع، بالمقارنة باستعمال تلسكوبٍ واحد ضخم مثل “كيبلر”، وسترصد تلسكوبات البعثة الستة نحو 1.2 مليون نجم، في رقعةٍ من السماء تبلغ مساحتها 500 درجة مربعة، أي أكبر بخمس مرات من نطاق “كيبلر”، وفي الوقت نفسه، ستتمكن البعثة من رصد نجومٍ أقل سطوعًا وأبعد من تلك التي يرصدها قمر استطلاع الكواكب الخارجية العابرة (TESS) التابع لوكالة ناسا، والذي يرصد النجوم الساطعة القريبة من الأرض.
ويقول جي عن البعثة الصينية: “قمرنا الصناعي يمكن أن يكون أقوى بعشر مرات أو بخمس عشرة مرة من تلسكوب كيبلر التابع لوكالة ناسا، من حيث قدرته على مسح السماء”.
الجهاز السابع في القمر الصناعي سيكون تلسكوبًا يرصد تأثير عدسات الجاذبية الصغرى، غرضه مسح الكواكب المارقة -وهي الأجسام السماوية المرتحلة التي لا تدور حول أي نجم– والكواكب الخارجية البعيدة عن نجمها، مثل كوكب نبتون في مجموعتنا الشمسية، سيرصد الجهاز التغيرات في ضوء النجوم عندما تتسبب جاذبية كوكبٍ أو نجم يمر أمامها في انحراف الضوء الصادر عنها، وسيستهدف التلسكوب مركز مجرة درب التبانة، حيث تقع أعداد ضخمة من النجوم، وحال نجاح إطلاقه، سيصبح أول تلسكوب فضائي يرصد تأثير عدسات الجاذبية الصغرى، وفق ما قال جي.
وتابع جي موضحًا: “قمرنا الصناعي يمكنه بالأساس إجراء عملية إحصاء ترصد الكواكب الخارجية بأحجامها وكتلها وأعمارها المختلفة، وستوفر البعثة مجموعةً جيدةً من عينات الكواكب الخارجية للأبحاث المستقبلية”.
مضاعفة البيانات
أطلقت ناسا تلسكوب “كيبلر” في 2009، بهدف اكتشاف مدى شيوع الكواكب الشبيهة بالأرض في المجرة، وللتأكد من تشابُه ظروف أي كوكبٍ خارجي مع الأرض، يحتاج علماء الفلك إلى قياس الوقت الذي يستغرقه في دورانه حول شمسه؛ إذ ينبغي لمثل هذه الكواكب أن تكون فترتها المدارية مساويةً لفترة كوكب الأرض، وأن تمر بين التلسكوبات وشمسها مرةً كل عامٍ تقريبًا، وتقول تشيلسي هوانج، عالِمة الفيزياء الفلكية بجامعة ساوثرن كوينزلاند في مدينة توومبا الأسترالية: إنَه لا بد من مرور الكواكب بين التلسكوبات وشموسها 3 مراتٍ على الأقل كي يتمكن العلماء من تحديد فتراتها المدارية بدقة، أي ما يُقدَّر بثلاثة أعوامٍ من البيانات، وأكثر في بعض الأحيان إن كانت هناك فجواتٌ ضمن البيانات.
لكن بعد مرور أربعة أعوام على بدء مهمة تلسكوب “كيبلر”، تعطلت أجزاءٌ منه، ما أدى إلى عجز التلسكوب عن رصد أي رقعةٍ من السماء لمدةٍ طويلة، وتقول هوانج، التي عملت استشاريةً لمحاكاة البيانات ضمن فريق بعثة “الأرض 2.0”: إنَّ “كيبلر” كان على وشك اكتشاف بعض الكواكب شديدة الشبه بالأرض.
ومن خلال بعثة “الأرض 2.0″، يمكن أن يتوافر لعلماء الفلك ما قوامه أربعة أعوامٍ أخرى من البيانات، وعند الجمع بينها وبين ما رصده “كيبلر”، يمكن أن تؤكد تلك البيانات أي الكواكب الخارجية شبيهٌ بالأرض حقًّا، وعن ذلك تقول كريستيانسن، التي تأمل دراسة بيانات البعثة حال إتاحتها: “أنا متحمسة للغاية بشأن احتمالية العودة إلى نطاق كيبلر”.
ويأمل جي إيجاد عشرات الكواكب الشبيهة بالأرض، ويقول إنَّه يخطط لنشر البيانات في غضون عامٍ أو اثنين من جمعها، وأضاف: “ستكون كميةً ضخمةً من البيانات، لذا سنحتاج إلى كل المساعدة المتاحة”، يتضمن فريق البعثة بالفعل نحو 300 عالمٍ ومهندس، أغلبهم من الصين، لكنَّ جي يأمل انضمام المزيد من علماء الفلك من أنحاء العالم، فوفق قوله: “بعثة الأرض 2.0 فرصةٌ لتعزيز التعاون الدولي”.
جديرٌ بالذكر أنَّ وكالة الفضاء الأوروبية تُخطط كذلك بعثةً لاستطلاع الكواكب الخارجية، تُسمَّى عبور الكواكب وتذبذبات النجوم (PLATO)، ويُخطط لإطلاقها في عام 2026، يحتوي تصميم تلك البعثة على 26 تلسكوبًا، ما يعني أنَّ مجال رصدها سيكون أكبر بكثير من بعثة “الأرض 2.0″، لكنَّ القمر الصناعي للبعثة سيُغيِّر زاوية رصده كل عامين، ليرصد بقاعًا سماويةً مختلفة.
Comments are closed.