هيفا وهبة ونور عريضة: العيب فيكم وليس فينا
تنظرُ هيفاء وهبي إلى الكاميرا وتعابير الاستياء واضحة على وجهها، بعد سماعها لتعليق كتبه مستخدم مجهول على إحدى صورها: “أريد أن أفرك (كلمة بذيئة) مع صوت”.
ذلك التعليق ليس إلا عيّنة من سلسلة تحرّشات لفظية قرأتها المغنية والممثلة اللبنانية بصوت عالٍ وعلى الملأ، مع نور عريضة، في فيلم قصير بعنوان “لا تخلّي حدا يسرق منك حريتك – التحرّش ليس افتراضياً”.
الشريط مبادرة أطلقتها عارضة الأزياء اللبنانية، في محاولة لكسر وصمة العار المرتبطة باستباحة أجساد النساء على مواقع التواصل.
في موقف يتحدّى التوقعات والأعراف، تقرأ هيفاء ونور بعض ما يصلهما من إساءات، وتعلّقان عليها.
تقول هيفاء: “دائماً ما يُقال إن هناك عيباً في جسم المرأة”. وتسأل نور: “لماذا صار من السهل على أيّ كان أن يكتب ما يريد؟ لماذا استسهال الأذى؟ لماذا هذه النظرة للمرأة العربية؟ كأنني لست أماً وكأنه ليس لدي قلب وروح وذكاء وعقل”.
وتتابع هيفاء: “العيب فيه وليس فيكِ. هل كان سيتجرأ على قولها أمام شرطي أو أمام والدته؟”
- الابتزاز الجنسي: “خلال ست ساعات، مات ابني”
- كيف كان الأخوان تيت يوقعان القاصرات الرومانيات في براثنهما؟
https://www.instagram.com/p/DFVbq2WsfsY
تقول المديرة الفنية والشريكة المؤسسة لوكالة “ريد ذا روم”، رنا خوري، التي عملت مع نور عريضة على تطوير فكرة الحملة: “أردنا القول إن مجرد وجود التحرّش على الإنترنت لا يجعله أمراً افتراضياً أو غير حقيقي. التحرّش، سواء كان إلكترونياً أو غيره، هو جريمة يعترف بها القانون. وفي بعض الحالات، يمكن أن تكون آثارها مدمّرة”.
وبحسب البيان الصحافي الصادر عن الحملة: “نور وهيفاء تتحديان الأعراف المجتمعيّة، للتأكيد على الحاجة الملحّة إلى تحرّك جماعي لمواجهة التحرّش، وأهميّة تعزيز الاحترام والمحاسبة في عالم الإنترنت”.
“الكلمات جريمة”
تتردّد النساء غالباً في تكرار ما يسمعنه من كلمات بذيئة، حتى بينهنّ وبين أنفسهنّ. يرمين الكلام الخادش بعيداً، على رفّ منسيّ في الذاكرة، يتعلّمن امتصاصه، وإن تسارعت دقات قلوبهنّ، أو كادت شرايينهنّ تنفجر من الشعور بالإهانة والغضب.
على مواقع التواصل، نتعلّم أن نردّ إساءة المتحرّش بحظر أو تبليغ، وأن نتجاهل، كأنّ ما يُلقى علينا من كلمات عشوائية – فيها اعتداء أو استباحة أو تعيير- يعيبُنا نحن ولا يعيب من كتبه أو تفوّه به.
تقول نور عريضة في الفيلم: “هذه الكلمات جريمة، وهذه التعليقات جريمة”، في ردّها على مستخدم يدعو إلى تبرير الاغتصاب والتحرّش بما تنشره المؤثرات على حساباتهن من صور، وما تخترنه من ثياب.
في الشريط الممتدّ على خمس دقائق، تحاول السيدتان اللتان يتابعهما الملايين، قلب الأدوار، واستعادة زمام السيطرة، من خلال قراءة عيّنات من التعليقات المسيئة، طُبعت على شرائط أفلام، وبُثّت على شاشة عرض ضخمة.
“الهدف من استخدام هذه التقنية كان تحويل تلك التعليقات التي نسمّيها افتراضية، إلى شيء حسيّ وملموس وواضح، للتذكير بأنها حقيقية”، يقول المخرج اللبناني إيلي فهد.
بواسطة تلك التقنية السينمائية، ظهرت التعليقات البذيئة أمامنا بوضوح، في إطار أكبر وأوسع من مساحة شاشات الهواتف، وبدون تجميل أو تخفيف أو تذويب.
أراد صنّاع العمل أن يضعوا المسؤولية في مكانها، على عاتق من يستبيحون الأدوات التي وفّرتها مواقع التواصل، لتحويلها إلى مساحات غير آمنة، خصوصاً بالنسبة للنساء والفتيات.
ليس حملة دعائية
التحرّش الإلكتروني ليس ظاهرة عابرة أو محدودة، خصوصاً في المنطقة العربية. توظف جمعيات ومنظمات كثيرة جهودها لحثّ النساء والفتيات على التبليغ ضد أي تحرّش أو ابتزاز جنسي قد يتعرّضن له على مواقع التواصل، ولكن التبليغ وحده قد لا يكون الحلّ.
وقد أشار تقرير لـ”هيئة الأمم المتحدة للمرأة” صدر عام 2021، إلى أن “نصف مستخدمات الإنترنت في الدول العربية يخشين التحرّش الإلكتروني”، وأن “واحدة من كل خمس نساء تعرضن للعنف الإلكتروني حذفن حساباتهنّ”.
يقول المخرج إيلي فهد: “هذا الشريط ليس حملة دعائية ولم تبادر لدعمه أي منظمة، والهدف منه هو أن نقول لأي فتاة مراهقة إنها لا ينبغي أن تخاف إن تعرّضت لهذا النوع من التحرّش أو الابتزاز، بل عليها فضح المتحرّش، وهو من يجب أن يخاف”.
وتشير رنا خوري إلى أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه شخصيات مؤثرة مثل هيفاء ونور، اللتين تمثلان “شرائح مختلفة من النساء، ويتابعهنّ جمهور من كل الفئات”.
تقول: “أردنا أن نذكّر أن التحرّش لا يستثني أحداً. نور كعارضة أزياء عالمية، تعرّضت للتعليقات السلبية والمسيئة حول جسدها، وشاركت في حملات كثيرة حول حقوق النساء، ما يجعلها صوتاً أصيلاً في هذه القضية. وهيفاء وهبي نجمة تعرّضت لهذا النوع من التحرّش لسنوات طويلة، وهي شخصية تمنحكِ إحساساً بالقوة والحرية”.
“قضيّة تهمّ الجميع”
خلال 24 ساعة على بثّه، حقّق الشريط نحو 7 ملايين مشاهدة، وتداوله مستخدمون ومستخدمات كثر على مواقع التواصل، ومنهم من شكروا نور وهيفاء على “شجاعتهما وجرأتهما في طرح هذا الموضوع”.
وكتب أحدهم: “تستحقان التقدير لتوظيف منبركما الواسع للحديث عن الكرامة والاحترام”. وكتبت معلّقة: “ليس من السهل قراءة ما تتعرّضان له من تنمّر وتحرّش، لقد حولتما الألم إلى قوة، ومنحتما صوتاً لكثيرات”.
يعتقد المخرج إيلي فهد أن مشاركة هيفاء لعبت دوراً أساسياً في إيصال الرسالة، لأنها “نجمة تحظى بشعبية كبيرة، وكل الناس تعرفها، وشعبيتها تجعلها قريبة من القلوب، ما يزيد من تأثيرها في نشر الرسالة”.
يقول إنه منذ عرض الشريط مساء الاثنين، وهو يتلقى رسائل من شابات خضن تجارب مماثلة. إحدى الشابات كتبت له: “عندما سمعتُ هيفاء تروي تجربتها، شعرتُ كأن لا شيء يمكن أن يوقفني بعد اليوم”.
في المقابل، رأت بعض التعليقات أن الحملة وغيرها من الحملات المشابهة المتعلّقة بحقوق النساء، “موجهة للنخب فقط”.
ذلك ما ترفضه رنا خوري، قائلةً: “هذا غير صحيح إطلاقاً. هذه القضايا ليست حصرية لفئة معينة من المجتمع، بل هي تمسّ الشرائح كافة، وكل فرد في المجتمع يمكن أن يتبناها ويدافع عنها لأنها تهم الجميع بلا استثناء”.
في مشاركة هيفاء ونور لتجاربهما، محاولة للقول أن الشهرة قد لا تحصّن النساء من الأذى، لكن يمكنها أن تكون أداة فاعلة لفضح المتحرّشين، وتذكير النساء بأنهنّ لسن مجرّدات من القوّة.
وتقول هيفاء في الفيلم: “لن أخجل يوماً من أنني امرأة. لن تغيّر هذه التعليقات طريقة تفكيري. أنا حرّة. أنا لا أنظر إليك وأحكم عليك بحسب ما ترتديه من ثياب”.
- تضامن مع الفنانة هيفاء وهبي بعد تعرضها لتنمر إلكتروني
- هل تخسر الحقيقة معركتها الأخيرة على منصات التواصل؟
Powered by WPeMatico
Comments are closed.