لبنان المُستبعد عربياً ينزلق أكثر باتجاه دمشق
وصل الخلاف على تشكيل الحكومة اللبنانية إلى نقطة مركزية، هي الصراع على الصلاحيات؛ فما قاله رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، مساء أمس الأول، دليل على أن المسألة تتخطى توزيع الحقائب، وتصل إلى صراع على النفوذ داخل تركيبة السلطة.
فقد اعتبر ميقاتي أن بعض من يتعاطى في تشكيل الحكومة، يظن نفسه كأنه قبل دستور الطائف! وهذه رسالة واضحة تستهدف رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي يريد أن يكون شريكاً كاملاً في التشكيل، وله حق الموافقة على الوزراء، في استعادة لصلاحيات سحبت من الرئاسة.
موقف ميقاتي هذا، يعقّد العلاقة مع بعبدا، ولا يمكن أن يكون مسهلاً لولادة الحكومة، بعد أن أظهر العُقد التي كانت مخفية في السابق، خصوصاً أنه جاء على وقع التصعيد من رؤساء الحكومة السابقين الداعمين لميقاتي، على خلفية تحقيقات تفجير مرفأ بيروت، والرفض السُّني لمذكرة الجلب الصادرة بحق رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب.
وفي حين بات الصراع يترسخ أكثر وفق منظور الانقسام السني ــ الماروني، الذي يرخي ظلالاً سلبية على كل المسار السياسي، وضعت عملية تأليف الحكومة في الثلاجة، بانتظار تطورات خارجية تفرض نفسها على الداخل، وتقود إما إلى التشكيل أو اعتذار ميقاتي على خطى سلَفَيه مصطفى أديب وسعد الحريري.
وفي حال حصل هذا، فمن المحتمل أن يدخل لبنان في أزمة نظام لن يكون سهلاً من بعدها الاتفاق على إعادة تشكيل السلطة بشكل سلس وهادئ، حسب ما أظهرت تجارب في مجتمعات مشابهة لم يتحقق فيها التغيير السياسي، إلا بعد توترات كبيرة وصراعات طائفية فرضت وقائع جديدة.
في غضون ذلك، يرتفع منسوب التوتر الطائفي والمذهبي ذي البعد المناطقي، ما يضعف منطق الدولة لمصلحة الدويلات، التي تتعزز أكثر فأكثر على ضوء الانهيار الاقتصادي، حيث تبحث كل جماعة طائفية عن مقومات البقاء والصمود بمعزل عن الأخرى، في مشهد يؤسس لمزيد من التفكك وسط غياب أي معيار سياسي قادر على إنتاج تسوية تحمي الدولة ومؤسساتها.
ومن مشاهد تهميش لبنان دولياً غيابه عن قمة بغداد، إذ لم تُدع الدولة اللبنانية للمشاركة. صحيح أن القمة تخللها بعض المواقف المهتمة بالملف اللبناني، لكنها اعتبرت أن المدخل لاستعادة الشرعية العربية هو تشكيل حكومة موثوقة دولياً قادرة على إنجاز الإصلاحات. ويفرض هذا على لبنان أن يقرأ في كتاب العراق، الذي عمل على جذب الاهتمام العربي والدولي بعد الوصول إلى تسوية اختيار مصطفى الكاظمي رئيساً للحكومة، ونجح في إعادة نسج علاقاته العربية والدولية، في حين يبدو لبنان حالياً أقرب إلى الواقع السوري، إذ إن سورية لم تُدع أيضاً إلى القمة نتيجة رفض دولي وعربي.
وفي ظل هذا الاستعصاء، يُمعن لبنان أكثر في الذهاب نحو سورية، منتظراً إشارات خارجية تسمح له بالانفتاح على دمشق، من بوابة الحصول على استثناءات أميركية من «قانون قيصر».
في هذا الصدد، يتحضر وفد وزاري لبناني يضم وزراء الخارجية والمال والطاقة والمدير العام للأمن العام عباس إبراهيم لزيارة دمشق، للتفاوض حول اتفاقية تمرير غاز مصر وكهرباء الأردن إلى لبنان، وهذا لا يمكن أن يحصل من دون غطاء أميركي في حال تأمّن سيكون متوفراً للبنان وسورية معاً، مما يعني وضعهما في نفس الخانة، بانتظار تغيرات كبرى.
الجريدة – منير الربيع
Comments are closed.