تأليف حكومة أم تغيير وجه لبنان؟
يبدو أن الانهيار اللبناني المبكي يستخدم عند بعضهم وسيلة لتحقيق طموحات فئوية وشخصية واسعة، والهدف تغيير وجه لبنان بالكامل، والقضاء على دوره التاريخي الذي يشكل تقاطعا بين الشرق والغرب، وملتقى للحوار بين الثقافات المختلفة، والعمل الدؤوب على تهميش وتهشيم قوى من مكوناته الأساسية تخفي مراما بعيدة المدى، ومنها سلخ لبنان من الحضن العربي (وفق التسمية التي استخدمها رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي) ووضع اليد على مقدراته بشكل كامل، في تقاسم مريب للأدوار بين فريق الحكم والفريق الذي يؤمّن له الحماية الأمنية، او الأمان الشخصي بتعبير أدق.
ومسلسل تعطيل تأليف الحكومة الذي بدأ منذ فترة طويلة مع الرئيس سعد الحريري واستمر الى اليوم مع الرئيس نجيب ميقاتي، يخفي خطة محكمة لنسف النظام البرلماني ولوضع اليد على مفاصل الدولة بكاملها من خلال حكومة فيها ثلث معطل، ولا تجتمع إلا بموافقة فريق الحكم، وهي مهددة بالاستقالة في التوقيت الذي يراه هذا الفريق مناسبا، خصوصا لكون الاستشارات الدستورية «الفذة» لمستشاري الرئيس أفتت بأن موقع الرئاسة لا يجوز أن يشغر إذا ما كانت الحكومة مستقيلة، وبالتالي يستمر رئيس الجمهورية في موقعه لإدارة المرفق العام الدستوري الأول في البلاد، ولا يغادر قصر بعبدا بعد 29 اكتوبر 2022 تاريخ انتهاء ولايته، ومن المؤكد أن السيناريو الذي طبق ما بين العام 2014 والعام 2016 في تعطيل النصاب عن جلسة انتخاب الرئيس قبل أن يتأكد الفريق المعني ذاته أن مرشحه هو الذي سيفوز بالمنصب، سيطبق هو ذاته هذه المرة ايضا.
والحكومة العتيدة المزمع تشكيلها، هي الأخيرة في هذا العهد، ولا توجد أي ضمانات لتأليف حكومة سريعا بعد الانتخابات النيابية القادمة في ربيع 2022 ـ هذا إذا ما حصلت الانتخابات ـ لأن ما يجري اليوم رسالة واضحة للجميع وهي: أن توقيع رئيس الجمهورية هو الأساس في تأليف الحكومة وليس كثرة عدد النواب الذين يكلفون رئيس الحكومة، وبالتالي فإن الأكثريات النيابية الجديدة التي يراهن عليها البعض بمنزلة شيك بدون رصيد، وهؤلاء غير قادرين على تغيير المعادلة، وهذا يعني تجاوز الدستور بالممارسة ونسف لميثاق الطائف برمته.
وهذه الحكومة إذا ما تألفت، مطلوب منها إقالة عدد من كبار الموظفين، وستكون مسؤولة عن إجراء تعيينات في أكثر من 72 موقعا من الفئة الأولى في الدولة، وفي مختلف المؤسسات المدنية والخدماتية والعسكرية، ومنهم ما لا يقل عن 45 مركزا مخصصا عرفا للمسيحيين، ويرغب التيار الوطني الحر بتعيين مناصرين له في هذه المواقع، وهؤلاء بطبيعة الحال وسيلة لفرض سياسته الى مدى طويل، وهذه السياسة تستند الى ذهنية الفرض والتهديد بقانون القوة وليس بقوة القانون، وبدا أن الهموم الوطنية والمعيشية عندهم بمنزلة التفاصيل ويمكن التعامل معها بالدهاء الاستراتيجي على الطريقة التي تعتمدها مرجعيات قوى الممانعة.
صرخة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان الأخيرة، وتحذير الرئيس نجيب ميقاتي من خطورة التمادي في الإهانات وفي الاستفزاز الدستوري لمكونات لبنانية أساسية، ليستا من فراغ، وهناك تحذيرات أخرى من مغبة الارتجال في إدارة الدولة صدرت عن البطريرك بشارة الراعي وعن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، والتجارب الماضية في لبنان أكدت على أن محاولات الإلغاء والتهميش والاستئثار، لا تصل الى مبتغاها بسهولة، وهي تهدد الاستقرار، وليست محسومة النتائج، والقوى الخارجية، التي تركت لبنان ولم تساعده كما يجب، لا يمكن لها أن تسلم باعتباره ساحة مستباحة لتحقيق مآرب محورية او شخصية. والمعطيات المتوافرة تؤكد أن هذه القوى لديها اوراق يمكن أن تلعبها، تمنع بواسطتها تغيير وجه لبنان، ولا تصب في مصلحة المغامرين الذين تحكموا به على مدى 5 سنوات الماضية وأوصلوه الى جهنم، فهل ينتقلون به بعد ذلك الى الجحيم؟
الانباء ـ ناصر زيدان
Comments are closed.