المليار الثامن .. الزيادة السكانية ليست طاعونا

img 0075 Cedar News الثامن

الثلاثاء 15 تشرين الثاني (نوفمبر)، يبلغ عدد سكان الأرض ثمانية مليارات نسمة، وفق آخر تقرير لصندوق الأمم المتحدة للسكان، في أبطأ معدل نمو منذ عام 1950، بعدما انخفض إلى أقل من 1 في المائة، منذ عام 2020. بلوغ هذا الرقم يمثل إنجازا لإنسانية القرن الـ21، التي نجحت في تحقيقه متحدية بذلك إكراهات الأوبئة والكوارث البيئية والحروب.. احتفاء يبقى محفوفا بأسئلة كبرى وهواجس جمة حول مستقبل الإنسانية على الكوكب الأزرق.
بدت ناتاليا كانيم المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، واعية بما تثيره وسائل الإعلام من مخاوف حول المسألة، عندما اعتبرت أن “ثمانية مليارات هو حدث مهم للبشرية”، قبل أن تضيف – فيما يشبه تبديد المخاوف – بشأن العدد، “أدرك أن هذه ليست لحظة يحتفل بها الجميع بالضرورة. يشعر بعض بالقلق من عالم مزدحم بعدد كبير جدا من السكان وموارد غير كافية للعيش أساسا”.
بعيدا عن التلقي المضطرب للرقم الذي راوح بين الإشادة والتحذير، بحسب زاوية النظر إليه، فالانتماء الجغرافي ونوعية العيش… وأشياء أخرى، تعتبر محددا جوهريا في كيفية قراءة العدد، وكذا في التعاطي مع المسألة السكانية. نتوقف عند عدد من المؤشرات السكانية الدالة التي رافقت تحقيق هذا الرقم، ويتوقع أن تتراخى آثارها نحو المستقبل لرسم المعالم الديموغرافية للعالم.

أرقام ومؤشرات ديموغرافية

زمنيا، تطلب الوصول إلى عتبة المليار الثامن نحو 12 عاما، بذلك تحافظ الإنسانية على الإيقاع ذاته من الناحية الزمنية، فالمليار السابع بدوره استغرق المدة نفسها. وتذهب التوقعات إلى أن المليار القادم “التاسع”، سيتحقق بعد 14,5 عام في عام 2037، ما يعني زيادة قدرها عامان. بذلك تؤكد الإنسانية أنها على الطريق الصحيح بشأن انخفاض النمو السكاني خلال القرن الماضي، ويتوقع أن يستمر المعدل في التراجع إلى حدود 2,1 في المائة بحلول عام 2050. وهنا نشير إلى أن المليار الجديد ما كان له أن يتحقق – في غضون 12 عاما – لولا زيادة أمد الحياة الذي بلغ كمتوسط 72,8 عام، ويتوقع أن يرتفع إلى 77,2 عام منتصف القرن الحالي.
جغرافيا، كانت القارتان الآسيوية ثم الإفريقية مصدر هذه الإضافة السكانية، إذ قدمت هاتان القارتان نحو نصف مليار إنسان إلى العالم. وجاءت الزيادة الحالية أساسا من عشر دول، تتقدمها الهند فالصين ثم نيجيريا. وعليه، يتوقع أن تزيح الأولى الثانية على رأس قائمة الدول الأكثر سكانا، فالهند تتجه بخطى ثابتة، في أفق عام 2050، نحو زهاء 1,7 مليار نسمة، في وقت تتراجع فيه الصين، بنحو مائة مليون، لتكتفي برقم 1,3 مليار نسمة فقط. وتؤكد التوقعات بشأن المليار القادم أن تسقط الصين من قائمة الدول الأكثر زيادة سكانية، حيث نجد الهند وباكستان ونيجريا ومصر والكونغو وإثيوبيا والفلبين وتنزانيا، مع تسجيل الحضور القوي للقارة السمراء، خمس دول إفريقية مقابل ثلاث دول آسيوية.
في ثنايا التقرير تنبري أرقام ونسب غاية في الأهمية، بدءا من معدل خصوبة النساء الذي تراجع عالميا، فالنسبة عند 2,3 في المائة، ويتوقع أن تتقلص إلى 2,1 مولود لكل امرأة أواسط القرن الحالي. وحاليا، يعيش 2/3 من سكان العالم في دول تسجل نسبا أقل من المعدل العالمي للخصوبة، وهذا تقريبا هو المستوى المطلوب لنمو صفري لسكان العالم، على المدى الطويل. زيادة على ذلك، يتوقع أن تشهد 61 دولة، معظمها في أوروبا أو أمريكا الشمالية، انخفاضا ملحوظا في عدد السكان، يتجاوز 1 في المائة، نتيجة التراجع المستمر في مستويات الخصوبة، أو أحيانا بسبب ارتفاع معدلات الهجرة.
تعيد هذه المعطيات هندسة الهرم السكاني، فالعالم سيشهد بحلول 2050، لأول مرة في التاريخ، هيمنة للشيوخ على حساب الأطفال، فالأرقام تفيد بأن عدد الأشخاص البالغين ما فوق 65 عاما سيمثلون ضعف عدد الأطفال دون سن الخامسة، والعدد ذاته لمن هم دون سن 12 عاما، بصيغة أوضح سيكون واحد من كل ستة أشخاص قد تعدى 65 عاما، ويرتقب أن يتضاعف عدد من فوق 80 عاما إلى نحو نصف مليار “460 مليونا” في العالم. تدفع هذه النتيجة نحو مراجعة أنظمة العمل، فاليد العاملة النشيطة في انكماش، ما يستدعي زيادة في معدل أعوام العمل تصل إلى أربعة أعوام، ليرتفع بذلك سن التقاعد إلى 64 عاما.

معضلة سلوكية لا عددية

وجب الاعتراف بأن هذا التباطؤ السكاني عالميا قصة نجاح تستحق الإشادة والتنويه، فأحوال الإنسان المعيشية والصحية والتعليمية… في عالم اليوم أفضل بكثير، مما كانت عليه الحال في القرون السابقة. ما يؤكد أن ربط قضية السكان بالتنمية المستدامة، في مؤتمر القاهرة الدولي للسكان، عام 1994، كان أفضل خيار لمواجهة التحدي العالمي، فالاستثمار في الإنسان هو الحل الأمثل.
على هذا الأساس، يمكن القول إن البشرية أفلحت في إيجاد حل للمعضلة السكانية، لكن سؤالا كامنا يبقى معلقا دون جواب، أو في الأساس دون إثارة أو طرح، مضمونه: هل المسألة السكانية فعلا أزمة؟ بعبارة أخرى، نقول أي أسس تعتمد طائفة الخبراء والمراقبين للتفكير في النمو الديموغرافي الطبيعي للإنسانية باعتباره مشكلة وأزمة تهدد بقاء الوجود البشري على وجه الأرض؟
الرد الطبيعي هو محدودية الموارد في مقابل التزايد السكاني، فالأرض غير قادرة على تلبية حاجات هذا الكم الهائل من السكان، لأن الوفاء بمتطلبات البشرية، بشكل مستدام، يتطلب وجود 1,75 كوكب أرض، وفق تقرير الصندوق العالمي للطبيعة، ما يعني استهلاكا للمواد البيولوجية بحجم يفوق قدرتها على التجدد، علاوة على اتصال عملية الاستهلاك جراء النمو السكاني بمشكلة الاحتباس الحراري، فالأمر يؤدي في النهاية إلى مزيد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
عادة ما تتكرر هذه السردية المنسجمة عند كل مطالبة لدول الجنوب بالإسراع في “تسقيف” النمو السكاني، خوفا من تأزم الأوضاع نتيجة الزيادة الديموغرافية فوق طاقة كوكب الأرض المحتملة. لكن “هل فعلا يوجد كثير منا على هذه الأرض”؟ هكذا يتساءل جويل كوهين الأكاديمي الأمريكي مستغربا، قبل أن يضيف متوالية من الأسئلة “كثير جدا بالنسبة إلى من؟ كثير جدا بالنسبة لماذا؟ إذا سألتني إذا كنا أكثر من اللازم، فإني لا أعتقد ذلك”.
يرفض الخبير “اعتبار الإنسانية طاعونا” بالتعاطي مع مسألة الزيادة السكانية لكونها معضلة، لأن ذلك يمثل كسلا فكريا، فحين ننظر إلى الأمر، يضيف الرجل، “غالبا ما نكون أغبياء نفتقر إلى الرؤية. نحن شرهون. هذا مكمن المشكلة والخيارات”. فالدول الغربية أساس الرؤية المنحرفة حيال الموضوع، إذ بدل أن تغير سلوكها تسارع إلى إلقاء اللوم على الدول النامية، مطالبة إياها بالحد القسري من النمو السكاني.
يخفي الانشغال بالمسألة العددية في النمو السكاني قضايا كبرى تتعلق بكيفية عيش ورفاهية الإنسان. بدل الإلهاء وراء التعداد، يجذر بنا التفكير في نوعية وإيقاع الحياة التي تتيح لسكان الكوكب العيش في أمن وسلام. وهذا ما تثبته لغة الأرقام، فالبشرية ستحتاج فقط إلى 0,8 كوكب كل عام، لو عاشت مثلما يعيش سكان الهند، هكذا سيمضي الحول، على ثمانية مليارات نمسة، دون استغلال جميع الموارد الطبيعية المتاحة. عكس ما ستكون عليه الحال، لو اختارت الإنسانية العيش وفق إيقاع الأمريكيين، لأن ذلك يتطلب أكثر من خمسة كواكب سنويا.
لا ترتبط المسألة السكانية بالعدد مطلقا، فالسنة الكونية تقضي بأن البشر موجودون من أجل التكاثر والزيادة، بقدر ما تتعلق بالعدالة والإنصاف في توزيع الموارد، لذلك قيل إن “تأثيرنا في الكوكب يحدده سلوكنا أكثر بكثير من عددنا”.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.