75 سنة على ربطه بمرض السرطان: ما سر التشبث بالتدخين؟

صورتان متجاورتان لرجل وإمراة ينفثان دخان سيجارتيهما

Getty Images

لوحِظت منذ النصف الأول من القرن العشرين، زيادة هائلة في عدد الوفيات بسرطان الرئة في العالم الغربي، تزامنًا مع ظهور السجائر الجاهزة.

حصل المطور الأمريكي، جيمس ألبرت بونساك، على براءة اختراع آلة لفّ السجائر عام 1881، مما أحدث ثورة في عالم التدخين.

قبل ذلك، لم يكن استهلاك التبغ شائعًا، واقتصر على استخدام الغليون أو السيجار المملوء بالتبغ، نظرًا لحجمه وسمكه الكبير، وكان كلاهما حكرًا على الرجال.

كانت تكلفة السجائر الملفوفة يدويًا، وعلى رأسها السيجار، باهظة الثمن نسبيًا، مما حدّ من القدرة الإنتاجية.

غيّرت آلة بونساك هذا الواقع، إذ أدت إلى انخفاض كبير في تكلفة التصنيع، مما سمح بزيادة الإنتاج على مدار الساعة، وبالتالي جعل التدخين في متناول الجميع بتكلفة زهيدة.

دراسة: “عشرة في المئة من الوفيات في العالم سببها التدخين”

السجائر الإليكترونية تشكل خطرا على الاطفال

التبغ من الزعم بأنه علاج للسرطان وصولاً إلى إعدام المُدخن

لكن هذا التوسع تزامن مع ارتفاع ملحوظ في عدد حالات سرطان الرئة منذ عام 1900، خاصة في بريطانيا. وانحصرت الشكوك في عاملين رئيسيين: التلوث أو التدخين، الذي كان يشهد طفرة غير مسبوقة بسبب ابتكار بونساك.

خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، شهد العالم استهلاكًا غير مسبوق للتبغ، خاصة في شكل السجائر.

وانطلاقًا من الفرضيتين السابقتين، قاد عالما الأوبئة البريطانيان، السير ريتشارد دول وزميله توني برادفورد هيل، بحثًا كشف حقيقة لم تكن في الحسبان آنذاك.

ففي عام 1950، كانا أول من توصل إلى وجود ارتباط كمي وعضوي بين التدخين أو قطران السجائر وسرطان الرئة، وذلك وفق ما جاء في تقريرهما الذي يُعدّ علامة فارقة في طريق إثبات ضرر التدخين على الصحة.

لقد دقّا ناقوس الخطر باستنتاجهما وجود علاقة سببية بين التدخين وسرطان الرئة، كما أشارا إلى تأثيره المدمر على بعض أعضاء الجسم الأخرى، ورجّحا أن الاستمرار فيه يزيد من خطر الوفاة.

إلا أن المسألة لم تُحسم طبيًا من الجولة الأولى، ولتلبية مطلب الاستقراء والاستشراف حول تبعات التدخين، تم اقتراح استكمال الصورة من خلال دراسة أوسع.

تم وضع مجموعة من الأطباء تحت البحث، لكون جمع البيانات منهم كان أسهل، فيما عُرف لاحقًا بـ “دراسة الأطباء البريطانيين”.

آلة بونساك تبدو مثل ماكينة الخياطة الضخمة

Getty Images
آلة بونساك التي تشبه ماكينة خياطة ضخمة، والتي تعرفت كافة الحضارات على عادة شرب السجائر من خلالها

استقبل الأطباء المشاركون استبيانات دورية على مدى طويل امتد حتى عام 2001. لم يكن بإمكان دول وهيل أن يتخيلا أن البحوث حول دراستهما ستستمر لخمسين عامًا، لكنها ترسخت مع مرور الوقت، وأصبحت تعتمد على براهين علمية قوية وبيانات شاملة ومتوازنة يمكن الاستفادة منها في المجال العلاجي.

مع بداية دراسة الأطباء، وهي أول دراسة مستقبلية حول التأثير الممتد للتدخين، أرسل دول وهيل في مطلع عام 1951 استبيانًا حول عادات التدخين إلى جميع الأطباء في المملكة المتحدة، حيث أجاب عليه 59,600 طبيب وطبيبة. لكن تم استبعاد بيانات من هم دون سن 35 عامًا والنساء، نظرًا لأن سرطان الرئة كان نادر الحدوث في هذه الفئات.

في يومنا هذا، يُعتبر سرطان الرئة من أكثر أنواع السرطانات شيوعًا في العالم، وهو في معظم البلدان النوع الأكثر انتشارًا بين الجنسين معًا، بعد سرطان الثدي لدى النساء وسرطان البروستاتا لدى الرجال.

لا يزال الرجال حتى الآن الفئة الأكثر عرضة للإصابة بسرطان الرئة عالميًا، إلا أن هذا التفاوت بين الجنسين يوشك على التلاشي، وفقًا للبيانات الحديثة. كما يُعد سرطان الرئة من أخطر وأشد أنواع السرطانات فتكًا، حيث يتحمل جزءًا كبيرًا من إجمالي وفيات السرطان السنوية، وفقًا لإحصاءات منظمة الصحة العالمية لعام 2024.

في السنوات الأخيرة، بدأ المرض في الظهور بين فئات عمرية أصغر، لكن الأرقام تشير إلى أن متوسط العمر عند تشخيص سرطان الرئة لا يزال في حدود 70 عامًا، كما أن انتشاره نادر بين من هم دون سن 35 عامًا. وتشير البيانات إلى أن 10% فقط من الحالات تُسجَّل لدى من هم تحت سن 55 عامًا، مع ميل لاكتشاف المرض في مراحله المتقدمة لدى الفئات الأصغر سنًا، مما يقلل من فرص نجاتهم، وفقًا لموقع “فيري ويل هيلث” (VeryWell Health) الأمريكي.

كشفت ورقة بحثية تعود لعام 1991، أُجريت في سياق استكمال ما عُرف بـ “دراسة الأطباء البريطانيين”، أن معدلات الوفيات المرتبطة بالتدخين تضاعفت خلال النصف الثاني من الدراسة، التي امتدت لخمسة عقود، مقارنة بالنصف الأول منها.

أما عن متوسط العمر المتوقع للمصابين بسرطان الرئة، فهو عامان أو أقل، رغم أن بعض العلاجات قد تساعد في إطالة العمر وتحسين جودة الحياة. ومع ذلك، يظل سرطان الرئة أحد أكثر السرطانات فتكًا إذا لم يتم علاجه مبكرًا.

كما أنه لا يوجد مستوى آمن من التدخين، فحتى تدخين سيجارة واحدة يوميًا على مدار الحياة قد يجعلك عرضة لأنواع السرطانات المرتبطة بالتدخين، وفقًا للمعهد الوطني للسرطان في الولايات المتحدة.

التدخين.. هل نحن أمام ظاهرة أبدية؟

أربعة صور لتاريخ دعاية التدخين واستهلاك السجائر بين الماضي والحاضر، أحدها لفتاة شابة أمام الكاميرا بالأبيض والأسود تحمل علبة سجائر والثانية عليها الملصق التحذيري الحديث الخاص بمنع التدخين في الأماكن المغلقة والثالثة لسيارة أجرة أمريكية تحمل دعاية حديثة لهيكل عظمي يدخن والصورة الرابعة لدعاية جاذبة من الماضي لرجل شاب يضع السجارة بين شفتيه مع عبارة "إنه اللقاء الأهم".

Getty Images
الصور من تاريخ دعاية تسويق النيكوتين بين الماضي والحاضر والذي ترافق مع حرب إعلامية دارت رحاها بين منتجي السجائر والمنظمات الصحية.

بدأت السجائر في غزو المجتمعات منذ أواخر القرن التاسع عشر، ومع دخولها إلى أسواق جديدة، تصاعدت الحملات الإعلانية والترويجية لها بشكل مكثف، مما أدى إلى زيادة كبيرة في الإنفاق على دعاية السجائر، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، بالتوازي مع ارتفاع استهلاكها.

ساهمت تكلفة السجائر المنخفضة وسرعة انتشارها عبر التفاعل بين الشعوب في وصفها بأنها أشبه بوباء عالمي.

ولا يزال التدخين يشكل مشكلة صحية كبرى حتى يومنا هذا، إذ تظل التوقعات المستقبلية قاتمة، خاصة في ما يتعلق بقدرة البلدان النامية على تحقيق هدف “جيل بلا تدخين”.

توضح منظمة الصحة العالمية في أحد تقاريرها، أن الجهود المكثفة لمكافحة التبغ في الدول الصناعية، بما في ذلك رفع الأسعار، والحد من الإعلانات، والتقليل من ظهور التدخين في وسائل الإعلام، وفرض قوانين تقيد الاستهلاك، إلى جانب تعزيز سياسات الهواء النظيف للحد من أضرار التدخين السلبي، قد أثمرت إلى حدّ ما في الحد من معدلات التدخين خلال العقود القليلة الماضية، وإن لم تتمكن أي دولة حتى الآن من القضاء عليه تمامًا.

ربما دفعت هذه النجاحات الجزئية شركات التبغ إلى تحويل استراتيجياتها نحو العالم النامي، الذي يفتقر في الغالب إلى سياسات صحية صارمة، مما يجعله سوقًا واعدة لتسويق منتجات التبغ، وسط التزام سياسي محدود بمكافحة الظاهرة، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.

حاليًا، يتفوق عدد الدول النامية على الدول الصناعية في قائمة البلدان الأكثر استهلاكًا للتبغ.

وتحتل دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مكانة بارزة في استهلاك منتجات التبغ، حيث من المتوقع أن يتجاوز حجم الإنفاق على التدخين في المنطقة 100 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2026، وفقًا لبيانات إيرادات صناعة التبغ.

8 صور متتالية للتبغ منذ مراحل جمعه من الحقل كنبات ثم تجفيفه بنشره في الهواء حاى يتحول لونه من الأخضر للبني ثم خرطه وتخميره ثم جمعه لبيعه جملة أو حشو ورق السجائر به

Getty Images
التبغ، الذي يُعدّ الحشوة الأساسية للسجائر، عبر مراحل تحويله من نبات إلى سجائر مرورا بتخميره

ومن أبرز الأضرار المرتبطة باستمرار التدخين في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، أن زراعة التبغ تتركز بالكامل تقريبًا في هذه الدول، ما يؤدي إلى آثار بيئية واجتماعية سلبية جسيمة، مثل إزالة الغابات، وعمالة الأطفال، وغيرها من المشكلات.

كما أن التدخين السلبي يمثل خطرًا إضافيًا في هذه الدول، حيث ينتشر التدخين في الأماكن المغلقة، خاصة داخل المنازل، مما يزيد من التعرض للمواد الكيميائية السامة المنبعثة من السجائر، وما يترتب على ذلك من مخاطر صحية.

حتى الآن، الإحصائيات غير مشجعة ولا يوجد ما يشير لانحسار ذلك الوباء قريباً في ظل نمو السكان العالمي وغياب الإجراءات المنسقة الشاملة التي تنفذ بفاعلية وفي ظل عدم الحد من تأثير كلِ من حملات التسويق الشرسة وجماعات الضغط كفئة تستفيد من الدفاع عن مصالح تجار التبغ.

على سبيل المثال، تشارك العديد من دول العالم العربي في نظام الترصد العالمي للتبغ (GTSS)، لكن القليل منها يستخدم المعطيات التي يتيحها للتخطيط لاستجابة مناسبة لوباء التدخين ولمكافحته. كما وأن آفة تدخين النرجيلة (المعروفة أيضًا باسم الشيشة أو الأرجيلة او المداعة) في المنطقة هو ولاشك عامل محفز لارتفاع نسب المدخنين.

وتتوقع منظمةُ العمل ضد التدخين والصحة البريطانية والتي تعرف اختصاراً بـ(ASH)، أن تستمر ظاهرة التدخين في تعميق مستويات الفقر في الدول النامية، ما لم تكن هناك ضوابط كافية في مكانها.

كما وأن توجه القصر للتدخين يشكل قضية ملحة وتقول المنظمة إن مستويات التدخين في تلك البلدان بين المراهقين مرتفعٌ بمقدار أكثر من أربعة أضعاف عما هي عليه في المملكة المتحدة وتحذر من التأخر الذي تعاني منه تلك الدول على هذا المضمار.

فتاوى التحريم تاريخية

رجلان في الزي اليمني التقليدي يدخن كل منهما سيجارته ويظهرا بفم منتفخ يتخذ شكل كرة التنس تقريبا لوضع القات في تجويف الفم

Getty Images
ﻤﻀﻎ ﺍﻟﻘﺎﺕ، بوضع أوراق النبتة الطرية داخل فمه حتى يمتلئ على أحد جانبيه، مرتبط بصورة شائعة بالتدخين ﻓﻲ ﺍﻟﻴمن ويحذر المختصون من أن له علاقة بمعدلات أكثر ارتفاعاً لحالات الإصابة بسرطان الفم والحنجرة

كانت الأرجيلة مع الشبك من الأدوات الأساسية الأولى التي استخدمها العالم الشرقي في تدخين التبغ قبل اختراع السجائر المصنعة، مقارنةً بالغليون (أنبوب خشبي) في الغرب، الذي تم نقله إلى هناك عبر السكان الأصليين في أمريكا.

كان اكتشاف السكان الأصليين لأمريكا لنبات التبغ حدثًا عرضيًا، حيث دخنوه في مناسبات مختلفة، حتى بلفه في لفائف أوراق غير مستوية الصنع على غرار السيجار، وأدخلوه في عقاقيرهم التقليدية وطقوسهم الدينية، وفقًا للتقارير التي وردت عنهم.

قد تجعل الصورة الذهنية السائدة من الإقبال على التبغ عادة شرقية، ربما بسبب رؤية الناس في المقاهي وهم يدخنون الأرجيلة جماعيًا.

لكن في الواقع، واجه التبغ معركة شاقة لقبوله في الشرق، حيث لم يُنتقل إليه إلا بعد اكتشاف كريستوفر كولومبوس للعالم الجديد، ثم تم حمله إلى الأوروبيين أولًا في القرن السادس عشر الذين تعرفوا عليه قبل بقية العالم.

سعت أوروبا لزراعة التبغ في أراضيها، وانتشر التبغ في جميع أنحاء العالم بعد فترة قصيرة بفضل البحارة البرتغاليين والأسبان الذين كانوا يبحرون عبر البحار حاملين سلعة التبغ. وتوسعت تجارة التبغ أيضًا مع حملات الاستعمار التي شملت مناطق مختلفة من العالم، إلا أنه لم يصبح منتجًا شعبيًا إلا بظهور السجائر في صورتها الحالية.

في محاولتنا لتتبع هذه الظاهرة تاريخيًا، وجدنا أن الفقهاء الدينيين في الإمبراطورية العثمانية استقبلوا التبغ بحذر وحيطة في نهاية القرن السادس عشر.

وكان هناك فرمان ضد “غواية” التدخين عام 1633 في عهد السلطان مراد الرابع، لكن قيوده لم تمنع الناس من التدخين، بل اتجهوا للقيام بذلك سرًا.

وفي عهد خليفته السلطان إبراهيم (1640-1648) تم رفع الحظر، لكنه فرض ضريبة على استخدام التبغ. ومع مرور الوقت، أصبح التبغ جزءًا من الحياة اليومية والاجتماعية في أوساط واسعة من الجمهور الشرقي، وتم زراعته محليًا في أرجاء الإمبراطورية العثمانية اعتبارًا من أواخر القرن السابع عشر، كما حدث في آسيا وأفريقيا.

ويُروى أن من بين أقدم فتاوى تحريم التدخين تلك التي صدرت في المغرب، حيث وصلت “تلك العشبة الخبيثة المسماة تبغة”، كما ورد في كتاب “نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي”، في عهد السلطان أحمد المنصور.

استفتى السلطان فقهاء الأمة، وكان بين من أفتى بجوازها، بينما مال البعض الآخر إلى تحريمها، وقال آخرون إن “العلم فيها متوقف عند الله سبحانه”. وفي النهاية، سارع عدد من هؤلاء الفقهاء لتحريمها بشكل مطلق. وتشير بعض المصادر إلى أن الجماهير الغاضبة كان لديها موقف شديد من هؤلاء الفقهاء المتشددين.

رجل يقف بدكانه الذي يبدو مثل دكان التوابل. مظهره والمكان بسيط وملامحه عربية ويعبي تبغا سائب

Getty Images
الصورة تعود لأحد آخر المتاجر التقليدية التي كانت تبيع التبغ السائب في العاصمة بغداد وشكا صاحبه من أن السجائر الجاهزة غزت السوق العراقية مع الغزو الأمريكي للبلاد في 2003 ما تسبب في كساد تجارته

رفعت بعض شعوب أوروبا التبغ إلى رتبة عالية، لكن هناك من تعاملوا معها آنذاك كمحظور اجتماعي، كما كان الحال في بافاريا، وساكسونيا وزيورخ.

وكان التحذير من التدخين قديمًا في أوروبا أيضًا، حيث أصدر ملك إنجلترا جيمس الأول في عام 1604، أول مرسوم في العالم يدين التدخين، محذرًا منه بقوله: “إنه منظر مقزز للعين، ورائحة فم كريهة للأنف، وضار للدماغ، وخطير على الرئتين”، في محاولة لاستقباح تعاطي هذه العشبة والتنفير منها.

لم يستحسن الملك البريطاني انتشار التبغ في المجتمعات، حتى أنه استنكر كيف أخذ الأوروبيون هذه العادة عن الأمم الأصلية في أمريكا. بل ذهب إلى أبعد من ذلك حين حذر من عواقب التبغ على الرئتين، ومن تأثير الدخان التراكمي الناتج عن التدخين في الأماكن المغلقة، والذي يتناثر في البيئة المحيطة.

على النقيض، وصف العالم الإنجليزي صاحب المؤلف الشهير “تشريح الكآبة”، روبرت بيرتون (1577 – 1640)، نبات التبغ بـ”العشبة الإلهية”.

نشأت الديانات الإبراهيمية الثلاث قبل انتشار عادة التدخين، إلا أن أبرز العلماء في مرجعياتها الدينية المعاصرة قد أجمعوا غالبًا على مكروهية التدخين وضرورة نبذه كعادة سيئة وكتعلق مؤذٍ.

ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية والبنك الدولي، يُعتبر الشخص مدخنًا إذا تعاطى التبغ بأي وسيلة، سواء كانت الأرجيلة أو السجائر الإلكترونية مثل البود والڤيب التي ظهرت حوالي عام 2010، أو السجائر التقليدية التي تظل الأكثر مبيعًا، مع وجود تفضيلات متنوعة بين المستهلكين للعلامات المحلية أو الأجنبية حاليًا.

لا تزال السجائر مشتعلة بين الأصابع هنا وهناك، رغم تأكيد العلم الآن بأنها مميتة. تصفها التقارير العلمية بأنها مسبب السرطان الظاهر والمرئي، الذي ندرك أنه يمكن الوقاية منه، لكننا نستمر في إنفاق المال مقابله

ترجح الأبحاث أن الوقوع في فخ التدخين قد يحدث بشكل محتمل جدًا عند محاولة تجربة سيجارتك الأولى. التدخين هو استنشاق الدخان الناتج عن احتراق التبغ، والذي يحتوي على آلاف المواد الكيميائية الضارة، بما في ذلك النيكوتين الذي يسبب الإدمان، والقطران الذي يسبب السرطان، وأول أكسيد الكربون الذي يقلل من قدرة الدم على حمل الأكسجين.

توجد العديد من أنواع السرطان التي تصيب المدخنين بنسبة أكبر، كما أن المدخن يظل عرضة للإصابة بمشاكل صحية أكبر كلما استمر في التدخين.

لعنة التبغ.. من يحل لغزها؟

صورة أبيض وأسود في الكونغرس الامريكي لمجموعة من الرجال بملامح غربية واقفين متراصين جنبا إلى جنب خلف منضدة وأياديهم قد رفعت لأداء القسم

Getty Images
1994، أدى مدراء مجموعة من كبريات شركات إنتاج السجائر العالمية القسمَ في الكونغرس الأمريكي بأن مادة النيكوتين لا تؤدًي للإدمان ولم يكن ذلك دقيقاً.

هل التعلق بالتدخين عقلي أم جسدي؟ من يحل اللغز؟

يقول الدكتور منير أبو هلالة، استشاري الطب الوقائي في الجامعة الأردنية ومدير معهد الصحة العامة لبي بي سي عربي “إن دوافع الإنسان لتجريب السيجارة كانت ولاتزال نفسية بالأساس، إما لوجود الإثارة لدى الفرد والسلوك الباحث عن التجديد أو كرد فعل لضغوطات نفسية واجتماعية معينة أو للوقوع تحت تأثير الأصدقاء”.

ويضيف: “لكن بمجرد سريان النيكوتين في الدم، يحدث ارتباط عضوي ويعرف الجسم الارتهان للنيكوتين، وهي مادة موجودة في نبات التبغ لها تأثير على هرمون الدوبامين. وهي مسؤولة عن الأعراض المتعلقة بالتدخين وثبت أنها تسبب نوع من الإدمان”.

ويتابع أبو هلالة: “ينتج النيكوتين تأثيرات مرضية في الدماغ، لكنها مؤقتة مما يجعلك ترغب في إشعال سيجارة أخرى وكلما دخنت زاد احتياجك للنيكوتين”.

ويؤكد الطبيب أن الدعم الطبي يبدأ عضوياً، ناصحاً من يبدأ رحلة العودة من التدخين بالتوجه أولاً للأخصائيين لتزويده بالعلاج الدوائي المناسب وإطلاق النيكونين من الجسم.

وللحد من نوبات الرغبة في التدخين، ينصح ببدائل النيكوتين، مثل اللاصق والعلكة، ويشير الى أن هذه البدائل قد تستخدم سويةً في بعض الحالات للمدخنين بدرجة متوسطة إلى شديدة.

كما يضيف أنه هناك بدائل أخرى يمكن استخدامها، كالدواء السائل أو الأقراص التي تحتوي على النيكوتين “لكنها تحتاج لاستشارة طبية”.

وعن العلاج بالليزر، أجاب “لا يبدو دقيقاً، تنقصه الدراسات ولا يفتح الآن نافذة أمل جديدة”.

وشدد أبو هلالة على ضرورة الالتزام باتباع بروتوكول علاجي يركز على تحسين أدائك البدني، بينما تعمل العلاجات السلوكية على دعم الخطة العلاجية البدنية الأساسية بتنمية المهارات المساعدة ذهنياً”.

وأضاف أنه وفي السيناريو المتفائل، يحتاج المريض 12 أسبوعاً للتعامل مع أعراض النيكوتين الانسحابية وخفض مستوياته بالدم.

يتفق الدكتور طارق السحرواي، استشاري ومدرس الطب النفسي بكلية الطب جامعة عين شمس بالقاهرة، مع هذا الطرح، ويؤكد لبي بي سي عربي أن “البواعث النفسية هي التي تقود الإنسان للتدخين في المقام الأول”.

ويرى أن الارتباط بالسيجارة بعد تذوقها، ينشأ نفسياً وليس عضوياً كما نتخيل “لأنه لدى الشروع في التدخين، نقوم بذلك في البداية بنمط غير منتظم حتى نطوّر العادة وهنا يكون النيكونين تمكّن من الدم فيصبح الارتباط عضوياً، وذلك بعد أن يعتاد الجسم على نسبة نيكوتين معينة يتولد عنها اللهفة للسيجارة”.

ويضيف: “لا يقف العامل النفسي عند هذا الحد، لأنه بتطوّر العادة، نجد مدخّن التبغ يعود لربط العادة هذه بمشاعره؛ كأن يتخذ التدخين وسيلة للاستجابة للضغوط، فيدخن كلما توتر أو يشعر بلذة التدخين وهو يقود سيارته صباحاً”.

وأكد أنّ التدخين يشكل في كثير من الأحيان ملامح السلوك “حسب درجة الاعتماد على السيجارة، لأن هناك من يقتطع من مصاريفه اليومية ويفضل التضحية بإحدى وجباته ولا تنقطع عنه السجائر”.

هناك أيضاً على حد قوله، “من يفقد عقله ويصير كالمجنون” عندما لا يجد السيجارة. وعند انسحاب النيكوتين من الجسم، سيتعرض المدخن لتحديات نفسية وسيكون هناك متغيرات على صعيد نومه، شهيته، اندفعاته وردود أفعاله.

وأكد أن الخلاص من عادة التدخين لن يكون سهلاً لمن اعتاد على جرعات كبيرة من النيكوتين يومياً.

مؤكداً أنّ العلاج الفسيولوجي في تلك الحالة يأتي في المقام الأول، ثم يتم تعزيزه بعلاج نفسي عبر نوع العلاج المعرفي السلوكي، فيتم تحديد سبب الارتباط بالتدخين أولاً، ثم يتم العمل على “كسر ذلك الارتباط” باستعمال بعض التكتيكات التي تمكّن المدخن من وقف اعتماده على السيجارة.

وعن إمكانية تفسير لماذا لا تنطفئ رغبة التبغ لدينا بمرور الزمن، رغم أن مستوى التحذير مرتفع بمخاطرها أجاب السحراوي: “لا يزال الوقوع في براثن هذه العادة المميتة دأب الإنسان لأن السبب ببساطة هو قوة العادة. تأثير العادة علينا أقوى من فكرة المخاطر وتتحكم بنا وبالتالي يكون هناك صعوبة كلما ترسخت العادات في اقتلاعها”.

ويضيف: “تلعب كذلك الحيل الدفاعية دورها في ذلك، فتعزلنا عن الواقع وتدير الأمور في أدمغتنا، لنميل لتصديق أن خطر التدخين قد يطال الآخرين، إلا أنه لن يطالنا، بحجة أنه لا داعي للتشاؤم وأننا قادرون على حماية أنفسنا وأن الخطر المرتبط بالتدخين هو مجرد وهم”.

Powered by WPeMatico

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.