هل تغير موقف الجزائر بخصوص التطبيع مع إسرائيل؟

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون

Getty Images

ستكون الجزائرعلى استعداد لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل “في ذات اليوم الذي تقوم فيه دولة فلسطينية كاملة السيادة”. هكذا كان رد الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، على سؤال طرحته عليه صحيفة لوبينيون الفرنسية حول هذا الموضوع.

تبون أضاف أن سلفيه الرئيس الشاذلي والرئيس بوتفليقة سبق أن أكدا “أنه لم تكن لديهما مشكلة مع إسرائيل. فهمنا الوحيد هو إقامة دولة فلسطينية”.

ورغم أن الحوار الذي أجرته الصحيفة مع تبون تطرق إلى العديد من القضايا، كالصحراء الغربية والعلاقات مع تونس والصين وفرنسا والولايات المتحدة، وغيرها، إلا أن جل اهتمام وسائل الإعلام العربية ورواد مواقع التواصل العرب انصب على هذا التصريح.

فقد رأى بعضهم أنه تأكيد لموقف الجزائر الثابت تجاه القضية الفلسطينية، في حين فسره آخرون على أنه تحول في بوصلة البلاد وربطوا بينه وبين ظروف إقليمية ودولية متغيرة.

تصريح تبون أثار كثيرا من التفاعلات داخل الجزائر، حيث أعرب بعض الأحزاب والشخصيات المعارضة عن قلقه ورفضه لفكرة التطبيع نهائيا.

فكيف يمكن قراءة هذا التصريح؟ هل يشكل بالفعل تغيرا في السياسة الجزائرية؟ وما مغزى توقيته؟ وهل ينم بالفعل عن ضغوط خفية تتعرض لها البلاد أو تشعر باقترابها؟

“مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”

لطالما ردد كثير من الجزائريين على المستويين الشعبي والسياسي هذا الشعار الذي كان قد أطلقه الرئيس الراحل هواري بومدين (1965-1978)، تعبيرا عن دعم البلاد الراسخ للقضية الفلسطينية. وقد استقبلت البلاد فصائل فلسطينية على أراضيها، على رأسها حركة فتح، واحتضنت عددا من المؤتمرات الفلسطينية كان أبرزها ذاك الذي اختتم بإعلان منظمة التحرير “استقلال دولة فلسطين” عام 1988. كما ساعدت الجزائر الفلسطينيين اقتصاديا من خلال تقديم منح مالية لهم واستضافت حوار الفصائل الفلسطينية عام 2022.

المعروف أن الجزائر لم تشترك فيما يعرف بالاتفاقات الإبراهيمية التي وقعتها إسرائيل والإمارات والبحرين في عام 2020، وانتقد الرئيس تبون ما وصفه “بالهرولة” نحو التطبيع، قائلا إنه لن يشارك فيها ولا يباركها، وأكد على أن “القضية الفلسطينية تبقى عندنا قضية مقدسة”.

تبون يتوسط إسماعيل هنية، قيادي حركة حماس الذي اغتالته إسرائيل العام الماضي، وعزام الأحمد القيادي بمنظمة التحرير خلال حوار الفصائل الفلسطينية الذي استضافته الجزائر عام 2022

Getty Images
تبون يتوسط إسماعيل هنية، قيادي حركة حماس الذي اغتالته إسرائيل العام الماضي، وعزام الأحمد القيادي بمنظمة التحرير خلال حوار الفصائل الفلسطينية الذي استضافته الجزائر عام 2022

ردود فعل متباينة

أعرب بعضهم عن استغرابهم وقلقهم من تصريح الرئيس تبون، في حين قال آخرون إنه لم يأت بجديد لأن الجزائر تتبنى كغيرها من الدول العربية مبادرة السلام التي أطلقها العاهل السعودي الراحل، الملك عبد الله بن عبد العزيز، عام 2002 والتي تهدف إلى إنشاء دولة فلسطينية على حدود عام 1967 وعودة اللاجئين وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان المحتلة مقابل تطبيع الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل.

توقف كثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عند ذكر الرئيس تبون كلمة “إسرائيل” التي عادة ما كان يشير إليها هو وغالبية الساسة والإعلاميين الجزائريين بمصطلح “الكيان المحتل” وهو ما تكرر على صفحة الرئاسة الجزائرية على فيسبوك عند استعراضها لأهم ما جاء في المقابلة التي أجراها الرئيس مع لوبينيون.

لكن الدكتور رضوان بوهيدل أستاذ العلاقات الدولية الجزائري يقول في تصريحات لـ بي بي سي عربي إن “كلمة إسرائيل جاءت في السؤال الذي طرحه الصحفي، ومن المستحيل أن يطرح صحفي فرنسي سؤالا يقول فيه الكيان الصهيوني أو الكيان المحتل. ورئيس الجمهورية عبد المجيد تبون أجاب على أساس ما سيكون في المستقبل، وليس حاليا، فلا يمكن أن نقول على المستقبل الكيان الصهيوني إذا قامت دولة فلسطينية، فنحن لا نعترف بكيان مهما كان، ولكن قد نعترف بإسرائيل إذا قامت دولة فلسطينية كاملة الحقوق بموجب الأمم المتحدة على حدود 1967″، مضيفا أن الجزائر موقفها ثابت ولن يتغير، و”ستبقى إلى جانب الشعب الفلسطيني حتى قيام دولته على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف”.

ويلفت بوهيدل إلى أن الرئيس تبون “استخدم كلمة إسرائيل ردا على تصريحات الصحفي ولم يقل دولة إسرائيل، وهذه نقطة أعتقد أنه يجب الإشارة إليها”، مضيفا أن صفحة الرئاسة “نشرت ما نشرته لوبينيون للترويج للموضوع قبل نشره بالكامل”.

وأصدرت حركة مجتمع السلم، وهي أكبر الأحزاب الإٍسلامية في الجزائر بيانا أعربت فيه عن “رفضها التام لكل مشاريع التسوية والتطبيع”، وذكّرت الرئيس تبون بأنه سبق له وصفها “بالهرولة المرفوضة”.

وكتب رئيس الحركة السابق عبد الرزاق مقري على حسابه على فيسبوك: “عندما نسمع ترامب ومستشاريه يتحدثون عن توسيع الكيان ثم إعطاء الفلسطينيين دولة صغيرة بعد تهجير جزء كبير من الفلسطينيين، يصبح حديث الحكام العرب عن التطبيع في حالة قيام دولة فلسطينية أمرا مخيفا ومستقبلا محيرا”.

تلى ذلك إصدار حزب العمال اليساري المعارض بيانا قال فيه إن الحزب لا يمكنه “تصور أي تغيير في الموقف الرسمي الجزائري حيال قضيتنا المركزية وبالتالي الكيان المفبرك”. وذكر البيان أن حل الدولتين “تأكد أنه خدعة وسراب”، واعتبر أن كل تطبيع “هو تواطؤ إجرامي” ، كما شدد على على أن مسؤولية الجزائر تكمن في ” تجريم محاولات التهجير وإسناد الضفة الغربية والقدس”.

“عقدة في المنشار” أم تحول في الموقف؟

ارتأى بعض المعلقين أن تصريح تبون لا يعني أي تغيير في الموقف الجزائري، لأنه “وضع العقدة في المنشار” بحديثه عن شرط تعجيزي على حد تعبيرهم، هو إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة لأن إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتانياهو لن يقبلا به أبدا.

يقول الدكتور بوهيدل “تصريحات الرئيس تبون ليست تراجعا ولا تغيرا في موقف الجزائر تجاه القضية الفلسطينية، بل هي عكس ذلك تماماً…الرئيس تبون يعي جيدا أن الإسرائيليين الذين رفضوا قيام دولة فلسطينية طيلة 75 سنة كاملة لن يسمح بذلك ببساطة. أعتقد أن التصريح ما هو إلا إحراج للمجتمع الدولي، لمن يهرولون نحو التطبيع بدون مقابل حقيقي لصالح القضية الفلسطينية…أعتقد أنه كلام موجه إلى المجتمع الدولي وليس الشعب الجزائري لأن الجزائريين يعلمون موقف بلادهم تجاه هذه القضية”.

لكن هناك من أعرب عن رفضه لفكرة التطبيع في المطلق، وحذر من أن هذه ربما تكون “البداية”، مستشهدين على منصات التواصل الاجتماعي بتصريحات سابقة لزعماء دول عربية طبعت علاقاتها بإسرائيل كانوا قد أعربوا فيها عن تمسكهم بقيام دولة فلسطينية “عاصمتها القدس الشرقية”.

يقول البروفيسور جوناثان هيل مدير معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة كينغز كوليدج لندن لـ بي بي سي عربي إنه لمس تغيرا في موقف الرئيس الجزائري.

يضيف هيل:”هذا التحول في اللهجة والحديث عن الاستعداد للاعتراف بإسرائيل (بشرط إقامة دولة فلسطينية) يدلل على حدوث تغيير. كانت هناك مناسبات في الماضي لم يتسق فيها موقف الحكومة مع موقف الشعب (على سبيل المثال تأييد التحالف الذي تزعمته الولايات المتحدة ضد صدام حسين في حرب الخليج الثانية)، ولكن ليس فيما يتعلق بإسرائيل”.

توسط ترامب في إبرام "اتفاقات أبراهام" بين إسرائيل والبحرين والإمارات

Getty Images
توسط ترامب في إبرام “اتفاقات أبراهام” بين إسرائيل والبحرين والإمارات عام 2020

مغزى التوقيت

تحدث كثير من الرافضين لتصريح تبون أو المتحفظين عليه عن ضغوط تتعرض لها البلدان الرافضة للتطبيع مع إسرائيل لتغيير موقفها.

على سبيل المثال، أشار بيان حركة مجتمع السلم إلى ضغوط تمارسها الدول المتحالفة مع إسرائيل، ولا سيما الولايات المتحدة “لجر الدول الصامدة ومنها الجزائر إلى مستنقع التطبيع”، وشدد على رفض الحركة لأي ضغوط في هذا الشأن.

وربط بعضهم بين تصريح تبون والتغيرات الإقليمية والدولية الأخيرة، كحرب غزة، وتراجع ما يعرف بمحور المقاومة في أعقاب اغتيال إسرائيل لقادة حزب الله وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا.

وكان من أبرز تلك التغيرات أيضا بدء فترة ثانية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عراب الاتفاقات الإبراهيمية الذي كان قد اعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية في نهاية فترته الرئاسية الأولى، في أعقاب إعلان الرباط موافقتها على تطبيع العلاقات مع إسرائيل. أضف إلى ذلك العلاقات المتوترة بين الجزائر وفرنسا التي عززت في المقابل علاقاتها بالمغرب.

وقد سعت الجزائر مؤخرا لتوثيق علاقاتها مع واشنطن في المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية. على سبيل المثال، وقعت البلاد مذكرة تفاهم للتعاون العسكري مع القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا “أفريكوم” بعد أيام من تنصيب الرئيس ترامب، كما وقعت في 22 يناير/كانون الثاني الماضي اتفاقية مع مجموعة شيفرون الأمريكية للطاقة لتقييم إمكانات موارد النفط والغاز البحرية في البلاد. ومن جانبها، تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز نفوذها في أفريقيا وسط الاستثمارات الصينية المتنامية في القارة.

يقول البروفيسور هيل إن “توقيت الإعلان ذو دلالة مهمة. فهو يوحي بدرجة كبيرة بشعور الرئاسة الجزائرية بالقلق إزاء ما قد تتعرض له البلاد من ضرر إذا ما مارست عليها الولايات المتحدة ضغوطا أو زادت من دعمها للمغرب”.

ويضيف: “ما الذي تغير؟ التغير الأكبر هو وصول رئيس إلى السلطة في الولايات المتحدة يميل بشكل أكبر بكثير إلى إبرام صفقات، ومستعد لممارسة نفوذ الولايات المتحدة بشكل أكثر علانية (مثلما فعل مع كولومبيا والمكسيك)، ناهيك عن أن الجزائر تجد نفسها الآن في عزلة أكبر في الغرب، وسط مساعي فرنسا إبرام علاقات أوثق مع المغرب”.

لكن الدكتور بوهيدل له رأي مختلف، إذ يقول إنه ” من الخطأ قراءة تصريحات الرئيس عبد المجيد تبون في سياق التغيرات الإقليمية الأخيرة خاصة وصول ترامب إلى الرئاسة.. وأعتقد كذلك أن ما قاله الرئيس للصحيفة الفرنسية لا علاقة له أبدا بعلاقتنا الطيبة جدا مع الولايات المتحدة. وترامب كان قد اعترف بسيادة المغرب الذي طبع علاقته مع إسرائيل من خلال تغريدته. هذا الشيء يخص ترامب. ولكن في الأمم المتحدة القضية الصحراوية هي قضية تقرير مصير، ونحن نتحدث عن 2025 ولسنا في العهدة الأولى لترامب”.

مناورة

ربما يكون توقيت الحديث عن التطبيع قد أسهم في ردود الفعل الغاضبة، إذ يأتي بعد حرب استمرت أكثر من عام في غزة وأسفرت عن مصرع أكثر من 46 ألف فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال، وفق وزارة الصحة في القطاع، وحديث ترامب عن “تطهير القطاع” واستضافة مصر والأردن لسكانه.

يرى مراقبون أن تصريح الرئيس تبون بشأن التطبيع المشروط مع إسرائيل ربما يكون بمثابة مناورة يحاول من خلالها إمساك العصا من المنتصف، إذ يسعى إلى التكيف مع المعطيات الجيوسياسية المتغيرة إقليميا ودوليا، عن طريق الإشارة إلى أن رفض بلاده لإقامة علاقات مع إسرائيل ليس مطلقا، وفي الوقت ذاته يطمأن الرأي العام الداخلي بأن بلاده لن تتخلى عن شرط إقامة دولة فلسطينية “كاملة السيادة”.

لكن البروفيسور هيل يتنبأ بإمكانية ألا يرضي تصريح الرئيس الجزائري أي طرف.

“على الرغم من أن [التصريح] يمثل تحولا في الموقف الجزائري، فإن هذا التحول لا يصل إلى حد التطابق مع مقاربة المغرب بشأن إسرائيل. من المحتمل أن تصرفات تبون لن ترضي أي طرف – فهي أكثر مما يمكن أن يقبله الجزائريون وأقل مما تريده الولايات المتحدة – ومن ثم قد تتركه في موقف أضعف”.

Powered by WPeMatico

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.