بالصور: عبد الساتر في قداس 4 آب من مستشفى الجعيتاوي: الوقت اليوم للتغيير لا بالغضب والعنف بل بخيارات صحيحة
أحيا المستشفى اللبناني الجعيتاوي الجامعي، ذكرى الرابع من آب، خلال قداس ترأسه رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس عبدالساتر، في كنيسة المستشفى، في حضور الرئيسة العامة لجمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات الأخت ماري أنطوانيت سعاده، مديري المستشفى الأخت هاديا أبي شبلي والبروفسور بيار يارد وعدد من الآباء والراهبات والأطباء والممرضات والممرضين والعاملين في المستشفى.
في بداية القداس، ألقت شبلي كلمة قالت فيها: “هذا الصباح نفيىء إلى نبض الصلاة ودفء الخشوع، في حضرة الألم والحزن ونحن على مسافة ساعات معدودة من ذكرى مروعة فاق فيها الوجع أوجاع المسكونة بأسرها، هنا في بيروت العصية على الموت، صمت آذاننا مطارق الهمجية السوداء تفتك بأجساد طرية، تدمر عيالا سعت طول العمر لبناء مأوى تعيش فيه بكرامة، تشرع هدر الدماء البريئة، تحطم معالم الحضارات، تزيل المتاحف، تهجر الأعراق، تحرق بيوت الله، تلغي أبجديات التواصل بين لبنان الأزلي وهذا المتوسط الأبيض الذي دشنته سواعدنا منذ الآلاف السنين، يحدونا هاجس ارتقائنا إلى إنسانية أشمل وأسمى”.
أضافت: “هنا فوق هذا المكان كانت العناية الإلهية على موعد مع كل فرد منا لتنتشلنا من وهدة الموت وتعبر بنا إلى شاطئ النجاة، فلله الحمد والشكر من كل شفة ولسان. وتعود بنا الذاكرة إلى ذلك الرابع من آب والدمار يلفنا من كل حدب وصوب، ولكن قدر وقرار هذه المؤسسة أن تستمر برسالتها الإنسانية في هذه المدينة الخالدة، وهذا ما تحقق بفضل الأيادي الخيرة والأكف المعطاء، وها نحن اليوم نجتمع معا” لنرفع الصلاة لراحة أنفس ضحايانا، ولشفاء جرحانا وعضد المعوقين ونصرة المظلومين وإحقاق الحق في هذا الوطن الجريح.”
وختمت: “قدر وقرار لبناننا أن يبقى وطن الرسالة في هذا المشرق والعالم وأن يبقى شعلة الحرية والسلام وسطع نوره الفصحي مستمد من تعاليم إلهنا المتأنس، إله الإيمان والرجاء والمحبة”.
العظة
بعد الإنجيل المقدس، ألقى عبدالساتر عظة قال فيها: “المجد لله الآب مصدر كل محبة وحياة وتعزية، المجد لله الإبن الذي انتصر على الموت والذي يعطينا كل يوم الحياة التي لا تنتهي، المجد لله الروح الذي ينفخ فينا كل يوم المحبة والغفران والتسامح والتعاون والأخوة والتضامن كما روح الحق والجرأة في عدم السكوت عن الظلم والشر. أشكركم جميعا، إداريين ومسؤولين وطاقم طبي وتمريضي وموظفين، على كل ما قمتم وتقومون به وعلى كل تعبكم وجهدكم، ولاسيما منذ عام في الرابع من آب”.
أضاف: “نحتفل بالقداس في هذا الصباح لأننا لا نعتبر أن الرابع من آب هو يوم موت، بل هو يوم الانتصار على الموت وعلى الشر مع يسوع المسيح. صحيح أننا فقدنا أشخاصا نحبهم، وأن بيننا من لا يزال يتألم جسديا، ولكننا في هذا القداس نقول لمن يريد أن يميتنا أننا لا نموت مع يسوع المسيح، لأننا نؤمن أن الموت جسر عبور نحو الحياة في قلب الله. نريد الحقيقة والعدالة بشكل أساسي وان يحمل كل متورط في هذا الجرم الكبير مسؤوليته، ولكن علينا نحن المؤمنين أن نغلب الشر بالخير والمحبة كما فعلتم أنتم حين طببتم الجرحى والمصابين، وإذا أردنا أن نكمل مسار الانتصار على الشر فعلينا اليوم أيضا أن نتحلى بالمحبة وبالتوبة، وأن نسامح من لا يمكن أن نسامحه. فلنلغ اليأس من حياتنا، فلنقف ونتغلب على الشر مهما اعتقدنا أنه مستفحل في بلدنا. اليوم هو الوقت الذي نغير فيه الأمور، ليس بالغضب والعنف والشغب، بل عندما نبدأ بتغيير أنفسنا وعندما نقوم بخيارات صحيحة في الاستحقاقات المستقبلية”.
وختم بكلمات الإنجيل حين قال لنا ربنا: “لا تخافوا أنا معكم. هذا إيماننا وتاريخنا وقدوتنا يوميا في خطواتنا لنغلب الشر بالخير.”
سعاده
بعد القداس، كانت كلمة لسعاده قالت فيها: “يقول القديس يوحنا في سفر الرؤيا: ورأيت السماء مفتوحة، وإذا فرس أبيض يدعى فارسه الأمين الصادق، وبالعدل يقضي ويحارب . وكانت تتبعه على خيل بيض جيوش السماء لابسة كتانا ناعما أبيض خالصا (رؤيا 19: 11 و 14)”.
أضافت: “المسيح قام! ونحن شهود على قيامته! بيروت شاهدة على قيامته! وأنتم شهود على قوة قيامته العاملة في كل إنسان صالح الإرادة. في الرابع من آب الماضي، كان الموت يخيم على كل زاوية من زوايا العاصمة ولبنان. وكنت في طريقي من الدير الأم في عبرين البترون إلى بيروت لا أرى أمامي ولا أسمع إلا أخبار الدمار والضحايا والغيمة السوداء جاثمة على صدري كما على صدر كل لبناني في لبنان والعالم. وكنت كلما اقتربت من بيروت، وسرت على حطام الزجاج المتراكم على طرقاتها، تزداد الصورة سوادا في ذهني. كانت السماء مفتوحة لا لتمطر بركات وعجائب فقط، وما أكثرها في هذا اليوم، بل لتستقبل أرواح أخوات لنا وإخوة أبرياء مسالمين مرتاحين إلى أعمالهم وعائلاتهم. كنت أمام مشهد من مشاهد نهايات الأزمنة كما في الأفلام والقصص الخرافية. كان كل شيء أسود إلى حين وصلت إلى باحات المستشفى اللبناني الجعيتاوي. هنا، كما في سفر الرؤيا، كانت ملائكة الرحمة بلباسها الأبيض، “جيوش السماء لابسة كتانا ناعما أبيض خالصا”، تعمل فوق ركام المستشفى، على استقبال الجرحى وتقديم الإسعافات وإجراء العمليات الاضطرارية”.
وتابعت: “نعم، رأيتكم أنتم أخواتي الراهبات الممرضات في المستشفى، ورأيتكم أيها الأطباء، ورأيتكم ممرضات وممرضين ومسعفين، تداوون جراح أهالي بيروت بأيديكم المتجرحة وبأجسادكم المصابة هي أيضا بشظايا الانفجار وبذعر الفاجعة. من أين أتيتم بكل هذا الحب؟ ومن أين استمديتم كل هذه القوة؟ أصلا، كيف وصلتم بدقائق من بيوتكم لتساندوا رفاقكم الذي كانوا في المستشفى؟ أليست هذه قوة القيامة والإيمان بالله وبالإنسان؟ أليست هذه أسمى تعابير الانتماء إلى هذه المؤسسة الإنسانية، المؤسسة العائلة التي تنتمون إليها؟ وتعابير الانتماء للبنان، لبنان الحقيقي الذي نحب ونحمي ونصون لا بمظاهر الموت والسلاح المدمر، بل بتعابير الحياة التي تشفي وترفق وتعمر. فلكم أولا بعد الله الشكر على محبتكم ومهنيتكم العالية. الشكر للرب الذي ظلل مستشفانا وكل من فيه بيد عنايته، فلم يفقد في هذا الحادث المأساوي أيا من مرضاه ومن موظفيه والعاملين فيه: يسقط عن جانبك ألف وعن يمينك عشرة آلاف ولا شيء يصيبك، يقول صاحب المزامير. الشكر لمئات بل لآلاف المتطوعين – منهم من نعرف أسماءهم ومنهم من لا نعرف عنهم إلا أنهم أصحاب القلوب الكبيرة الشابة السخية – الذين لم يتركونا لأيام وساعدونا على رفع الركام عن المستشفى”.
وقالت: “الشكر لأصدقاء الجمعية والمستشفى ولبنان في الداخل والخارج الذي هبوا لنجدتنا معنويا وماديا. بفضلهم استعاد المستشفى رسالته بأسابيع قليلة، وها إن مهمة إعادة إعماره قد شارفت على نهايتها بعد مرور عام. الشكر للكنيسة الجامعة بشخص قداسة البابا أولا الذي أوفد أمين سر حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين لتفقد المستشفى، ولغبطة البطريرك مار بشاره بطرس الراعي، ولكم يا صاحب السيادة المطران بولس عبد الساتر، راعي أبرشية بيروت الجريحة الذي ما أهملتم لحظة الاطمئنان عنا والوقوف إلى جانبنا”.
أضافت: “خلال سنة تتالت فيها التحديات وتفاقمت، من الانفجار الكبير إلى تجهيز طوابق عدة لاستقبال مرضى الكورونا، إلى الأزمة الاقتصادية الحادة التي تصيب لبنان، والانهيار المالي الكبير، وفيما كل واحد منكم أيها الأطباء والممرضات والممرضين والموظفين منكب بحب كبير على تتميم رسالته، كنتما أختي هاديا أبي شبلي وأخي الدكتور بيار يارد، حارسين أمينين تسهران بأمانة وصلابة على الوديعة. نذكركما اليوم أمام مذبح الرب. إن المسؤولية الموكلة إليكما جسيمة بالفعل، خصوصا في هذه الظروف، ولكنكما برهنتما عن إيمان كبير وثقة بالله ومهنية واحترافية مثاليتين، مكنتكما أن تخططا وتديرا أمور الأرض بالاتكال على مدبر كل شيء، وشعاركما قول الأب المؤسس البطريرك الحويك: الله يدبر”.
وختمت: “اخوتي أخواتي جميعا في المستشفى اللبناني الجعيتاوي، بإمكانكم أن تتكلوا على صلاة كل راهبة من راهبات العائلة المقدسة ومحبتها وتقديرها لما أنتم عليه ولما تقومون به، وعلى شفاعة المكرم البطريرك الياس الحويك. رغم الجرح الكبير الذي ما زال يوجعنا ويوجع كل لبناني، إلا أنكم مصدر عزاء لنا ومصدر إلهام وقوة للبنان وللكنيسة الشاهدة على قوة قيامة يسوع. مرة أخرى، نشهد، بقولنا والعمل: المسيح قام، حقا قام”.
Comments are closed.