هل تحررت “عاملات المنازل” من نظام الكفالة اللبناني؟
أقرّت وزارة العمل عقد عمل جديد لعاملات الخدمة المنزلية المهاجرات في لبنان، يمنحهن حقّ الاحتفاظ بجواز السفر والاستقالة، في خطوة رحّبت بها منظمات حقوقية لكن اعتبرتها “غير كافية” لإنهاء نظام “الكفالة” الذي يجعل العاملات تحت رحمة أرباب العمل.
ويعيش في لبنان نحو 250 ألفاً من عمال الخدمة المنزلية الأجانب، غالبيتهم العظمى من النساء اللواتي يحملن تصاريح عمل ويتحدرن من دول أفريقية وأسيوية فقيرة.
ولا يشمل قانون العمل الحالي عاملات المنازل المهاجرات، بل يخضعن لنظام “كفالة” يربط إقامتهن القانونية بعلاقة تعاقدية مع أرباب العمل ما يمنح هؤلاء “سيطرة شبه كاملة” على حياة العاملات. وهو يجعلهن عرضة لكافة أشكال الاستغلال وسوء المعاملة مقابل رواتب ضئيلة جداً.
ومنذ سنوات، ترفع منظمات حقوقية الصوت عالياً ضد نظام الكفالة مطالبة الحكومة بإلغائه وسط تقارير حول تعرض عاملات للتعذيب أو إقدام بعضهنّ على الانتحار أو الفرار. وفاقمت الأزمة الاقتصادية الأخيرة معاناتهن مع صعوبة الحصول على الدولار وخسارة وظائفهن.
والشهر الحالي، أصدرت وزيرة العمل في حكومة تصريف الأعمال لميا يمين قراراً ينص على فرض “عقد العمل الموحّد الخاص بالعاملات/العمّال في الخدمة المنزلية”.
واعتبرت أن العقد الجديد، الذي يهدف إلى تنظيم العلاقة بينهم بين أرباب العمل، “يلغي نظام الكفالة ويكرّس حقوق العمال والعاملات المنزليين المهاجرين”.
ويمنح العقد الجديد العاملة الحق بالاحتفاظ بجواز سفرها وتغيير رب العمل، وبالاستقالة من دون إشعار مسبق، في حال مصادرة جواز السفر أو الامتناع عن دفع الراتب.
الكفالة
وتحت ظل نظام الكفالة، فإن فسخ عقد العمل غير ممكن من دون موافقة المشغل الذي يصبح الكفيل، بعد دفعه مبلغاً يتراوح بين ألفين وخمسة آلاف دولار لمكاتب الاستقدام. ولا يمنع القانون رب العمل من مصادرة جواز سفر العاملة. وفي حالة الفرار، تصبح إقامتها غير قانونية.
ورحّب ناشطون ومنظمات حقوقية بالعقد الجديد، معتبرين أنه يشكل “بداية” على طريق الغاء نظام الكفالة.
وتقول الباحثة في منظمة العفو الدولية ديالا حيدر لوكالة فرانس برس “هو من دون شك نسخة أفضل من العقد الذي سبقه” والمعتمد منذ العام 2009. لكنّ “عقد عمل وحده لا يلغي نظام الكفالة”.
حبر على ورق
بموجب العقد الجديد، يجب ألا يقلّ الراتب عن الحدّ الأدنى للأجور، أي 675 ألف ليرة (450 دولار وفق سعر الصرف الرسمي ونحو تسعين دولار وفق سعر صرف السوق السوداء). لكن تُحسم منه “التقديمات العينية” التي يقوم بها أرباب العمل مثل “المأكل والسكن والملبس”، ما يعني أن الراتب فعلياً سيكون أقل من الحدّ الأدنى للأجور.
كما يفرض على أرباب العمل تأمين “غرفة خاصة منفصلة جيدة التهوئة والإضاءة و.. مجهزة بقفل”. ولطالما شكت عاملات من عدم تمتعهن بخصوصية، مع نومهن في المطبخ أو غرفة الجلوس أو على الشرفة.
ويحدّد العقد ساعات العمل بثماني ساعات يومياً مع استراحة لمدة ساعة، ويفصّل حقهن في الحصول على إجازات مدفوعة الأجر وإجازات مرضية.
وتوضح حيدر أنه “في غياب آلية لتطبيقه، فإن هذا العقد سيبقى حبراً على ورق”. ومن هنا أهمية التشدّد في ضمان التزام أرباب العمل بمضمونه ومحاسبتهم في حال انتهكوا أي من بنوده.
ولم يتضمن العقد المعمول به حالياً أي آلية محاسبة. ورغم أنه نصّ على سبيل المثال على وجوب دفع أرباب العمل الرواتب للعاملات في نهاية كل شهر، لكنّ كثراً امتنعوا عن ذلك ووصل الأمر بهم مؤخراً الى حد رمي العاملات في الشارع من دون دفع رواتب أشهر عدة.
وتقول حيدر “لم نر أي رب عمل يُحاسب على هذا الانتهاك للعقد”.
وأعاد الانهيار الاقتصادي الذي يشهده لبنان منذ العام الماضي وهو الأسوأ منذ عقود، تسليط الضوء مجدداً على مساوىء نظام الكفالة. فمع شحّ الدولار والقيود المصرفية المشددة، باتت شريحة واسعة من اللبنانيين عاجزة عن دفع الرواتب بالدولار للعمال الأجانب في منازلهم أو مؤسساتهم.
وبات بعضهم يدفع بالليرة اللبنانية التي تدهورت قيمتها وأصبح تحويلها الى الدولار عملية خاسرة للعمال الذين يرسلون الأموال إلى عائلاتهم. وانتشرت ظاهرة تسريح العاملات أو إعادتهن الى المكاتب التي استقدموا عبرها أو حتى رميهن أمام قنصلية بلادهن.
وتقول زينة مزهر من منظمة العمل الدولية إن عقد العمل الجديد “خطوة بالاتجاه الصحيح، لكنه لا يكفي وحده”.
وعلى الأجهزة الأمنية المعنية، وتحديداً وزارة الداخلية والمديرية العامة للأمن العام، بحسب مزهر، أن تواكب وزارة العمل في جهودها، خصوصاً أن العقد يمنح العاملة الحق بالاستقالة، لضمان عدم خسارة إقامتها وتحولها إلى مهاجرة غير شرعية، كما كان يجري غالباً تحت نظام الكفالة.
ويرى ناشطون أن نظام الكفالة لا ينتهي بمجرد عقد جديد بل يجدر على مجلس النواب أن يعدل قانون العمل ليشمل العاملات والعمال الأجانب ويمنحهم الحق بتنظيم أنفسهم في نقابات.
المصدر: ا ف ب
Comments are closed.