سعر صرف رسمي جديد لليرة ابتداء من الأربعاء.. والدولار الأسود يتربّص بها
تنشدّ الأنظار هذا الأسبوع في بيروت مجدداً الى أروقة السلطة النقدية تَرَقُّباً لِما سيستقر عليه اجتماع المجلس المركزي لمصرف لبنان من إجراءات «كابحة» للتدهور المتسارع في سعر صرف الليرة، بعدما تفلّت الانهيار المشهود من أي قيود عملانية أو سقوف نفسية وانطبع بموجاتٍ غير مألوفة في أحجامها ونِسبها منذ مطلع السنة الحالية.
ولا تبدو الآمالُ المعلقة على هذه الاجتماعات كبيرةً، ربطاً بعلامة «الفشل الذريع» الذي سجّلتْه النسخة الأخيرة من تجارب التدخل المباشر للبنك المركزي عبر آلية زيادة عرض الدولار النقدي للبيع من الأفراد من خلال منصة صيرفة، بعدما تكفّل غيابُ التنظيم المُحْكَم لتنفيذ عمليات المبادلات النقدية، ولا سيما التحديد الصارم لهويات المستفيدين، بفتْح شهية المضاربات والسمسرات والتهريب والتخزين للاستحواذ على الكميات الأكبر من التدفقات الواردة بمسمى «التدخل المفتوح» الذي أشهره مصرف لبنان قبيل أيام قليلة من نهاية العام الماضي.
ومع حال «التربّص» القائمة سوقياً عند حدود سعر 60 ألف ليرة لكل دولار من دون تقلّبات محسوسة طوال عطلة نهاية الأسبوع، تبقى الهوامشُ التقديرية مفتوحةً على احتمالات متباينة الى حدود التناقض.
ففي مقابل تعميم أجواء عن الدخول في «هدنة» نقدية مشفوعة بحِراك سياسي لمحاولة فتْحِ بابٍ للتسويات في ما خص الاستحقاق الرئاسي وأخواته، ثمة تَهَيُّبٌ كبير من الزجّ بالبلد وناسه في مرحلة اضطراباتٍ تتغذى أساساً من احتدام الخلافات الداخلية في شأن الاستحقاقات عيْنها.
وإلى حين حَسْمِ وُجهة العوامل السياسية المؤثّرة حُكْماً في تحديد المسار النقدي، يؤكد مسؤول مصرفي معني لـ «الراي» أن التحرك المستجدّ والموعود من البنك المركزي ابتداء من يوم غد الاثنين، أضحى مقيَّداً بالنتيجةِ السابقة لسابقه والتي ألزمت صانع القرار النقدي بالانكفاء السريع وتحجيم التدخل الى حدود ضيّقة للغاية. وبالتالي، فان اي تدابير تقنية جديدة ستلقى مصير «العقم» ومحدودية الفعالية، ما لم تتزامن مع تبدلات، ولو جزئية، في الأجواء الداخلية القاتمة سواء على جبهة ملء الشغور الرئاسي أو في ميدان تمكين حكومة تصريف الأعمال من تصنيف الشأن النقدي ضمن أولويات الصلاحيات الاستثنائية بأدنى الحدود.
ويقرّ المسؤول بحقيقة الخشية المصرفية من تكرار الاعتماد على الآليات عيْنها توخياً لنتائج مختلفة. فما أعقب التدخل المفتوح من تأجيجٍ استثنائي للفوضى النقدية قَلَبَ تماماً قواعد اللعبة، ومَنَحَ تجار العملات هامشاً أوسع لقيادة الأسواق وللانقضاض على سعر صرف الليرة ومنذراً بالأسوأ من هبوطها دون مستوى 65 ألفاً لكل دولار، ليضرب عشوائياً في خطوط التواصل المالي بين لبنان والخارج ويثير مخاوفَ جدية من مرور عمليات نقدية غير مشروعة.
وتكتسب أي مبادرة جديدة ومتوقَّعة من السلطة النقدية، حساسية مضافة وذات ثقل نوعي في الإعداد والتنفيذ هذا الأسبوع، كونها ستقترن ببدء نفاذ السعر الرسمي الجديد المحدَّد عند مستوى 15 ألف ليرة لكل دولار بدءاً من يوم الأربعاء، وما يستلزمه من تدابير وقائية للحؤول دون تضخّمٍ كبير في حجم الكتلة النقدية بالعملة الوطنية، والتي شهدتْ تقلصات نسبية بفعل عروض الدولار، لتهبط من مستواها القياسي السابق البالغ نحو 80 تريليون ليرة إلى نحو 67 تريلوناً وفق البيانات المحدّثة منتصف الشهر الحالي.
وبعدما ثبت بالقرائن الموضوعية والدلائل السوقية عقمَ المبادرات الوقائية التي يكرّرها مصرف لبنان في ظل الفجوات المشهودة التي تسيطر على حضور الدولة مجسَّداً بواقع الشلل التشريعي والتنفيذي في منظومة الحُكْم، فإن الإشارات غير المُطَمْئنة تتكاثر في مواكبة «المرحلة الانتقالية» القائمة على اعتماد سعر الصرف الجديد، وتنحو الى تعظيم المَخاوف من تنامي قدرات تجار العملات، بأصنافهم المتنوعة داخل الحدود وعبرها، على تشتيت استهدافات التحركات الموعودة عبر منصة صيرفة، وفرملة تدخل البنك المركزي وسقوفه في إدارة عمليات العرض والطلب.
وبذلك، فإن الدورَ المفترض للبنك المركزي كصانعٍ رئيسي لأسواق الصرف والتحكم بإدارة السيولة النقدية، فَقَدَ وهجَه المعنوي بعد العملانيّ والماديّ عقب عدة تجارب تَدَخُّلٍ غير ناجحة إن لم نقل فاشلة في التحكّم بوجهة المبادلات النقدية، وفق وصف المسؤول المصرفي.
وواقعياً يتمترس صانع القرار النقدي خلف احتياطاتٍ لا تتعدى 10 مليارات دولار، وهي ليست من أصوله أو من مدخرات القطاع العام الذي ينتسب إليه، انما هي أقلّ بنحو 3 مليارات دولار من إجمالي الاحتياطي الالزامي على الودائع «المحبوسة» في المصارف والبالغة حالياً نحو 95 مليار دولار.
واستتباعاً، ما لم تنضج طبخة البحص السياسية، فإن دور السلطة النقدية، بحسب المسؤول المصرفي، لا يمكن أن يتعدّى في ظل الظروف الحاضرة، الصدّ غير المتكافئ لِما أمكن من سيل الهجمات الشرسة على سعر الليرة.
بل يمكن الاستدلال من خلال الكثير من الإشارات والمؤشرات الى حقيقة التقلّص التنفيذي حتى لهذا الدور المحدود في أسواق صرف العملات، بفعل قوة المُضارَبات النقدية التي تتغذى أساساً من تعميق حال عدم اليقين، وتستظلّ حديثاً عوامل اضطرابٍ مستجدة ذات صلة بملفات قضائية بأبعاد محلية وخارجية.
الراي
Comments are closed.