«حربٌ لمَعارك عدة».. لا صيدليات في لبنان الجمعة: لامسنا الخطوط الحمر والرفوف فارغة من غالبية الأدوية
على طريقة «شراء الوقت» ولكن ليس لإكمال عناصر استيلاد الحكومة، بل لإطالة أَمَدِ لعبةِ «مَن يصرخ أولاً» على هذه الجبهة التي باتت ساحةً لـ «حروبٍ عدة» (الانتخابات النيابية والرئاسية المقبلة) تدار وكأنها واقعة «الآن وليس غداً».
هكذا وصفتْ أوساطٌ واسعة الاطلاع المشهديةَ التي ترتسم في بيروت التي تئنّ تحت وطأة الأزمات التي تتكاتف عليها في السياسة والمال والاقتصاد والاجتماع وربما الأمن لاحقاً.
وإذا أفلت لبنان وحتى إشعار آخَر، عبر ما بدا أنه تدبير «حافة الهاوية»، من «فم العتمة» الشاملة التي كانت وشيكة وسابقتْ عَدّاً تَنازُلياً أُطلِق لدخول البلاد أيضاً في «العمى الإلكتروني»، لم يكن ممكناً تَلَمُّس احتمالات نجاح المحاولة المتجددة التي أطلقتها بيروت لـ «إطفاء» الأزمة التي نجمت عن «التفلّت» الحدودي وعبر المرافق البرية والبحرية خصوصاً الذي كبّد «الدولة المتهالكة» قراراً من الرياض بحظر دخول إرساليات الفواكه والخضار الآتية من لبنان تحت عنوان «حماية أمننا من الاستهداف الممنْهج» بشحنات المخدرات.
فبعد خمسة أيام من توجيه السفير اللبناني في السعودية فوزي كبارة كتاباً إلى الخارجية اللبنانية تحدث عن «معلومات وردت من المصدّرين والمخلّصين الجمركيين تفيد بتوجه السعودية إلى فرض حظر على دخول كل الصادرات اللبنانية إلى المملكة» ابتداءً من منتصف يونيو، ومتحدثاً عن عدم تلقيه بعد «الضمانات الأمنية» التي سبق أن طلبتْها الرياض «للنظر برفْع الحظر عن تصدير الفواكه والخضراوات»، اختارت بيروت أن تعالجَ هذه المسألة المفتوحة منذ 23 أبريل الماضي على مستوييْن: الأول «توصيات» وإجراءات لم يتوقف الحديث عنها على مدى الأيام الـ 45 الماضية.
والثاني «خطوات» تقرَّرتْ مباشرتها وأبرزها «إعادة وصل ما انقطع مع دول مجلس التعاون الخليجي خصوصاً المملكة العربية السعودية في إطار سياسي – اقتصادي يعيد الثقة بلبنان وصناعته»، وهو العنوان الذي حمل إشاراتٍ اعتبرت الأوساط المطلعة أنها تشي بعدم إدراكٍ أو «تمويه» لحقيقة أن عنوان «استعادة الثقة» في شقّه السياسي يمرّ، بالنسبة الى الرياض بالتموْضع الإقليمي لبيروت وملف «حزب الله» وأدواره العابرة للحدود والذي يتقاطع في جوانب منه مع «لغم» التهريب الذي انفجر بوجه «بلاد الأرز» في عز الأزمات التي تواجهها والتي لا يمكن عزْلها عن الصراع الإقليمي الذي «اقتيدت» إليه.
وإذ عكس ما نقلته محطة «ام تي في» اللبنانية عن مصادر سعودية تعليقاً على البيان الذي صدر عقب الاجتماع الموسع في وزارة الخارجية اللبنانية من أن «العِبرة تبقى في التنفيذ» أن المملكة تترقّب «أفعالاً» ولا تكتفي بالأقوال، فإن الأوساط نفسها توقفت عند اللقاء النوعي الذي عُقد أمس بين السفير السعودي في بيروت وليد بخاري وقائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون في دارة الأول والذي بدا من الصعب فصْله عن الثقة الدولية والعربية التي تتسع دائرتها بالجنرال عون.
وفي أي حال لم تقلّل الأوساط من أهمية اندفاعة لبنان على خط ملف الحظر عبر الاجتماع الذي عقدته نائب رئيس الوزراء وزيرة الخارجية بالوكالة زينة عكر ووزير الداخلية محمد فهمي تحت عنوان «معالجة منع إدخال المنتجات الزراعية اللبنانية الى دول مجلس التعاون الخليجي خصوصاً السعودية ووضعها موضع التنفيذ» وهو الاجتماع الذي حضره وزراء المال والصناعة والزراعة، ولجنة الاقتصاد والتجارة والصناعة والتخطيط النيابية.
وإذ أكد البيان أنه جرى البحث في «الإجراءات السريعة والجذرية التي ستتخذ على المديين القصير والمتوسط»، لافتاً إلى «ضرورة متابعة الإجراءات التي تجريها وزارة الداخلية»، أعلن وضع توصيات (عددها 14) أبرز ما تضمّنته: «تشكيل لجنة وزارية برئاسة فهمي لمتابعة الإجراءات والتوصيات التي اتُخذت على المدييْن القصير والمتوسط، وإنشاء دائرة للمخاطر في مديرية الجمارك اللبنانية، وحصر معابر التصدير الى دول مجلس التعاون الخليجي خصوصاً السعودية في الوقت الراهن بمرفأ بيروت، وإعطاء الأولوية للإسراع بتأمين وشراء وتركيب سكانر في مرفأ بيروت في أسرع وقت».
كما نصت التوصيات على «العمل على شراء أكثر من سكانر من خلال مشروع BOT وعبر الهبات وتجاوز البيروقراطية الإدارية والكلفة المالية، والسعي لتفعيل التنسيق لبرامج المعلوماتية بين الجمارك اللبنانية والجمارك في دول التعاون الخليجي، والتعاون مع شركات متخصصة عالمية لمراقبة ومواكبة التوضيب من المصدر مع ختمها على حاوية الشحن، على أن يعاد فتح الختم عند الجمارك والتدقيق في الصادرات لإعطاء الموافقة عليها، والتشدد بالتدقيق في المستندات لا سيما للبضائع المعدة للتصدير لدول التعاون الخليجي خصوصاً المملكة العربية السعودية، وقيام الجمارك اللبنانية بالكشف على البضائع عبر تقنية السكانر للتأكد من خلوها من أي مواد مشبوهة، وإرفاق تقرير الكشف وصور السكانر مع الشحنة كمستندات إلزامية لدخول الشحنة إلى دول التعاون الخليجي، وضبط المعابر والمرافق الحدودية البرية والبحرية من الجمارك والأجهزة الأمنية المختصة، مع إعادة تقييم للمعابر اللبنانية خلال فترة وجيزة».
وتم الاتفاق في إطار تعزيز العلاقات مع الدول المعنية على المباشرة بثلاث خطوات بينها «توقيع مذكرة تعاون وتنسيق بين الجمارك اللبنانية والجمارك السعودية والابقاء على التواصل المستمر»، و«تعاون قضائي للعمل على إنجاز التحقيقات حول شحنة الرمان المهرَّبة والمعبأة بحبوب الكبتاغون وغيرها في أسرع وقت، علماً أنه تمت أيضاً مصادرة شحنتين في مرفأ صيدا ومطار رفيق الحريري الدولي وتوقيف عدد من المطلوبين».
وبعيد الاجتماع أعلن النائب ميشال ضاهر (عضو لجنة الاقتصاد) أنه قام «بإصلاح(السكانر) الموجود في مرفأ طرابلس، ونتابع مع الجمارك لنقله الى مرفأ بيروت».
وإذ سيتعيّن رصْد الأيام المقبلة لتبيان إذا كانت هذه الخطوات ستلقى الصدى المطلوب سعودياً أقلّه لفرْملة أي اتجاهاتٍ جديدة تتصل بالصادرات اللبنانية وفق ما عبّر عنه كتاب السفير اللبناني، فإن المشهد الداخلي بدا أمام شبه «تسليمٍ» بأن أزمة تأليف الحكومة دخلتْ في مدار الانتخابات النيابية والرئاسية (ربيع وخريف 2022) وحساباتها وأن «استراحة» التقاصف من «العيار الثقيل» بين رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه وبين الرئيس المكلف سعد الحريري هي على طريقة انتظار اكتمال «الانهاك المتبادل» الذي يستنزف مبادرة الرئيس نبيه بري التي كانت علقت عند «جوابٍ» لم يأتِ بعد من صهر عون رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل.
وترى الأوساط المطلعة أن من الصعوبة بمكان تصوُّر إمكان النجاح في اجتراح مخرْج تسْووي لعقدة تسمية الوزيرين المسيحيين (من خارج حصة عون) اللذين من شأن الإصرار على رفْضِ أن يسميهما الحريري نسْفَ «حجر الزاوية» في مسعى بري أي صيغة الثلاث ثمانيات في حكومة الـ 24، وسط إشاعةِ مناخاتٍ عن أن التسريبات عن عدم ممانعة أن يتم اختيارهما في كنف الثنائي الشيعي أو الزعيم الدرزي وليد جنبلاط أو الثلاثة هي في سياق محاولة «تفخيخ» علاقة الرئيس المكلف بكل منهم وتالياً زعزعة «السيبة» التي يرتكز عليها زعيم «المستقبل» في تكليفه الذي لم يعُد خافياً أن فريق عون يريد «الفكاك» منه، ناهيك عن اعتبار محاولة استدراج «القوات اللبنانية»، ولو عبر مواقف غير رسمية من «التيار الحر» إلى ملعب التشكيل عبر اقتراح أن تسمي الوزيرين مؤشراً الى منحى «هروب إلى الأمام».
وعلى وقع هذا الأفق المقفل، تَمْضي «المطاحنةُ» فوق الواقع المالي – الاقتصادي المفتوح على عصْفٍ مدمّر تلوح طلائعُه على مختلف المستوياتِ المعيشية وصولاً إلى الاستشفائية والصيدلانية، وسط منحى بات راسخاً في مقاربةِ أي خطوةٍ تسحب «فتيل» انفجار قطاعٍ أو آخِر على أن خلفيّتها ليستْ إمداد «خطوط الاتصال» للإفراج عن الحكومة بقوةِ دفْعٍ تهيء للانفراج بقدر ما أنها ستفيد أطراف الصراع في إطالة «عمر» المكاسرة القاتلة الموصلة للانفجار.
وهذا بالتحديد ما حصل مع استصدارِ موافقةٍ استثنائيةٍ لإعطاء مؤسسة كهرباء لبنان سلفة خزينةٍ بالعملة الأجنبية لشراء المحروقات (بناء على طلب من وزير المال وقّعه رئيس حكومة تصريف الأعمال ثم الرئيس عون) لزوم مؤسسة كهرباء لبنان، وهو التطور الذي يؤجّل سقوط البلاد في«قبضة الظلام»المطبق الذي قوبل بتحذيرات من تشظياتٍ مهلكة له على قطاع الاتصالات والإنترنت، وسط ملامح غليان متعاظم في الشارع الذي كانت له مساء الأحد تحركات عدة اعتُبرت مؤشراً لاقتراب خروج جمر الغضب الشعبي من تحت الرماد، في ظلّ تزايُد مظاهر الانهيار الذي دفع بأصحاب الصيدليات الى إعلان «التوقف القسري عن العمل يوم الجمعة المقبل واطلاق صرخة بوجه المسؤولين عن الأزمة بأننا لامسنا الخطوط الحمر، وأن الأمن الصحي والدوائي والغذائي أصبح مهدداً بشكل جدي اذا لم يتم اتخاذ التدابير الضرورية التي تؤمن وصول الأدوية وحليب الأطفال للصيدليات لسد حاجة المرضى والأطفال».
وأشار هؤلاء إلى أنه «من باب احساسنا بالمسؤولية تجاه الناس وشعورنا بمعاناتهم كنا التزمنا بصرف الأدوية التي بحوزتنا لمستحقيها من المرضى دون أن يدخل بالمقابل إلا القليل ما أدى الى فراغ الرفوف من غالبية الأدوية خصوصاً المزمنة وأدوية المضادات الحيوية الضرورية لعلاج الحالات الحادة».
الراي – وسام أبو حرفوش وليندا عازار
Comments are closed.