بي بي سي ترصد الأجواء داخل أحد مراكز التسوية في دمشق، حيث سلّم المئات من جنود النظام السابق أسلحتهم
في ليلة السادس من ديسمبر/ كانون الأول، كان محمد النداف، الجندي في الجيش السوري، في موقعه في حمص.
مع تقدم قوات المعارضة السورية المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام إلى داخل المدينة، بعد أيام من فرض سيطرتها على حلب وحماة في هجوم خاطف، قرر محمد أن لا يقاتل.
وقال “لم تكن لدينا أوامر ولا معلومات. خلعت بزتي العسكرية وتركت أسلحتي وشقيت طريقي إلى قريتي في طرطوس”.
وفي نفس الوقت تقريباً، كان محمد رمضان متمركزاً في موقع على أطراف العاصمة دمشق.
“لم يكن هناك من يعطينا الأوامر. لقد فر العديد من قادتنا قبلنا. لذلك فكرت، لماذا علي الموت والقتال من أجل شخص لم يمنحني حتى راتباً كافياً لأتمكن من إطعام أسرتي؟”، وفق رمضان.
يضيف رمضان: “وجبات الطعام اليومية كجنود، بيضة واحدة وحبة بطاطا”.
وفي صباح اليوم التالي، غادر هو أيضاً موقعه وعاد إلى منزله.
شهادة الجنود تقدم نظرة ثاقبة عن الانهيار السريع لنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
بالنسبة للعديد من قواته المحبطة التي تتلقى رواتب زهيدة على الأرض، فإن السرعة التي تفككت بها دفاعاتهم في مواجهة هجوم المعارضة، لم تكن مفاجئة.
فيما أبلغ العديد من الجنود أنهم يتلقون راتباً شهرياً يقل عن 35 دولاراً (28 يورو)، واضطروا إلى العمل في وظائف أخرى لتدبير أمورهم، في بلد لا يغطي هذا الأجر سوى جزء بسيط من تكاليف المعيشة الأساسية.
كان محمد رمضان يمسك ببندقيته المكلف بها سابقاً عندما التقيناه رفقة عدد آخر في دمشق، بعد أكثر من أسبوعين من سقوط حكم الأسد، في “مركز تسوية” تديره هيئة تحرير الشام.
إذ أتيح للجنود السابقين وضباط الشرطة والمخابرات وأي شخص كان جزءاً من القوات الموالية للأسد، التسجيل للحصول على بطاقة هوية مدنية مؤقتة وإيداع أسلحتهم.
وأعلنت هيئة تحرير الشام عن عفو عام عن العاملين في النظام السابق.
وقال العضو في المجموعة المشرفة على مراكز التسوية في دمشق، وليد عبد ربه، إن “الهدف هو إعادة الأسلحة التي منحها النظام السابق إلى الدولة. وأن يحصل أفراد القوات على بطاقة هوية مدنية ليتمكنوا من الاندماج مجدداً في المجتمع”.
وتحت حكم الأسد، كان التجنيد في الجيش إلزامياً للذكور البالغين. وكان على المجندين تسليم بطاقات هويتهم المدنية ومنحهم بدلاً منها بطاقات عسكرية.
وبدون هوية مدنية، يصعب الحصول على وظيفة أو التحرك بحرية في البلاد، وهو ما يفسر جزئياً توجه عشرات الآلاف إلى المراكز في مدن مختلفة.
وفي مركز كان مكتباً لحزب البعث الذي ينتمي إليه الأسد، في دمشق، احتشد مئات الرجال أمام البوابة رغبة في الدخول.
إذ حرص الكثيرون على إبعاد أنفسهم عن جرائم النظام.
وقال محمد النداف، “لم أشارك في أفعالهم السيئة، اعتبرها أفعالاً مشينة. فعلت كل شيء لتجنب أن أكون جزءاً من المجازر والجرائم ضد السوريين”.
“لقد حاولت مغادرة الجيش مرتين لأنني كنت أعلم أنني على الجانب الخطأ. لكن لم يكن من الممكن الهروب. كان الجيش يحتفظ بكل وثائقي المدنية”، بحسب النداف.
وقال، سومر الحموي، الذي خدم في الجيش لـ 24 عاماً، “غالبية الناس لا تعرف أي شيء، حسنا؟ بالنسبة لي، لا أعرف ماذا حدث في صيدنايا أو في أي سجن آخر”.
لم تتمكن بي بي سي من التحقق من صحة ادعاءاته بشكل مستقل.
كان الغضب واضحاً تجاه النظام وقرار الأسد الفرار إلى روسيا في 7 ديسمبر/ كانون الأول مع اقتراب قوات المعارضة من دمشق.
وقال سومر “هو (بشار الأسد) أخذ الكثير من المال وهرب. ترك كل هؤلاء الناس، تركنا كلنا العسكريين لمواجهة مصيرنا”.
ظهر القلق على الكثير من الوجوه بين الحشود في مراكز التسوية، لكن البيئة بدت ودية نسبياً، على الرغم من أن الحرب الأهلية التي استمرت 13 عاماً خلفت أكثر من نصف مليون قتيل.
وقال محمد النداف “الجميع أخبرني أن الأمر آمن، وأن أذهب لعمل تسوية في المركز. ضمانات السلامة التي قدمتها هيئة التحرير الشام أحدثت فرقاً كبيراً”.
غير أن تقارير تتوالى من أجزاء مختلفة من سوريا عن هجمات انتقامية مشتبه بها تشمل القتل والخطف والحرق المتعمد. ولا تتوفر إحصائيات موثوقة عن عدد الهجمات التي وقعت لكن نشرت العشرات على وسائل التواصل الاجتماعي.
والأسبوع الماضي، قتل 3 قضاة يحكمون في قضايا تتعلق بالملكية في بلدة المصياف الخاضعة سابقاً لسيطرة النظام في شمال غرب سوريا، وهم منذر حسن، ومحمد محمود، ويوسف غنوم.
مصادر في المستشفى حيث فحصت جثث القضاة قالت لبي بي سي، إنهم تعرضوا لضربة في الرأس بأداة حادة.
ذهبنا لزيارة منزل منذر حسن في قرية العامرية، لكنه كان فارغاً وبارداً ويبدو أنه بحاجة إلى إصلاحات.
وقالت زوجة منذر، ناديا عبدالله، لبي بي سي، إنها تعتقد أن زوجها استهدف لأنه علوي، وهي الأقلية التي تنحدر منها عائلة الأسد، والتي ينتمي إليها العديد من النخبة السياسية والعسكرية في النظام السابق.
وقالت “طالما أنهم قضاة في محاكم مدنية وليس جنائية، أعتقد أنهم قتلوا لمجرد أنهم كانوا علويين. لم يستفد كل العلويين من بشار الأسد. أولئك الذين عملوا لصالح النظام كانوا مجبرين على تنفيذ الأوامر، وإلا فستفرض عليهم إجراءات وحشية”.
وقال نذير، شقيق منذر، إنها “جريمة ضد شخص بريء. إنها غير مقبولة. الذين قُتلوا لا علاقة لهم بسياسات النظام. كانوا يعملون لإعالة أسرهم الفقيرة”.
وكان منذر أباً لأربعة أطفال صغار، وكان المعيل الوحيد في عائلته، وكان يعتني بأبيه المريض وأخيه.
وقالت عائلته إنهم تحدثوا علناً لأنهم يريدون منع حدوث مثل هذه الوفيات مستقبلاً.
وقالت ناديا “الجميع يقول إن هيئة تحرير الشام لم ترتكب الجريمة. لكن باعتبارها السلطة الحاكمة الآن، يتعين عليها أن تكتشف من ارتكب الجريمة. ويتعين عليها ضمان الحماية لنا”.
وأدانت الحكومة الانتقالية التابعة لهيئة تحرير الشام قتل القضاة، وقالت إنها ستعثر على الجناة. ونفت كذلك تورطها في أي عملية قتل انتقامية.
وعقب مقتل القضاة، شهدت المصياف تظاهرات، وقال علويون لبي بي سي إنهم يشعرون بالقلق على سلامتهم.
فيما أعلنت هيئة تحرير الشام عفواً عن قوات الأسد، كما قالت إنها ستحاسب كل من تورط في التعذيب والقتل. وسيكون تحقيق هذا التوازن أمراً صعباً.
وتعيش سوريا الآن مرحلة دقيقة، بعد أسابيع على سقوط النظام.
- لبنان يعيد عشرات الضباط والجنود السوريين من نظام الأسد إلى بلادهم
- لماذا شيّد آل الأسد تماثيلهم في كل سوريا؟
- إطلاق عملية أمنية في غرب سوريا لملاحقة “ميليشات الأسد”
Powered by WPeMatico
Comments are closed.