ناجون من حادث غرق قارب سياحي مصري يتهمون السلطات بالتغطية على الحقيقة
قال ناجون من حادث غرق مركب “سي ستوري” في البحر الأحمر، إنهم خضعوا لضغوط من أجل التوقيع على “إفادات رسمية” مكتوبة باللغة العربية، لم يستطيعوا فَهم محتواها، وكانت قد تُرجمت من الإنجليزية على يد موظف تابع للشركة التي تشغّل المركب.
وقال الناجون إن الرجل حاول كذلك أن يجعلهم يوقّعون على مستندات تنازُل تفيد بأنهم لا يتّهمون أي شخص بارتكاب “مخالفة جنائية”.
وتحدثت بي بي سي مع 11 ناجيا، اتهموا جميعا السلطات المصرية بمحاولة التغطية على حقيقة ما حدث، قائلين إن المحققين كانوا مُصرّين على تحميل مسؤولية الحادث لـ “موجة مياه عالية”.
وكان مركب “سي ستوري” يحمل 46 شخصا عندما غرق في الساعات الأولى من يوم 25 نوفمبر/تشرين ثاني الماضي. وجرى انتشال أربع جثث، بينما لا يزال هناك سبعة مفقودين، بينهم غطّاسان بريطانيان.
وتقدمت بي بي سي بطلبات للتعليق إلى الحكومة المصرية وإلى شركة دايف برولايف بورد، لكنها لم تتلقَ أي ردّ حتى الآن.
ويوم الثلاثاء، نشرت بي بي سي اتهامات عديدة وجّهها ناجون، أشاروا عبرها إلى إخفاقات في عوامل السلامة على مركب سي ستوري.
وقال باحث متخصص في جغرافيا البحار إنه من غير المعقول أن تكون موجة عالية هي المتسببة في غرق المركب، مستنداً في قوله هذا إلى تحليل بيانات الطقس وقت وقوع الحادث.
تحقيق في المستشفى
لم تكد تمرّ ساعات من إنقاذ الناجين من الغرق في البحر، حتى وجدوا أنفسهم يخضعون لـ “تحقيق” على حدّ وصف أحدهم. وخضع بعضهم لهذا التحقيق وهو على سرير بالمستشفى، على أيدي أشخاص قيل للناجين إنهم كانوا قضاة.
أما الناجون الذين لم يكونوا بحاجة إلى تلقّي علاج في مستشفى، فقد خضعوا للتحقيق في منتجع قريب. وقال هؤلاء إنهم واجهوا نفس الشعور بالتعرّض لضغوط.
سارة مارتن، طبيبة بخدمة الصحة العامة البريطانية، قالت لبي بي سي: “أخبرونا بأنه لن يُسمح لأيّ منّا بمغادرة الغرفة قبل أن ينتهوا من إفادات الجميع”.
كان القضاة جزءا من تحقيق مصري في أسباب غرق المركب – لكن الناجين يقولون إنه لم يكن واضحا بالضبط مَن يقود هذه العملية.
وقال الناجون إن عملية ترجمة إفاداتهم الأوّلية إلى العربية على يد موظف تابع للشركة المشغّلة لمركب سي ستوري تُعدّ تضارُباً صريحا في المصالح.
هيسورا غونزاليز، غطاسة إسبانية، قالت لبي بي سي، إن الرجل من حيث المبدأ لم يقدّم نفسه على أنه موظف، وإنما اكتفى بالقول: “عليكم أن تخبروني ماذا حدث، ثم بعد ذلك سيكون عليكم أن توقّعوا على هذه الورقة”.
ولم نتبيّن إلا لاحقاً، عندما أخبرنا أشخاص عديدون أن هذا الرجل كان قد أخبرهم أنه يعمل لدى شركة “دايف برولايف بورد”.
وقال الناجون إن إفاداتهم، بعد أن ترجمها هذا الرجل، سُلّمت إلى محققين – وهو شيء أصاب ليزا وولف بالصدمة.
تقول ليزا: “القاضي الطبيعي لا يمكن أن يقبل ترجمة من شخص تابع لطرف أصيل في القضية”.
فرويديز أدامسون، إحدى الناجيات وهي محققة شرطة نرويجية، قالت لبي بي سي، إنه “ليس لديها أيّة فكرة” عمّا اشتملت عليه الصفحات الأربع المكتوبة باللغة العربية والتي أُعيدت إليها.
أوضحت فرويديز: “ربما كتبوا أيّ شيء. أنا لا أعرف علامَ وضعتُ توقيعي”.
وتحت توقيعها، كتبت فرويديز أنها لم تكن قادرة على قراءة الوثائق.
وتقول هيسورا: “لقد كنا مصدومين ولم نكن نفكّر في شيء سوى في العودة إلى بلادنا”.
“إخلاء مسؤولية”
يقول الناجون إن ممثلين عن شركة دايف برولايف بورد، أيضاً حاولوا أكثر من مرّة الضغط عليهم من أجل التوقيع على مستندات إخلاء مسؤولية تفيد بأنهم “لا يتّهمون أي شخص بارتكاب أيّ مخالفة جنائية”.
جاستن هودغيز، غطّاس أمريكي وأحد الناجين، قال لبي بي سي: “إن مستند إخلاء المسؤولية” كان مكتوبا بالإنجليزية، وقد سُلّم إليه بينما كان يُدلي بشهادته.
وقال جاستن إنه ظنّ بادئ الأمر أن الشخص الذي كان يتحدث إليه هو “مسؤول”، لكن في تلك اللحظة علم أن هذا الشخص يعمل لدى الشركة المشغّلة للمركب.
يتذكر جاستن: “جاء هذا الشخص بصُحبة المسؤولين. وحقيقة أنه حاول أن يدفعنا إلى التوقيع على مستند لإخلاء المسؤولية، كانت تدفعني إلى الجنون في تلك اللحظة”.
وهناك على الأقل أفراد من الناجين الذين تحدثوا لبي بي سي، رفضوا التوقيع على المستند.
وجميع الناجين الذين تحدثوا لبي بي سي قالوا إنه لم يُسمح لهم بالاحتفاظ بنُسخ من إفاداتهم.
لكن بي بي سي علمتْ أن البعض كان قد تمكّن من ترجمة المستندات عبر الاستعانة بالهواتف المحمولة. وقال هؤلاء إن كافة التفاصيل المرعبة التي سردوها في إفاداتهم لم يكن لها أيّ أثر في المستندات التي سُلمت إليهم لاحقا للتوقيع عليها.
تقول ليزا: “كل ما يتعلق بحالة قوارب النجاة وعوامل السلامة على المركب لم يرِد لها أيّ ذِكر”.
نفس الرواية قالتها سارة وهيسورا لبي بي سي. “لقد كتبوا ما يريدون كتابته فقط”، على حدّ تعبير هيسورا.
“البحر هو المسؤول الوحيد”
أيضاً، قال الناجون إن السلطات بدتْ مُصرّة على تحميل مسؤولية هذه المأساة على “موجة مياه عالية” منذ البداية.
هذا على الرغم مما يقوله كثير من الناجين بأن الأمواج لم تكن من الارتفاع بحيث تُغرق المركب.
وقال باحث متخصص في جغرافيا البحار لبي بي سي، إن بيانات الطقس من أقرب ميناء جوي تؤيد كلام الناجين بقوة.
وقالت هيسورا لبي بي سي، إنها كانت قد تساءلت عمّا إذا كان بإمكانها الحصول على نسخة من التقرير النهائي الذي خلص إليه المحققون، لكنْ قيل لها إنه لا حاجة لذلك.
تقول هيسورا: “بدا الأمر وكأنهم بالفعل قد عرفوا أن السبب في الغرق كان هو موجة مياه”.
وعندما عادت هيسورا للسؤال مجددا، قيل لها إن “المسؤول الوحيد عما جرى هو البحر”.
وتعتقد هيسورا أن السلطات كانت بالفعل قد اتخذت قرارها حتى قبل بداية التحقيقات”.
وتشارك سارة، هيسورا في مخاوفها، قائلة إن القضاة كانوا كذلك “حريصين جدا” على ألا يلقي الناجون باللائمة فيما حدث على أي شخص.
وقال ناجون عديدون لبي بي سي، إنهم أُخبروا بأن عليهم إذا أرادوا تحميل مسؤولية ما حدث لأيّ شخص، أنْ يحددوا اسم هذا الشخص وكذلك الجريمة التي يتهمونه بارتكابها.
تقول سارة: “مجرد أنني لا أستطيع تسمية الشخص والجريمة، لا يعني أنني لا أحمّل أحدا المسؤولية”.
ويقول جاستن هودغيز إن آخر محاولة قامت بها شركة دايف برولايف بورد لحَمْل الناجين على توقيع مستندات إخلاء المسؤولية، جرتْ بينما كانت مجموعة من هؤلاء الناجين تحاول مغادرة القاهرة.
ولأنهم فقدوا تأشيرات السفر في البحر بسبب الحادث، قال ممثّل عن الشركة لهذه المجموعة التي تحاول مغادرة القاهرة إن المستندات التي كانت تُقدَّم إليهم هي أوراق تخليص وتصاريح للمرور من نقاط التفتيش.
“لكنني لاحقا اطّلعتُ على المستندات وتحديداً على الجزء الأخير منها، وعندما وقعتْ عيني على الجملة الأخيرة وجدتُ السؤال نفسه الخاص بإخلاء المسؤولية” – نُسخة من المستند الذي يقول جاستن إنهم طلبوا منه أن يوقّع عليه عندما أدلى بشهادته.
عندئذ سارع جاستن بالذهاب إلى الناجين الآخرين لتحذيرهم، ولكنْ عندما عاد إلى الرجل الذي كان يحاول تضليله، وجد أن الأوراق “كانت قد اختفى أثرها” واستُبدلت بأوراق تبدو رسمية الطابَع بدرجة أكبر.
يقول جاستن: “كان الدم يغلي في عروقي”.
ولم يتسنّ لبي بي سي الاطلاع على مستندات إخلاء المسؤولية أو على نُسخ منها.
بريطانيان لا يزالان مفقودين
البريطانيان المفقودان هما جيني كاوسون، وطارق سينادا، وهما من منطقة ديفون جنوب غربي إنجلترا.
وتقول عائلتهما وكذا أصدقاؤهما، إنهم تلقوا من الحكومة المصرية معلومات “مبتورة وغير دقيقة”.
على سبيل المثال، بعد الكارثة، قالت عائلة وأصدقاء جيني وطارق، إنهم أُبلغوا أنّ القارب لم يتم العثور عليه بعد – على الرغم من الحقيقة التي كانوا حينها يطالعونها على شاشة التلفاز وهي إنقاذ ناجين من الحادث.
ويطالب هؤلاء بإجراء تحقيق مفتوح.
أحد هؤلاء الأصدقاء، يُدعى أندي وليامسون، يقول: “بدا الأمر وكأن السلطات المصرية تحاول جاهدة أن تغطّي على حقيقة ما حدث. يريدون حماية صناعة السياحة لديهم”.
وفي مارس/آذار الماضي، أمسكتْ النار في مركب آخر (سي لِيجِند أو أسطورة البحر) تشغّله أيضا شركة دايف برولايف بورد – وراح ضحية الحادث سائح ألماني.
وفي العام الماضي، أصدرت هيئة المسح البحري الدولية، وهي مؤسسة استشارية مستقلة، تقريرا بخصوص السلامة على قوارب الغطس في البحر الأحمر.
وفتّشتْ المؤسسة ثمانية مراكب، لم يكن أيّ منها تابعاً لشركة دايف برولايف بورد، ووجدت المؤسسة أنّ أياً من هذه المراكب “لا يعمل بنظام صيانة مخطّط له، أو بنظام لإدارة السلامة أو وفق كُتُب خاصة باستقرار المراكب أو السفن”، وهي ذات أهمية شديدة لتفادي حوادث انقلاب المراكب.
كما كشف التقرير أن معايير تصميم هذه القوارب “بائسة مع افتقار كل المراكب لوجود حواجز مانعة للمياه، وأبواب وفتحات”.
وخلص التقرير إلى أن أياً من هذه القوارب لم يكن مؤهلا للغطس، وأن هذه الصناعة في مصر “تعمل بلا ضوابط إلى حد كبير”.
“بمنتهى الجديّة”
وفي السابع من يناير/كانون الثاني الماضي، أرسل 15 ناجيا، بينهم عديدون ممن تحدثوا لبي بي سي، رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى غرفة سياحة الغوص والأنشطة البحرية في مصر، وهي الجهة المعنيّة بتنظيم كافة أنشطة الغطس، وهي تابعة لوزارة السياحة.
وفي رسالتهم، أعرب هؤلاء الناجون عن مخاوفهم بشأن عوامل السلامة والأمان في قوارب الغطس في مصر، متسائلين لماذا لا تزال شركة دايف برولايف بورد تمارس أعمالها في تشغيل قوارب للغطس.
وفي يوم 9 يناير/كانون ثاني، ردّ المدير العام لغرفة سياحة الغوص والأنشطة البحرية المصرية بالقول إن هناك تحقيقا جاريا في القضية، وإن الأمر يُعامَل “بمنتهى الجديّة”.
وأضاف بأن “إجراءً مناسبا” سيُتّخذ “ضد أيّ إهمال … نجَم عنه مساس بسلامة الناس”.
- ظلوا محاصرين في الظلام لمدة 35 ساعة…ناجون من حادث غرق قارب سياحي مصري يروون قصصا مرعبة
- “شبح عبور مياه بحر المانش المميتة لا يزال يلاحقني”
- غطاسون يتحدثون لبي بي سي عن تحديات عملية الإنقاذ بعد غرق مركب سياحي في البحر الأحمر
Powered by WPeMatico
Comments are closed.