مسيحيون في سوريا: نتطلع للأمان ونخشى التطرف

IMG 1363 Cedar News

 سالي نبيل: في اليوم الذي سقط فيه حكم الرئيس السوري بشار الأسد، أصيب أهالي بلدة معلولا ذات الأغلبية المسيحية بحالة من الفزع. فر بعضهم باتجاه دمشق عقب انسحاب الجيش السوري النظامي من بلدتهم الواقعة في ريف العاصمة، إثر تقدم مقاتلي هيئة تحرير الشام الذين “أطاحوا” بحكم الأسد.

لكن في الأيام القليلة الماضية، بدأ الأهالي يعودون إلى بلدتهم.

من على تلة مرتفعة بريف دمشق، وقفنا لنشاهد معلولا ذات الطابع الأثري، بدت ببيوتها وكنائسها القديمة وكأنها صفحة من صفحات تاريخ سوريا الممتد.

“أطالب بأن تكون معلولا منزوعة السلاح،” هكذا حدثنا الأب فادي برغيل رئيس أحد الأديرة بمعلولا.

“نخشى التطرف”

كثرت التساؤلات في الآونة الأخيرة عن كيفية تعامل هيئة تحرير الشام، ذات المرجعية الإسلامية، مع الأقليات العرقية والدينية في سوريا، وهي كثيرة. فالتركيبة السكانية لهذا البلد قد يراها البعض معقدة في حين يراها البعض الآخر ثرية ومتنوعة.

يخشى الأب فادي من “التطرف الإسلامي”، فهو يتخوف من أن تُفرض على المسيحيات تغطية الرأس، أو تقيد حرية الأقلية المسيحية في ممارسة طقوسها الدينية وإقامة الصلوات وقرع أجراس الكنائس.

ويضيف “ليس هذا هو الإسلام الذي دعا إليه النبي محمد”.

علمنا أن السكان الذين فروا من معلولا في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي إثر سقوط حكم الأسد، كانوا يتخوفون من تكرار سيناريو عام 2013. حينذاك دخلت إلى البلدة جبهة النصرة التي كانت مرتبطة بتنظيم القاعدة، لتسيطر على معلولا لسبعة أشهر تقريبا. باتت البلدة حينها أشبه بساحة الحرب. يتذكر الأهالي كيف وقعوا ضحية للقتل والخطف وتعرضت بيوتهم وكنائسهم للحرق والتخريب.

فكت جبهة النصرة ارتباطها بتنظيم القاعدة لاحقاً، لتتأسس بدلاً منها هيئة تحرير الشام التي ضمت عدة جماعات مسلحة.

يخبرنا الأب فادي أن جبهة النصرة خطفت أخاه في عام 2013، لأكثر من خمسين يوماً. ويقول “عذبوه وحبسوه داخل مرحاض صغير وظل محروماً من رؤية نور الشمس”. يوضح أنه لا يستطيع أن ينسى وجعه الشخصي لكنه يجب أن يمد يده بالتسامح، طلباً لغد أفضل.

يخبرني أنه يشعر بالأمان حالياً، ويضيف “تواصلنا مع بعض المقربين من القيادة الحالية وأكدوا لنا أنه ما من قيود على ممارساتنا الدينية، حيث سنتمتع بكامل حريتنا”.

قداس الأحد

رحل الأسد عن السلطة في يوم الأحد، حينها لم تقم الصلوات في معلولا بسبب توتر الوضع الأمني وخوف الأهالي. في قداس الأحد التالي لسقوط نظام الرئيس السابق، صدحت أصوات الصلوات في أنحاء معلولة وبدا المصلون متفائلون بالمستقبل لكنه ظل تفاؤلاً حذراً. فالكنيسة التي أقيم بها القداس نالها قسطاً وافراً من الضرر في عام 2013، لكن أعيد بناء ما احترق منها بعهد بضع سنوات.

وتقول مريم قلومة التي ترتاد الكنيسة بانتظام “هذه المرة جاءت هيئة تحرير الشام إلينا بالأمان، على عكس المرة الماضية، حين كسرت جبهة النصرة الصلبان ومحت الأيقونات الدينية”.

“احترق قلبي”

فرت حنينة تعلب من معلولا بعد دخول جبهة النصرة، لتعود إلى بلدتها بعد ست سنوات تقريبا. تقول إنها قررت الرحيل بعد أن قتل المسلحون ابنها سركيس إثر رفضه إشهار إسلامه.

لم تتمالك دموعها وهي تسترجع هذه الوقائع المؤلمة “حين أخبرهم أنه مسيحي وسيبقى مسيحي أطلقوا عليه النار.” كان سركيس طالباً جامعياً حينها.

وتقول حنينة إن صورته لا تفارقها “احترق قلبي، فمن ذهب لن يعود”. وتخبرني أنه في اليوم التالي لمقتل ابنها أحرق المسلحون منزلها لتضطر إلى الفرار.

وتستطرد بوجه يكسوه الأسى “لا يعنيني البيت لكن ما يوجعني هو ابني الذي كان في عمر الزهور”.

رغم حزنها الدفين، إلا أن حنينة تؤكد أنها لا تشعر “بحقد على أحد” وتتطلع لأن تعمل هيئة تحرير الشام “على تحرير البلاد من الظلم لتكون اسماً على مسمى”.

حنينة.
حنينة.

عيد الميلاد

لا تزال هيئة تحرير الشام مدرجة على قوائم الإرهاب في العديد من الدول الغربية على رأسها الولايات المتحدة. ولا يعرف حتى الآن متى يمكن أن تغير تلك الدول موقفها من الهيئة، لكن بالتأكيد ستلعب معاملة الهيئة للأقليات دوراً في هذا الأمر.

ونحن نهم بالرحيل عن البلدة شاهدنا الأهالي وقد بدأوا في إقامة شجرة ضخمة لعيد الميلاد، الموافق الخامس والعشرين من ديمبر/ كانون أول الجاري، في أحد الميادين العامة.

يأمل أهالي معلولا في طي صفحة الماضي وتضميد الجراح ليبدأوا حياة جديدة خالية من الخوف. قد يستغرق ذلك بعضاً من الوقت وسيحتاج بالتأكيد للمزيد من رسائل الطمأنة.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.