الانفجار الأمني المقبل لبناني – سوري
ستة أشهر انقضت على إعلان المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم وصول عدد النازحين السوريين في لبنان الى مليونين و٨٠ ألف نازح، وفق الإحصاءات لدى المديرية، لم تتحرك السلطات اللبنانية بجدّية ومسؤولية للتعامل مع هذا الرقم الكبير والخطير على النسيج الاجتماعي اللبناني من جهة، وعلى البنية الاقتصادية والتحتية للبلاد من جهة أخرى. والأخطار على الجانبين تتوازى في الحجم والأهمية. لم يتوقف الرقم عند هذا المستوى بعد مرور نصف عام على تلك الإحصاءات، بل زاد ولم ينقص نظراً الى أن نسبة الولادات السورية هي أكبر من نسبة العائدين الى سوريا.
هذه الأرقام شكلت سبباً رئيسياً لتقدّم هذا الموضوع على ما عداه من ملفات ساخنة وشائكة احتلت واجهة الاهتمامات السياسية والشعبية منذ انتهاء الولاية الرئاسية ودخول البلاد في مرحلة الشغور وتعطل انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وحسب “النهار” المعطيات الخيالية والخطيرة لنموّ النازحين في لبنان ليست وحدها السبب، كما هو ظاهر في التعاطي السياسي والإعلامي، بل ثمة من يدفع بهذا الملف نحو الضوء بحيثيات غير بريئة وغير بعيدة عن المناخ المتغيّر في المنطقة بفعل الانفتاح العربي على سوريا والتقارب السعودي الإيراني، حيث يشكل ملف النزوح أحد البنود التي انتهت إليها توصيات الاجتماع الأخير لدول مجلس التعاون الخليجي. من هنا يصبح السؤال مبرّراً عن الأسباب التي تقف وراء تحريك الملف، وما إن كان لها ارتباط فعلاً بالتسوية المقبلة على المنطقة.
من الواضح أن ملف اللاجئين، مع وصول الأعداد الى ما يقرب من ٤٠ في المئة من عدد سكان لبنان، وهو الى تزايد وسط التوقعات بأن يتجاوز النصف في السنتين المقبلتين، بات يشكل قنبلة موقوتة تهدّد الاستقرار الأمني والنسيج المجتمعي في لبنان. وليس مستبعداً أن يأتي انفجاره على خلفية اجتماعية-سياسية بفعل الاحتقان المتنامي بين السوريين والمجتمعات المضيفة، ولا سيما في القرى والبلدات اللبنانية.
بدأت بذور الحقن الطائفي والسياسي تتصاعد وتتفاعل وأبرز نتائجها الأحداث والجرائم التي تسجل يومياً بوتيرة متنامية رغم محاولات تطنيشها من جانب السلطات الرسمية، تخوّفاً من خروجها عن السيطرة إذا زادت حدة الاحتقان.
التجييش المفتعل يتكشف أكثر من خلال حملات استهداف للسوريين بدأت تخرج عن أطر التخاطب اللائق، فيما تعمد بعض الجهات إلى توزيع مقاطع مصوّرة لأحداث حصلت قبل أشهر وذلك بهدف إبقاء الموضوع مشتعلاً ولا سيما على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث بدأت فعلاً وعملياً المواجهة هناك. والخشية باتت كبيرة جداً من أن تتطوّر لتنتقل الى الساحات. هذه الخشية عبّر عنها مصدر وزاري مطلع، مبدياً تخوفه من أن تنزلق الأمور الى ما لا تُحمد عقباه، واصفاً ما يخشاه بالحرب الدموية التي عندما تبدأ، لن يعود في الإمكان وقفها.
ولا يخفي المصدر قلقه من أن تكون إثارة النعرات والأحداث الأمنية مبرمجة بهدف الوصول الى إشعال فتيل الفتنة.
هذه المخاوف تلاقت أيضاً مع تلك العائدة لرئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميّل والتي عبّر عنها عقب لقائه أمس مع ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة يوانا فرونتسكا، إذ كشف أنه عبّر عن هواجسه وملاحظاته على طريقة تعاطي المجتمع الدولي مع لبنان في ما يتعلق بهذا الملف، كاشفاً عن أن لبنان لم يعد يحتمل بعدما أصبح ثالث بلد مكتظ في العالم من دون بنى تحتية، داعياً الى ضرورة تغيير طريقة تعاطي المجتمع الدولي مع هذه المسألة. ولم يغفل الجميّل التشديد على أن لا مصلحة للبنان في الصدام، في بلد مدمّر أساساً.
والواقع أن الاهتمام الدولي بهذا الملف لا يزال من باب الحفاظ على بقاء السوريين في لبنان وتأمين كل مستلزمات الانخراط في المجتمع اللبناني لضمان عدم هجرتهم الى دول أوروبا. ويلاحظ أن عدداً من السفراء الأوروبيين، ومسؤولين في الأمم المتحدة، يتابعون عن كثب المقاربة اللبنانية لملف اللجوء، مع التأكيد الدائم لدى هؤلاء على ثبات دولهم على المقاربة عينها بتأمين انخراط السوريين في المجتمع اللبناني. ولهذا الأمر مكاسبه على مختلف الجبهات باستثناء الشعب اللبناني.
فعلى المقلب السوري، ليس لنظام بشار الأسد مصلحة أبداً في الدفع نحو عودة هؤلاء الى بلادهم، نظراً الى المردود المالي المرتفع من النقد النادر الذي يوفرونه. ويقدّر المصدر الوزاري هذا الرقم بـ٣٠ مليون دولار شهرياً، فيما النازحون يؤثرون البقاء في لبنان هرباً من خدمة التجنيد الإجباري أو الحاجة الى الانخراط في الحرب، إضافة الى أن مستوى المعيشة في لبنان يفوق بأضعاف المستوى في سوريا، بسبب المساعدات المادية التي تتوافر لهم من المنظمات الأممية في شكل ثابت.
أما على المقلب الأوروبي، فإن هاجس الهجرة يبقى الشاغل الأول لدول الاتحاد، ويدفعها نحو التمسّك بالبقاء على خيار الانخراط من دون الأخذ في الاعتبار أن مسألة الهجرة من لبنان ستتحوّل أمراً واقعاً بعد وقت وجيز في ظل تردّي الاوضاع في البلاد وعدم توافر فرص متساوية في العمل والطبابة والاستشفاء والتعليم.
ثمة في الوسط السياسي من يؤمن بمنافع الانخراط لجهة التغيير الديموغرافي الذي يفرضه مع وجود مليوني شخص من الطائفة السنية، خصوصاً في ظل الكلام عن التوجّه نحو تعديل النظام السياسي والذهاب نحو خيار المثالثة.
أمام هذه الصورة، لا تزال المعالجات الرسمية على مستوى الدولة ومؤسساتها وأجهزتها المعنية دون المستوى المطلوب في وجه أزمة بهذا الحجم.
فرغم القرارات العديدة المتخذة إن على صعيد القيود على العمالة وتنظيمها أو على صعيد الترحيل ضمن مبدأ العودة الآمنة، فإن الإجراءات المتخذة لا تزال خجولة ولا ترتقي الى تحقيق الهدف منها.
أما إعطاء الصلاحيات للبلديات لتنظيم هذا الأمر، فإن الاستنسابية الحاصلة في تحديد الإجراءات وتنظيمها تهدّد بخطر تفلت الأمور وخروجها عن السيطرة، ما يستدعي فعلاً الحاجة القصوى الى تحرّك عاجل في هذا الشأن.
ويأتي في هذا السياق الاجتماع الذي دعا إليه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، حيث كشف وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار عن توجّه لإصدار قرارات تنظيمية تتعلق بالثغرات في الملف، معلناً عزمه على اقتراح استكمال عودة اللاجئين التي بدأت مع الرئيس الأسبق ميشال عون واللواء عباس إبراهيم.
وفي رأيه، لا خلاص لهذا الملف ومقاربته من قبل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين من دون التعاون الصريح مع المعنيين، وذلك في إشارة الى غياب التنسيق وقاعدة المعلومات التي تملكها المفوضية عن الجهات الرسمية اللبنانية.
فهل يكون اجتماع السرايا اليوم بمثابة خطوة أولى نحو تحريك الملف بحيث تتبيّن فعلاً جدية التوصيات العربية في هذا الشأن على مسافة قصيرة من انعقاد القمة العربية في الرياض، أم هو خطوة جديدة ضمن الخطوات التقليدية التي لا تقدّم ولا تؤخر في التنامي الهائل للسوريين في لبنان؟
للتذكير، وعشية إطلاق المرشح سليمان فرنجية برنامجه اليوم، ثمة التزام سيعلنه في هذا الموضوع، استناداً الى العلاقة التي تربطه بالأسد، علماً بأن التنفيذ يحتاج الى أكثر من وعود بالالتزام.
Comments are closed.