المغتربون اللبنانيون.. هل دقت ساعة العودة؟
حين غنت فيروز قبل عقود خمسة «حبة من ترابك بكنوز الدني»، لامست بالتأكيد علاقة كل لبناني بوطنه وحتى علاقة مطلق إنسان ببلده الأم.
وعلى رغم التسليم بهذه الحقيقة، عرف لبنان على مر السنوات فصولا عدة من الهجرة، إما بدافع الهرب من أتون الحرب وإما بدافع البحث عن أفق معيشي أفضل. وفي جميع الأحوال لم تنقطع يوما أواصر المغتربين اللبنانيين بوطن الأرز، وقيل عنهم دوما إنهم أحد جناحيه، وإنهم «وقت الضيق» يشحذون الهمم لعون الوطن.
ولأنه بعد الضيق الفرج وما من شدة تدوم، بدأ لبنان منذ إنهاء الشغور الرئاسي وبلوج فجر التغيير السياسي فيه، ينادي أبناءه المغتربين ليعودوا إلى حضنه ويشاركوا في إعادة بنائه، ليكتمل بذلك نهوض الوطن وتعافيه.
فهل عودة المغتربين إلى لبنان قد دقت ساعتها، وهل حرك العهد الجديد الأمل فيهم، وهل يكون جوابهم على أغنية وديع الصافي الشهيرة «يا مهاجرين ارجعوا» هو «جايين»؟
كريستيان أبي نادر (50 سنة) وهي أم لشابين وتعيش منذ أكثر من سبع سنوات في مونتريال في كندا قالت لـ «الأنباء»: «مين ما بدو يرجع ع لبنان؟ مين مبسوط بالغربة؟ مين؟ تغربنا وعرفنا قساوة الغربة ومش مبسوطين، قاعدين بحرارة 22 تحت الصفر بدلا من أن نكون في لبنان وسط أهلنا وفي محيطنا وبيئتنا.. اليوم قبل الغد نعود إذا كانت هناك فرص عمل لنا ولأولادنا، ولبنان أولى من أن يستفيد من شطارتهم وطاقتهم كشباب».
وتربط فوزية لبان (52 سنة)، وهي أم لولدين في العشرينيات، عودتها من أميركا إلى لبنان بشرط واحد هو «إعادة بناء القطاع المصرفي لكونها تعمل في هذا القطاع. وفي حال تعافيه، فإنها لن تفكر مرتين في العودة والبحث عن عمل لها في أحد المصارف».
أما سابين فضول (46 سنة)، التي مضى على غربتها في كندا مع زوجها وولديها نحو 13 سنة، فروت أنه «كان يفترض بهم حين غادروا لبنان أن يمكثوا 3 سنوات ليحصلوا على جواز السفر الكندي قبل العودة، فإذا بروتين الحياة يسرقهم ويبقيهم هناك، لكنها وزوجها لم ينزعا يوما فكرة العودة إلى لبنان «يللي بموتوا فيه»، وقالت إن «عودتهم تتوقف على قرار يتخذونه لاسيما أن ولديهما كبرا وبات يصعب عليهما التأقلم من جديد مع الحياة في لبنان بالرغم من عشقهما له».
وتابعت سابين «لا شيء في الغربة يعوض فراغ العائلة، بالنسبة إلى أعيش في صراع دائم باعتبار أن والداي يتقدمان في العمر وأنا بعيدة عنهما، وأسأل نفسي ما إذا كنت أضيع فرصة وجودي بالقرب منهما في آخر مراحل حياتهما».
أما المغترب اللبناني فاضل غانم الذي بدأ غربته في السعودية قبل أن يصل كندا في العام 1999 وينتقل من مونتريال إلى أوتاوا قبل أن يستقر مع زوجته جورجينا وولديه في تورنتو، فاستهل حديثه بأغنية «نسم علينا الهوا» لفيروز وعبارة «فزعانة يا قلبي إكبر بهالغربة وما تعرفني بلادي»، وهو قال والغصة في صوته إنه «حاول لمرات ثلاث العودة جديا مع عائلته إلى لبنان، أولها في العام 2005 فاغتيل الرئيس رفيق الحريري، وفي العام 2006 اندلعت الحرب، فيما حال القدر في العام 2009 دون تحقيق حلم العودة»، وأضاف «مرت الأيام وكبر الأولاد ودخلوا الجامعات و«علقنا بالغربة»، ثم أتت أزمة كورونا فانفجار مرفأ بيروت.. لبنان الوطن الذي نعشق، بيت الأهل، الأصدقاء، كل ذلك هو الرئة التي نتنفس من خلالها حلم العودة.
ومشروعي المقبل مع زوجتي هو التأسيس لمرحلة التقاعد في لبنان والاستمتاع بها، فنبني بيتا يشبهنا يكون مفتوحا للأصدقاء، أما الأولاد فلا أدري أين سيكونون وكما قال جبران: اولادكم ليسوا لكم.. أولاد أولاد الحياة».
وبحسب فاضل فإن «أكثر من عامل يقف وراء عودة أي مغترب إلى لبنان، منها الرغبة بالعودة والوضع المادي والأولاد وأيضا الصحة والعمر لأن من تغرب صغيرا، تكون حظوظ عودته إلى لبنان أقل»، وختم بقوله «قلبي دوما في لبنان وهو يلازم عقلي وقلبي أينما ذهبت».
في المقابل، قالت سوزانا ملكون (25 سنة)، وهي شابة مغتربة تخصصت في الخارج وتعيش حاليا بمفردها في فرانكفورت بالمانيا وتعمل فيها، إنه «من المبكر بعض الشيء أن تفكر في العودة إلى لبنان، خصوصا أنها بنت حياة في بلدان أخرى وضحت بالكثير تاركة عائلة وأصدقاء، كما تعلمت لغة جديدة وتكيفت مع ثقافة أخرى»، وتابعت «طبعا أود أن أعيش في الوطن لأسباب عدة: الأسرة والثقافة والطعام والطقس، ولكن إلى أن يتمكن لبنان من تقديم ما تقدمه البلدان الأخرى، والى أن نتأكد أن حياتنا مضمونة على المدى البعيد، حينها سأفكر بالعودة.
وأعتقد أن العهد الجديد والحكومة يحتاجان إلى إثبات نفسيها، وبعد ذلك سنكون سعداء بالعودة والمساهمة في إحياء البلد الذي نحبه كثيرا».
يعيش المغتربون اللبنانيون على أمل موعد بأرض لبنان، وفي السر كما في العلن، واليوم أكثر من الأمس، يرددون مع فيروز «سنرجع يوما».
الانباء ـ بولين فاضل
Comments are closed.