رغبة فرنسية دفعتْ نـصـر الله للمجاهرة بدعْم فرنجية للرئاسة
السفيرة الفرنسية تمنّت على بري سماع تبنّي «حزب الله» لترشيح فرنجية بـ «الصوت والصورة»
– باريس طرحت مقايضة فرنجية للرئاسة ونواف سلام للحكومة
– مقايضة فرنجية و سلام «مرّت» لدى الثنائي الشيعي و… هؤلاء «كمنوا» لها
– هذا ما عَرَضه بري على باسيل في «لقائهما السري»
– باسيل خارج أي deal رئاسي لـ «حزب الله» مع الآخَرين
– تلويح المعارضة بتعطيل نصاب فرنجية… سلاح شبه استراتيجي
لم يكن جفَّ حِبْرُ الكلامِ عن الإتفاق السعودي – الإيراني برعايةٍ صينية حتى اتجهتْ الأنظارُ سريعاً إلى ساحاتِ المنطقة وبينها لبنان، وسط تقديراتٍ متفاوتةٍ لحجم الوهج الناجم عن تطورٍ بهذا البُعد، والذي من شأنه أن يَلْفح «بلاد الأرز».
ورغم القراءاتِ السريعة، أو المتسرّعة، لمغزى الاتفاق السعودي – الإيراني وتأثيراته في مجرى الأحداث في المنطقة، فإن كلام وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان حول لبنان بدا الأكثر واقعية في تَناوُل «مفتاح» الخروج من المأزق التاريخي الذي تعانيه بيروت مع تكاتف أزماتٍ غير مسبوقة في المال والاقتصاد والسياسة والاجتماع وتَحَوُّل الاستحقاق الرئاسي «المؤجَّل» رأسَ جبل الأزمات الهائلة، خصوصاً مع تقديراتٍ تشي بأن الوطنَ الصغير على موعد مع شغور مديد في رأس السلطة الأمر الذي ينعكس شللاً متمادياً لمؤسسات الحكم وللقطاعات الحيوية في البلاد.
فرئيس الديبلوماسية السعودية وبكلامه عن «أن لبنان يحتاج إلى تَقارُب لبناني – لبناني لا إلى تقارب سعودي – إيراني، وعلى ساسته أن يقدّموا مصلحةَ وطنهم على أي مصلحةٍ أخرى، وبمجرد اتخاذ هذا القرار والعمل على بناء الدولة في لبنان، فسيزدهر البلد بالتأكيد وستكون الرياض إلى جانبهم»، رسّم في شكل واضح حدودَ التفاهمات مع طهران معيداً وبسرعةٍ مختلف الأطراف اللبنانيين إلى «أرض الواقع» لا سيما الذين أفرطوا في رهاناتٍ على أن هذا الاختراق الديبلوماسي سيحمل «ترياقاً» خارجياً للأزمة الرئاسية وأخواتها من خارج معادلة «ساعِدوا أنفسكم لنساعدكم» التي يكررها المجتمعان العربي والدولي.
وفيما التحرياتُ على أشدّها في بيروت لأبعاد «اتفاق بكين» وسط مواقف مرحّبة، يضع رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية اللمساتِ الأخيرة على رؤيته لـ «الجمهورية» لإعلانها في مؤتمر صحافي يعقده الأسبوع الطالع، مخصص لتلاوة «بيان رسمي» بترشحه للرئاسة غداة التطور البارز في مسار الاستحقاق المعلَّق منذ نحو خمسة أشهر، والذي شكّلتْه مجاهرة «الثنائي الشيعي»، رئيس البرلمان نبيه بري والأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله بدعم فرنجية في السِباق المفتوح نحو قصر بعبدا.
وعشية إعلان فرنجية الانخراط في المعركة كمرشّح ثابت وعلى نحو رسمي، تنتقل العدسةُ إلى مجموعةٍ من العناوين التي ترتبط بمواقف داخلية وخارجية وبلوحةِ التحالفات المتحرّكة بين اللاعبين المحليين وملامح «كلمات سرٍّ» للعواصم ذات الصلة بلبنان واستحقاقاته، وبما انطوت عليه المداولات خلف الستائر المقفلة من قطب مخفية وما احتوتْه الحقائب الديبلوماسية من أسرار لم تَعُدْ سِراً.
ولعل المفارقة الأهمّ التي شكلت تطوراً يُعتد به في الملف الرئاسي الذي عانى ركوداً على مدى أسابيع، لم تكن تأكيدَ المؤكد في اندفاعةِ بري باتجاه الدعم العلني لفرنجية وما أحدثتْه من جلَبة سياسية بسبب فتْح رئيس البرلمان النارَ في اتجاه الآخَرين، بل جاءت عبر الشاشة وعلى نحو غير متوقَّع حين أطلّ نصرالله معلناً «تبنّي» فرنجية والأسباب الموجبة لدعْمه، الأمر الذي أطلق أسئلةً عن مغزى قرار «حزب الله» وتوقيت مغادرته المداراة والمواربة وانتقاله إلى الكلام المباح.
أوساط واسعة الاطلاع في بيروت كشفت لـ «الراي» أن إعلان «حزب الله» الرسمي عن دعْم فرنجية جاء ربْطاً بطلبٍ من بري بناءً على رغبة السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو في سماعِ تبنّي الحزب لترشيح فرنجية بـ «الصوت والصورة» رغم إدراكها هذا التوجّه وهي التي تُكْثِرُ من زيارة معقل «حزب الله» في الضاحية الجنوبية ولقاء مسؤولين فيه.
ورأت هذه الأوساط أن الحرصَ الفرنسي على «تدوين» موقفٍ رسمي من «حزب الله» بدعْم ترشيح فرنجية ربما يعود إلى المعادلة التي سعت غريو إلى التسويق لها والقائمة على المقايضة بين موقعيْ رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة عبر مداولاتٍ أطلقتْها وجرى تسريبهُا وفيها اقتراح سليمان فرنجية للجمهورية ونواف سلام للحكومة، وهي المعادلة التي كانت موضع عنايةٍ لدى «الثنائي الشيعي» الذي لم يمانعها رغم موقفٍ سابق لـ «حزب الله» يرى في نواف سلام «فؤاد سنيورة آخَر».
وإذا كانت معادلة غريو مرّت بسلامٍ في عين التينة (مقر بري) وحارة حريك (معقل نصرالله) فإنها قوبلتْ بأبواب موصَدة في دوائر قوى سياسية أخرى تجتمع على رفْضٍ حاسمٍ لانتخاب فرنجية رغم خلافاتها الحادة حيال المسائل الأخرى.
فـ «التيار الوطني الحر» برئاسة جبران باسيل يكاد أن يفترق عن «حزب الله» ويعرّض تَحالُفهما للاندثار بسبب الموقف من فرنجية، الذي تخوض المعارضة، وتتقدمها «القوات اللبنانية» برئاسة سمير جعجع، معركةً شرسةً لإحباط أي محاولةٍ لانتخابه.
وأكدت مصادر موثوقة الروايةَ التي تحدّثت عن أن نصرالله لم يشأ استقبال باسيل الذي طلب موعداً للقاء الأمين العام لـ «حزب الله» لمناقشة لائحة بأسماء مرشَّحة للرئاسة.
فرئيس وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا اعتذر عن عدم تحديد موعد لباسيل حين أدرك أن اللائحة التي في جعبته أَسقطتْ اسمَ المرشحِ الفعلي للحزب سليمان فرنجية (ومن الأسماء التي تضمّنتْها جهاد أزعور وبيار الضاهر)، في تطوّرٍ عَكَسَ حالَ الافتراق بين الطرفين والانهيار الفعلي لتحالفهما الذي أصبح في حال موتٍ سريري وأكثر.
ولم تُخْفِ تلك المصادر اعتقادَها أن باسيل أصبح في مكانٍ آخَر بعدما رَفَضَ كل العروض التي قُدمت له لقاء إمرار فرنجية إلى الرئاسة، ومن بينها رعاية «حزب الله» تفاهماً بين الرجلين والتعهّد بضمان تطبيقه، أو ما دار في «اللقاء السري» بين بري وباسيل حين أسرّ الأول باستعداد «الثنائي الشيعي» لتبنّي ترشيح باسيل بعد رئاسة فرنجية عبر وعْدٍ ممهورٍ بتوقيع نصرالله الذي وفى، حين عطّل الاستحقاق لعامين ونصف عام، بوعده بإيصال الزعيم التاريخي لـ «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون إلى الرئاسة وهو ما حصل في 2016.
وتُفْشي المصادر نفسها معلومات عن أن عرْض بري لباسيل تضمّن أيضاً أن تكون له حصة الأسد من الوزراء المسيحيين في حكومة ما بعد الانتخابات الرئاسية (ثلثا الوزراء المسيحيين)، وأن ينتدب شخصية يختارها وتواكب من القصر الجمهوري مسارَ الإصلاحات التي يعتبرها «التيار الحر» من أولويات معركته لبناء الدولة.
وتجزم المصادر ذات الصدقية العالية بأن «حزب الله» الذي ضاقَ ذرعاً بمعارضة رئيس «التيار الحر» لخياره الرئاسي بعد رفْد الحزب «التجربةَ العونية» بمقوياتٍ جعلتْها تدير البلادَ على مدى ستة أعوام، يعتزم استبعاد باسيل عن أي DEAL مع الآخَرين يتناول المرحلةَ المقبلة، رئاسةً وحكومةً وإدارةً، الأمر الذي من شأنه تعميق جروحه وسط العزلةِ التي يعانيها في أعقاب تجربته في الحُكْم.
والكلام عن الـ DEAL في الملف الرئاسي في بيروت ينطوي على مقارباتٍ عدة عَصَبُها الأساسي موقفُ «الثنائي الشيعي» الذي أشارتْ المعلوماتُ إلى موافقته على المقايضةِ التي تُرَوِّجُ لها السفيرة الفرنسية بين الرئاسة لفرنجية والحكومة لنواف سلام، وهي المعادلةُ التي قوبلت برفْض من الآخَرين، أي من المعارضة بتلاوينها المختلفة كما من «التيار الحر».
وثمة مَن يعتقد في بيروت أن «المقايضةَ الفرنسية» جاءتْ من خارج السياق الإقليمي – الدولي الذي ينأى عن الدخول في «لعبة الأسماء» ويريد رئيساً يَجْمَع اللبنانيين ويُعْلي عدم تورّط أي مرشحٍ في فساد سياسي ومالي، الأمر الذي ينزع أي غطاء خارجي عن المرشّح المدعوم من «حزب الله» والرئيس بري، أي فرنجية كونه خيار فريقٍ بعينه من دون الآخَرين، خصوصاً أن الأميركيين لم يمنحوا الفرنسيين تفويضاً حيال الشأن اللبناني رغم «قَبَّة الباط» التي تتيح لهم إطلاقَ مبادرات، وأن المحاولات لاستدراج المملكة العربية السعودية للتدخل ذهبتْ سدى في ضوء حرص الرياض على ترْك الأمر للبنانيين للإمساك بزمام أمورهم.
ومن هنا يدرك «الثنائي الشيعي» أن طريق فرنجية إلى قصر بعبدا غير معبَّدة ولا مفروشة بالورد، وتالياً فإن التبدّلَ شبه الإستراتيجي في موقف قوى المعارضة عبر رفْعها سلاحَ تعطيل النصاب لأي جلسةٍ للبرلمان قد تفتح الطريقَ أمام انتخاب فرنجية، كرّس توازناً سلبياً يَصعب كسره من دون تسويةٍ على اسم المرشح الرئاسي، وهو الأمر الذي يفسّر الإكثارَ من الدعوات إلى الحوار.
وتَبْدي أوساطٌ على درايةٍ بخيارات «حزب الله» اعتقاداً بأن الحزب سيخوض، «قلباً وقالباً» معركةَ إيصال فرنجية، لكنه لن يمضي إلى ما لا نهاية في الدفاع عن هذا الخيار على غرار ما كانت تجربته مع العماد ميشال عون التي استدعتْ تَعايُشاً طويل المدى مع الفراغ، وتالياً فإنه سيقوم بما عليه قبل الذهاب إلى تسويةٍ قد لا يكون هناك مفرّ منها في نهاية المطاف.
وكان لافتاً في هذا السياق كلام نصرالله (الجمعة) في معرض تكرار حيثيات تبنّي ترشيح فرنجية «المرشح الطبيعي الذي اتخذنا قراراً بدعمه»، مؤكداً «كل ما قمنا به هو عمل طبيعي وقانوني ودستوري ومنفتح، ولا أحد أتى لِيهدد أحداً ولا أحد وضع المسدس في رأس أحد، ولا أحد يُرعد ولا أحد يُزبد. ولذلك نقول تفضّلوا أن نَأخذ ونُعطي ونَرى ما الحلول وما الخيارات والمَخارج».
وعلى الموجة نفسها جاء كلام لبري أمس، في معرض ترحيبه بـ «الاتفاق التاريخي الذي أنجز بين السعودية وإيران»، إذ اعتبر أنه «انطلاقاً من وجوب القراءة الإيجابية لمشهد التقارب العربي – الإيراني وعودته الى طبيعته نجدّد الدعوة الصادقة والمخلصة لكل القوى والشخصيات السياسية والحزبية في لبنان الى وجوب المبادرة سريعاً للتلاقي على كلمة سواء نقارب فيها كل القضايا الخلافية وننجز استحقاقاتنا الدستورية وفي مقدمتها انتخاب رئيس للجمهورية بالتوافق والحوار، ولنا بما هو أمامنا اسوة حسنة، وكفى هدراً للوقت وتفويتاً للفرص فلنثبت للأشقاء والأصدقاء أننا بلغنا سن الرشد الوطني وسياديون بحق ونستحق لبنان».
الانباء – وسام أبوحرفوش وليندا عازار
Comments are closed.