إيكونوميست: الأزمات في لبنان تدفع عائلات لإرسال أطـفـالها إلى دور الأيتام ولا تملك المال لزيارتهم
نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا مطولا أعدته ويندل سيتفينسون، قالت فيه إن الآباء في لبنان يتركون أبناءهم في مراكز الأيتام، فالوضع صعب جدا نظرا لعدم قدرتهم على دفع أجرة الحافلة.
وبدأت الكاتبة بالحديث مع حسين قصار، الذي يعيش مع زوجته في بلدة صغيرة مكونة من 15 عائلة في شمال لبنان. وقال إن أهل القرية كانوا يعتبرونه غنيّ البلد، حيث بنى بيتاً وساعد والده وإخوته، و”لكنني أحتاج المساعدة اليوم”. ولدى قصّار ستة أولاد، أصغرهم كان عمره ستة أشهر عندما قابلته في تشرين الأول/ أكتوبر، وفي الأيام المريحة قبل الأزمة كان يحصل على 1500 دولار في الشهر من عمله بمطعم، واستطاع بناء بيت من ثلاث غرف. ولكنه عاطل عن العمل منذ عامين، وباع ثلاث سيارات و”تراكتور” كان يملكها إلى جانب اللابتوب وهاتفه النقال، واقترض مالا، وهو مدين الآن بـ5.000 دولار، واستطاع العثور في الصيف الماضي على عمل لقطف الفواكه بأربع دولارات في اليوم.
ولدى القرية مولّدها الكهربائي الخاص، إلا أن عائلة القصار لديها ما يكفي من الكهرباء لتشغيل التلفزيون وبعض اللمبات. وفي الشتاء، تعتمد على موقد يشتغل على الحطب، لكن الأخشاب باتت مكلفة. وينفق كل أسبوع ستة دولارات لشراء 15 برميل ماء. ونظرا لغلاء حليب البودرة، حيث بات سعر الواحدة 10 دولارات، فإن ابنه الصغير يعيش على الشاي والخبز. وأدى الفقر لتخريب العلاقات.
ويقول حسين: “قبل وصولنا كنا نتشاجر”. وتعلق زوجته أن الغرض هو التنفيس عن الضغط. وفي الماضي “كنت أتصل بعائلتي في المساء ولا شيء الآن يمكن عمله، ولهذا ننام. في الماضي أيضا، كان يزورونا الأصدقاء ولم يعد هذا ممكنا الآن. الأطفال دائموا الشكوى، وأقول لهم ستحصلون على ما يعطينا إياه الله”.
واكتشف حسين وزوجته عام 2021 أنهما غير قادرين على توفير أجرة الحافلة لإرسال أولادهم الأربعة للمدرسة. ولهذا قدما طلبا لإرسالهم إلى دار أيتام، ويقول: “كان قرارا صعبا” و”لكننا نختار بين ما هو سيئ وأسوأ”.
وتشير الكاتبة إلى التظاهرات التي اندلعت في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 احتجاجا على خطط الحكومة المفلسة، بفرض ضرائب على الأرجيلة وتطبيق واتساب، في محاولة لسد الثغرات بالميزانية. وكانت الحكومة تعتمد على خطط مصرفية تشبه ما وصفها البنك الدولي “خطة بونزي”، وعندما انهار القطاع المالي، وجد اللبنانيون أنهم لا يستطيعون سحب أموال من حساباتهم البنكية.
وأُغلق المطعم الذي كان يعمل فيه حسين، لمدة عامين، وظل مغلقا أثناء جائحة كوفيد-19، في وقت دخل اقتصاد لبنان حالة من التضخم العالي، وتخلّف عن دفع الديون. ودفع اللبنانيون العاديون الثمن، حيث انكمش الاقتصاد منذ عام 2018 بنسبة 60%. وتصنف الأمم المتحدة اليوم، نسبة 80% من اللبنانيين بأنهم يعانون من مستويات فقر متعددة، حيث يأخذ التصنيف فشل الدولة في توفير الحاجيات الأساسية.
وبحسب البنك الدولي، فالناتج المحلي العام للفرد في لبنان، انخفض من 7.700 دولار عام 2010، إلى 4.100 دولار في 2021. ولم تعد الدولة قادرة على العمل، ولا تستطيع توفير المياه الصحية والطاقة الكهربائية، وتعاني مستشفيات الدولة من نقص الأدوية والطواقم الطبية من أطباء وممرضين، والذين غادروا البلاد بأعداد كبيرة. وأنفق اللبنانيون ما لديهم من أموال وباعوا الأشياء الثمينة، ولا يستطيعون الآن الاعتماد على مساعدة العائلة والأصدقاء.
وكانت عائلة قصار محظوظة لتجد مكانا لأولادها في دار الأيتام الإسلامية في بلدة ببنين، وهي جزء من 50 مؤسسة تابعة للجمعية الخيرية في لبنان، التي تقدم التعليم للأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، إلا أن الكثير من البرامج الخاصة أُغلقت منذ بداية الأزمة. وفي صيف 2022، تلقت الدار طلبات أعلى من المعدل العادي، حوالي 1000 طلب لـ150 مكانا. ومعظم الأطفال سلمهم آباؤهم للدار لأنهم لم يستطيعوا الاعتناء بهم.
والدار تأخذ من أصحاب الحاجات وتركز على الأطفال الصغار. ويحتاج الأطفال وقتا للتكيف، فبعضهم يصل نحيفا وغير نظيف ويعاني من اليرقان أو علامات ضرب على جسده؛ لأن العنف المنزلي ضد الأطفال شائع في لبنان. وفي بعض الأحيان، يسأل طاقم الميتم، الأطفال إن كانوا يحبون البقاء في بيوتهم ومساعدتهم هناك أم الإقامة في الميتم، إلا أن الآباء يغضبون لمنح الأطفال قرارا كهذا. لكن ناهد المصري، المساعدة النفسية، تقول إن هذا الأمر ضروري “فهذا مكان وليس سجنا”.
ويشجع الأطفال على زيارة عائلاتهم وقضاء عطلة الشهرين معها، ولكن العائلات لا تملك أجرة الحافلة لأخذهم إلى البيت. وتقول المصري إن الأطفال “يبدأون بالتبول على أسرّتهم والبكاء وإيذاء أنفسهم والرد والعدوانية”، و”أصبحت هذه مشكلة كبيرة لنا”. وتحاول الدار الآن جمع الأموال لمساعدة العائلات على زيارة أطفالهم.
وتعتبر الأسابيع الأولى انتقالية، حيث تقدم لهم ملابس جديدة ووجبات ساخنة ربما تكون الأولى منذ شهور. وشيئا فشيئا، يرفع الأطفال رؤوسهم ويبدأون بالرد على الأسئلة، وأن أحدا لن يعنفهم أو يضربهم كما تقول المصري، و”بعد أسابيع قليلة، يبدأون باكتشاف هويتهم، ويخلقون حدودهم. وعندما يلعبون، يتوقفون عن الرد”. وبعد أشهر قليلة يرسمون ويضحكون ويتحدثون كأطفال عاديين.
والتقت الكاتبة مع فاطمة (ليس اسمها الحقيقي) والتي تعيش في الميتم منذ سنين، حيث عددت أسماء رفيقاتها بدون ذكر الأولاد، لأنهم يلعبون كرة القدم بضجيج. وتقول إن والدتها التي تعيش في خيمة للاجئين السوريين، تعاني من الدوخان، ولهذا تنقل للمستشفى كثيرا. وهي مصابة بالاكتئاب الهوسي، أو اضطراب ثنائي القطبية. وتقول فاطمة إنها لا تستطيع مساعدة أمها، و”أذهب للجيران كي يتصلوا بالطبيب”. وتحدثت عن والدتها التي تحبها والمرتبطة بها أكثر من والدها الذي لا تراه كثيرا.
وتقول مريم عيتاني، مديرة الدار، إن الأسعار زادت في كل شيء، الكهرباء والماء والبنوك والمرافق الصحية، وتقول” “قبل عشرة أيام، كانت هناك أزمة خبز”.
وكانت دار الأيتام الإسلامية تحصل على نصف ميزانيتها من الحكومة، ولكن لم تحصل على أي شيء منذ 3 أعوام، وتعتمد الآن بشكل كامل على المتبرعين، وهي في تناقص لأن الناس لديهم أولويات أخرى. وتقول إنها تستطيع توفير 30% من الميزانية لتشغيل الدار. وهي ليست وحيدة، فهناك 300 دار أيتام خاصة في لبنان، يعيش فيها 40 ألف طفل محتاج، وهي في نفس الوضع.
وقبل الأزمة، كان لدى عيتاني 85 موظفا، أما اليوم، فتقلص العدد إلى 58 موظفا، مع أن كل الأسرّة الـ254 مشغولة. وتوقفت عن برامج تدريس الصم والبكم. وفي الماضي كانت تنظم رحلات للأطفال إلى المتاحف والمكتبات والمتنزهات، أما الآن فلا. ويأكل الأطفال التفاح في الموسم فقط، وهي تخشى من تأثير برنامج الطعام على مزاجهم.
وقالت: “الشوكولاتة، الأفوكادو والدجاج والسمك تؤثر على المزاج، وتعمل على استقراره، خاصة عند الأطفال” ولكنها لا تستطيع توفيره.
وأشارت إلى حالة الشعور بعدم الأمان في المجتمع اللبناني، فلا أحد يخرج من بيته بعد حلول الظلام. و”هناك تغير كبير في الأخلاق”، فقد طلبت من السائق أخذها للدار لخوفها من السفر وحيدة. وباتت الأمهات يتاجرن بأجسادهن والآباء يسرقون.
ويزوج الآباء بناتهم قبل البلوغ، في سن 13 إلى 14 عاما للتخلص من فمٍ بحاجة للطعام، في وقت زادت فيه معدلات الطلاق. وهناك نساء تركن أزواجهن العاطلين عن العمل وعدن للعيش مع عائلاتهن. وهناك الكثير من العائلات التي تغامر بعبور البحر المتوسط إلى أوروبا.
وكأن كل هذه المشاكل ليست كافية، فقد انتشرت الكوليرا بالمنطقة، وفي الأسبوع الذي زارت فيه الكاتبة الميتم، سجلت مئات الحالات التي أدخلت المستشفى.
Comments are closed.