كيف ساهمت مصر وقطر في الوصول لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة؟
سلمى خطاب
القاهرة- بي بي سي عربي
اتفاق وُصف بأنه “الأصعب” للوصول إلى هدنة في قطاع غزة، بعد مفاوضات استمرت لأكثر من 15 شهرا بوساطة مصرية وقطرية وأمريكية، وعشرات الجلسات بين القاهرة والدوحة لمحاولة عديدة لوقف إطلاق النار في القطاع لم تكلل بالنجاح إلا مؤخرا.
التغيير في الإدارة الأمريكية لعب دورا واضحا في الوصول إلى هذا الاتفاق، فإرادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في وقف الحرب كانت معلنة منذ ترشحه للرئاسة، وتحدثت العديد من التقارير الصحفية أن ترامب مارس ضغوطا على رئيس الوزراء الإسرائيلي للقبول باتفاق وقف إطلاق النار قبل تنصيبه رئيسا في 20 يناير/ كانون الثاني. لكن كيف ساهمت كل من مصر وقطر في الوصول إلى هذا الاتفاق؟
منذ اليوم الأول للحرب، انخرطت مصر وقطر في الوساطة لوقف القتال، فمصر هي الدولة العربية الوحيدة التي تتقاطع حدودها مع قطاع غزة، وكان معبر رفح هو المنفذ الوحيد للقطاع الذي لا يسيطر عليه الجانب الإسرائيلي حتى أيار/ مايو الماضي، أما قطر فهي تستضيف قادة وأعضاء من حركة حماس على أراضيها منذ سنوات.
في حديث مع بي بي سي، يوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة مصطفى كامل السيد أن وساطة مصر وقطر تحديدا كانت ضرورية لإتمام المحادثات بين إسرائيل وحركة، حيث لا يعترف أي منهما بالآخر، ويرفضان الحوار المباشر مع بعضها البعض.
ويقول “حماس لا تثق بالولايات المتحدة، لذلك احتاجت واشنطن الوسيطين المصري والقطري لإجراء مباحثات غير مباشرة بين حماس وإسرائيل، وبدون الوسيطين المصري والقطري ما كان من الممكن أن تجري هذه المحادثات”.
أزمة ممر فيلادلفيا
طريق المفاوضات لم يكن سهلا للوسطاء، فخلال أكثر من عام تعثرت المفاوضات عدة مرات، وضغطت التغيرات على الأرض على مسار التفاوض، خاصة بعد دخول القوات الإسرائيلية إلى محور فيلادلفيا المتاخم للحدود المصرية في آيار/ مايو من عام 2024 وسيطرتها على الجانب الفلسطيني لمعبر رفح.
رفضت مصر هذا التطور لتعارضه مع اتفاقية كامب ديفيد الموقعة مع إسرائيل في عام 1978، وطالبت مرارا إسرائيل بسحب قواتها من الممر ومحيط معبر رفح. قالت إسرائيل حينها إنها سيطرت على الممر بعد تدمير أنفاق رصدتها تحته تُستخدم لتهريب الأسلحة إلى حركة حماس، الأمر الذي نفته القاهرة أيضا.
المطالبات المصرية بانسحاب القوات الإسرائيلية من ممر فيلادلفيا، تقاطعت مع مطالب حركة حماس بانسحاب كافة القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، وتحديدا ممري نتساريم الذي يقسم القطاع إلى نصفين وممر فيلادلفيا، الأمر رفضته إسرائيل، وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن القوات الإسرائيلية لن تنسحب تحت أي ظرف من الممرين.
وبحسب تقارير صحفية، قال مفاوضون أمريكيون، إن هذه النقطة شكلت عقبة كبيرة أمام الوصول إلى اتفاق.
ويقول أستاذ السياسية المصري إن “احتلال إسرائيل لممر فيلادلفيا شكل ضربة لهيبة الحكومة المصرية، لكن النظام المصري يتسم بالصبر الشديد، وحاولت مواجهة هذه الأزمة من خلال استخدام صلتها بالإدارة الأمريكية حتى تمارس الإدارة الأمريكية ضغوطا على إسرائيل لتقبل الانسحاب من هذا الممر”.
قطر واتهامات بتمويل الإرهاب
على الجانب الآخر، تعرضت قطر لحملة كبيرة تتهمها بـ”دعم وتمويل الإرهاب”، وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلنت الدوحة تعليق مشاركتها في المفاوضات بسبب ما وصفته بـ”عدم جدية الأطراف في التوصل إلى اتفاق”.
وقالت الخارجية القطرية حينها إن “قطر لن تقبل أن يستمر ابتزازها بهذا الشكل في إطار عملية الوساطة”.
في حديث مع بي بي سي، يقول المحلل السياسي القطري عبد الله الخاطر إن “إسرائيل ونتنياهو تحديدا مارسا ضغوطا كبيرة على قطر، وعاد الحديث أن قطر تحتضن وتدعم الإرهاب”، مضيفا “قطر حين دعمت قطاع غزة حتى في الجانب الإنساني كان هذا الدعم باتفاق مسبق، وكانت الولايات المتحدة على إطلاع بهذا الاتفاق”.
وتابع الخاطر “قطر لم تكن قادرة على الوصول إلى قطاع غزة دون اتفاق مسبق خاصة في الدعم الاستثماري والإنساني، وقطاع غزة لم يكن قادرا على الاستمرار دون الدعم القطري، لكن نتنياهو أراد الضغط على قطر لتقبل المقاومة بالاتفاق بشروط مجحفة، لذلك قطر علقت دورها في المفاوضات”.
“اتفاق الممكن”
يشمل الاتفاق ثلاث مراحل، يقتضي الانتقال لكل مرحلة، تنفيذ متطلبات المرحلة السابقة، من أبرز البنود التي نص عليها الاتفاق هي إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين تدريجيا، وإطلاق سراح سجناء فلسطينيين من السجون الإسرائيلية، كما ينص على انسحاب القوات الإسرائيلية من العديد من المناطق التي سيطرت عليها في قطاع غزة.
شمل الاتفاق أيضا إدخال 600 شاحنة مساعدات إنسانية إلى القطاع يوميا خلال أيام الهدنة، من بينها 50 شاحنة وقود، مع تخصيص 300 شاحنة لشمال القطاع.
في حديث مع بي بي سي، وصف أستاذ العلاقات الدولية بجامعة باريس خطار أبو دياب هذا الاتفاق بأنه “اتفاق الممكن”، مسترسلا “كل طرف رفع مطالبه إلى الحد الأقصى، فحماس كانت تتحدث عن تحرير القدس، وإسرائيل كانت تقول إنها ستقضى على حماس، لكنها في النهاية، لم تتمكن من استعادة الرهائن بالحرب”.
وقال “لا يمكننا إنكار أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو عراب هذا الاتفاق ودخوله على الخط هو ما ساهم بإنجازه، لكن قطر ومصر ساهمتا في التنفيذ والإخراج”.
ومع بداية العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، صرح مسؤولون إسرائيليون برغبتهم في تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى شبه جزيرة سيناء، وهو المخطط الذي رفضته مصر بوضوح وقالت إنها “لن تسمح بحدوثه”.
يقول أبو دياب إن “الاتفاق لا يعني أن هذه المشاريع انتهت، لا تزال عين إسرائيل على مشروع التهجير وعلى قبول مصر لذلك، لكن حتى الآن مصر لم ترضخ لذلك”.
الوساطة مستمرة
ويقول أبو دياب إن “المرحلة الأصعب” في هذا الاتفاق هي المرحلة الثالثة، “مرحلة اليوم التالي للحرب، وكيف سيكون شكل إدارة القطاع، ومن سيرعى هذا الاتفاق، وهذا يتطلب من الجانبين المصري والقطري الاستمرار في الجهود لبلورة والدفع باتجاه ترتيب البيت الفلسطيني”.
واليوم الأربعاء، قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إن إدارة معبر رفح ستكون لفلسطينيين غير تابعين لحماس ولا للسلطة الفلسطينية، في نفي لتقارير إعلامية أشارت إلى سيطرة السلطة الفلسطينية على المعبر.
وبحسب البيان الذي تناقلته وسائل إعلام إسرائيلية، فإن “قوة مراقبة حدودية، تابعة للاتحاد الأوروبي، ستتولى الإشراف على الموظفين الفلسطينيين العاملين في معبر رفح”، مؤكدا أن الجيش الإسرائيلي سيواصل تطويق المعبر “ولا يمكن لأحد أن يمر من خلاله دون مراقبة وإشراف مسبق وموافقة الجيش وجهاز الأمن الداخلي”.
يذكر أنه خلال العام الماضي استضافت القاهرة عدة جلسات لمحاولة إتمام المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، لكن دون تقدم يُذكر.
ويقول أبو دياب “يجب فرض ترتيب ما، ربما تشكيل حكومة تكنوقراط من الفلسطينيين تتولى إدارة قطاع غزة مؤقتا وتقبل بها حركتي فتح وحماس”، ويؤكد “من دون هكذا مرونة بين الفلسطينيين، سيكون الاتفاق مهددا، وسيمنح الفرصة لإسرائيل لمواصلة الحرب في غزة”.
لم ينته دور الوسطاء بالوصول إلى اتفاق، فكلا الطرفين، إسرائيل وحركة حماس، يتحفزان لبعضهما البعض، ودور الوسطاء في تثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ربما يوازي الجهد الذي بُذل في التوصل للاتفاق.
Powered by WPeMatico
Comments are closed.