ما السبيل لتحقيق عدالة انتقالية في سوريا ما بعد بشار الأسد؟
رغم إلحاح مطالب أخرى في سوريا الجديدة، مثل الأمن وتحسين الأحوال المعيشية، إلا أن تحقيق العدالة الانتقالية، مايزال بالنسبة للسوريين هو الأمر الأكثر إلحاحا، والكفيل بتحقيق السلم الأهلي في البلاد.
ورغم مرور مايقارب الشهرين، منذ الإطاحة بحكم الرئيس بشار الأسد، في 8 ديسمبر 2024 ، إلا أن الدعوات ماتزال تتوالى من قبل قطاعات كبيرة من الشعب السوري، بضرورة تحقيق العدالة الانتقالية من أجل مصالحة وطنية تكفل الاستقرار في قادم الأيام.
وقبل أيام قليلة شهدت العاصمة السورية دمشق، وقفة للمطالبة باتخاذ خطوات حقيقية، في اتجاه تحقيق العدالة الانتقالية، ونظمت الوقفة كل من مبادرة “سوريا للجميع”، ومبادرة “تجمع جرمانا المدني”، وقال نشطاء شاركوا فيها إن تحقيق العدالة الإنتقالية، سيسهم في مداواة جراح أهالي الضحايا، وتحقيق السلم الأهلي في البلاد.
وكانت نائبة المبعوث الأممي لسوريا نجاة رشدي، قد قالت في تصريحات لها للتليفزيون السوري،إن الجميع في سوريا يريد العدالة الانتقالية، لبدء المسامحة على حد قولها، مشيرة إلى أن المصالحة لن تتم دون معرفة مصير المفقودين.
سجل دموي من الانتهاكات
وكان السقوط المدوي لنظام بشار الأسد في سوريا، في الثامن من كانون الأول /ديسمبر الماضي، قد كشف النقاب عن سجل دموي، من الانتهاكات الحقوقية والإنسانية، التي ارتكبت خلال حكم هذا النظام، خصوصا تلك التي ارتبطت بالثورة السورية سنة 2011، وفق ماتفيد به منظمات حقوقية.
ووثقت العديد من المنظمات الدولية، ومنها هيومن رايتس ووتش “استعمال النظام السوري السابق، أساليب الاحتجاز التعسفي والتعذيب الممنهج، وسوء المعاملة ضد معارضيه، وتم الكشف عن عشرات مراكز الاعتقال والاحتجاز، التي كانت تديرها أجهزة المخابرات السورية، والتي تستخدم فيها أبشع أنواع وسائل التعذيب”.
من جانبها قالت منظمة العفو الدولية إنه “في ظل حكم بشار الأسد، وقبله والده حافظ الأسد، تعرض السوريون لمجموعة مروعة، من انتهاكات حقوق الإنسان التي تسببت في معاناة إنسانية لا توصف، على نطاق واسع، وشمل ذلك الهجمات بالأسلحة الكيميائية، والبراميل المتفجرة وجرائم الحرب الأخرى، فضلاً عن القتل والتعذيب، والاخفاء القسري والإبادة التي ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية”.
ويعتبر مراقبون أن إعادة الثقة، بين مكونات المجتمع السوري، تمثل حجر الأساس في أية عملية للعدالة الانتقالية، يفترض أن تنتهي في نهاية المطاف بالمصالحة الوطنية، ويرون أنه سيتعين على السوريين جميعا تجاوز الانقسامات العرقية والطائفية، التي عمل النظام السابق على إذكائها طوال فترة حكمه.عالة دون انتقام
وفي سياق التأكيد، على ضرورة أن تخلو أي عملية، للعدالة الانتقالية في سوريا من الانتقام، أكدت عدة أطراف دولية، على ضرورة الالتزام بالقواعد في مسار تلك العملية، فقد أكد مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، في ديسمبر الماضي، على أهمية وضع حقوق الشعب السوري في جوهر العملية الانتقالية، مشددا على ضرورة حماية جميع الأقليات وتجنب الأعمال الانتقامية.
وقال تورك، خلال مؤتمر صحفي “مئات الآلاف من الأشخاص فقدوا حياتهم، و100 ألف شخص أصبحوا مفقودين في سوريا”، مضيفا، أن “ما حدث في سوريا يمثل فرصة لبناء مستقبل جديد قائم على احترام حقوق الإنسان”. ومشددا على ضرورة ضمان، أن تكون حقوق الإنسان ،محور العملية الانتقالية لتحقيق العدالة والسلام المستدام.
من جانبها قالت منظمة العفو الدولية ” تدعو المنظّمة قوات المعارضة إلى التحرر من عنف الماضي. والخطوة الأهم هي العدالة، وليس الانتقام، إننا نحض جميع أطراف النزاع الراهن على إبداء الاحترام التام لقوانين النزاع المسلح، وهذا يشمل واجب عدم مهاجمة أي شخص يعبّر بوضوح عن نيته بالاستسلام، بما يشمل القوات الحكومية، ومعاملة أي شخص يُحتجز معاملة إنسانية.”
توقعات بمسار طويل
يعترف ناشطون وحقوقيون سوريون، بأن مسار العملية الانتقالية في سوريا، قد يكون طويلا، وقد تعترضه العديد من العقبات، نظرا لضخامة وكثرة الانتهاكات الحقوقية، التي شهدتها حقبة حكم عائلة الأسد في سوريا .
ويقول شادي هارون، العضو برابطة سجناء سجن صيدنايا، السوري الشهير في عهد بشار الأسد، لبرنامج نقطة حوار إنه زار عدة مواقع للاعتقال، بعد انهيار النظام السوري، في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، كما زار سجن صيدنايا، وعدة مقابر جماعية، ويشير إلى أنه صدم لحجم المأساة التي كانت قد بدأت تتكشف، مضيفا “راعني أنه لم يتم حفظ الأدلة بصورة جيدة لأن الحفاظ على الأدلة بالتعاون من منظمات المجتمع المدني يعد الخطوة الأهم على طريق حفظ حقوق الضحايا”
وفي معرض حديثه، عن أحوال أسر الضحايا، يقول هارون: إن الأسر معذبة في طريق البحث عن ذويهم، فالمعروف هو أن البحث عن مصير المفقودين، لا ينتهي إلى بوجود دليل قطعي، على مصير الضحية ويضيف هارون “للأسف فإن النظام السابق، كان يخفي الأدلة، وحتى يحرقها، وبعد نجاح الثورة السورية ثبت أنه قام بحرق مجموعة كبيرة من الأدلة، إن كان في المحاكم العسكرية أو محاكم الميدان العسكري، أو المشافي العسكرية أو مراكز الاحتجاز وبالتالي مازالت العائلات لديها الحق قانونيا في معرفة مصير أبنائها”,
لابد من عدالة كاملة
أما القاضي السوري أنور مَجَني، من منظمة (اليوم التالي)، فيتحدث لنقطة حوار، عن تحديات العدالة الانتقالية في سوريا، فيقول إن إطلاق عملية عدالة إنتقالية في سوريا ليس سهلا، وإنه ستعترضه الكثير من التحديات.
ويضيف مجني أنه على المستوى الداخلي، فإن هناك قضية تورط الكثير من الأطراف، في الانتهاكات التي تعرض لها الشعب السوري، وليس خافيا أن إطلاق مسار للمحاسبة، بشأن تلك الانتهاكات سيخلق المزيد من الأعداء لهذا المسار، وينبه مَجَني إلى أن أجهزة الدولة العميقة في سوريا قد تقف عائقا أمام هذه العملية.
ويشير مجني أيضا، إلى أن حجم الانتهاكات الكبير، الذي شهدته سوريا خلال حكم عائلة الأسد، ربما يؤثر في سرعة مسار العدالة الانتقالية، منبها إلى أن تلك الانتهاكات، استمرت لعقود، وأنها تفاقمت وتزايدت خلال سنوات النزاع.
ويرفض مَجَني، فكرة التنازل عن تحقيق عدالة كاملة، في مجال محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات بحق السوريين، مقابل تحقيق السلم الأهلي ويقول: “أود أن أقول أن من يقولون بذلك هم على خطأ، وأشير إلى أن التجارب الدولية في هذا المجال، وحيث فضل البعض الاستقرار على العدالة، فإنهم لم يحصلوا لا على العدالة ولا على الاستقرار، وهناك أمثلة في العراق وفي لبنان، والقول بأن عدم إطلاق مسار العدالة الانتقالية، يسهم في استقرار البلاد هو نوع من الوهم.
- هل مايزال ملف العدالة الانتقالية في سوريا في صدارة اهتمامات السلطة الجديدة؟
- هل ستتمكن السلطة السورية الجديدة من الحيلولة دون وقوع عمليات انتقامية في مسار تحقيق العدالة الانتقالية؟
- هل تتبع سوريا نماذج مثل نموذج جنوب إفريقيا في مجال تحقيق العدالة الانتقالية أم ستصيغ نموذجا خاصا بها؟
- هل يتمكن النظام القانون السوري من النهوض بإجراءات العدالة الانتقالية وحده أم أنه قد يحتاج إلى دعم من منظمات قانونية دولية؟
- وكيف ستتعامل السلطة الجديدة في سوريا مع معضلة الذين فروا من أركان النظام السابق خارج البلاد؟
سنناقش كل ما يتعلق بتحقيق عدالة انتقالية في سوريا بعد حكم عائلة الأسد في حلقة سجلت في قلب العاصمة السورية دمشق وتبث في موعد البرنامج المعتاد يوم الجمعة 7 شباط/ فبراير.
Powered by WPeMatico
Comments are closed.