الفحص الجيني ينهي فرحة عائلة أردنية باستعادة ابنها من سجون الأسد، ويعيد أحمد لعائلته السورية
بعد سقوط حكم الأسد في سوريا، استقبلت عائلة بشير البطاينة، نجلها أسامة المفقود في سوريا منذ 38 عاماً بعد الإفراج عنه من سجن سوري وفق إعلان السلطات الأردنية، لكن اليوم التالي حمل للعائلة خبراً آخر: المفرج عنه ليس أسامة.
وتبين لاحقاً بعد إجراء فحوص جينية عدة، أن المفرج عنه، سوري من طرطوس واسمه أحمد إبراهيم، والذي سُلم لذويه للعودة من جديد إلى بلاده سوريا.
ففي ظل اكتظاظ منصات التواصل الاجتماعي بأخبار المعتقلين المفرج عنهم بعد سقوط حكم الأسد في سوريا، برز مقطع مصور يُظهر شخصاً مرهقاً بملامح كهل بعد إخراجه من سجن صيدنايا في ريف دمشق وهو شارد الذهن غير مكترث بالضجيج من حوله ونطق “من إربد”.
بعد ذلك، قيل أن هذا المعتقل المفرج عنه أردني يُدعى أسامة البطاينة.
صباح الثلاثاء العاشر من ديسمبر كانون الأول، أعلنت وزارة الخارجية الأردنية عبر وكالة الأنباء الرسمية (بترا) وصول “المواطن الأردني أسامة بشير البطاينة الذي كان معتقلاً في سجون النظام السوري السابق”.
وأضافت الوزارة أن البطاينة “وُجد فاقداً للوعي والذاكرة، وهو من مواليد عام 1968 واختفى منذ 1986، وكان عمره 18 عاماً وبقي في السجن 38 عاماً”.
واستقبلته العائلة في مدينة إربد شمال الأردن، وجرى لقاء قَبّل خلاله المفرج عنه يد بشير البطاينة، وهي عادة اجتماعية يقبل فيها الابن يد والده تعبيراً عن الاحترام.
في اليوم ذاته، حُول المعتقل المفرج عنه إلى مستشفى في العاصمة الأردنية عمّان، وخضع لفحص الحمض النووي (DNA) الذي أثبت “عدم تطابق الفحص الجيني الوراثي بين أحد الأشخاص المفرج عنهم من السجون السورية وأسرة بشير حسن الظاهر البطاينة”.
وتبين عدم وجود “صلة قرابة بيولوجية بين الطرفين”، وفق إعلان الأمن العام الأردني.
وقال وزير العمل الأردني الأردني السابق نضال البطاينة الذي رافق المعتقل بعد وصوله الأردن، الخميس، إن اتصالات كثيرة ترد من أشخاص يشتبهون في كون المفرج عنه أحد أفراد عائلاتهم، وطالب العائلات التي لديها دلائل أو شكوك بشأن هويته، “إجراء الفحص الجيني وإرسال النتيجة”.
في الأسبوع التالي، قال مدير عام مستشفى الرشيد رفعت المصري لبي بي سي، إن المستشفى استقبل المفرج عنه وقدم له الرعايا الصحية التي شملت 11 اختصاصاً طبياً.
وبعد أن أظهر الفحص الجيني أن المفرج عنه لا ينتمي لعائلة البطاينة تكفل المستشفى بتقديم الرعاية الصحية وتحمل الكلفة حتى يتضح أمره، لتتهافت العائلات من الأردن وخارج الأردن على المستشفى للتأكد من كونه أحد أفراد عائلاتهم، وفق المصري.
وأوضح المصري أن عائلة سورية أرسلت عينة إلى الأردن بالتنسيق مع المختبر الجنائي في الأردن وحدث تطابق مع المفرج عنه، وخلال هذه الأيام حدث تحسن في الصحة النفسية والعضوية له وبالتالي بات وضعه يسمح بالخروج والسفر لسوريا.
حالة من عدم اليقين
وظهر لافتاً حالة عدم اليقين بشأن هويته قبل التعرف عليها أخيراً، إذ قال أحد الأشخاص في منصة فيسبوك، إن الشخص الظاهر في المقطع سوري من مدينة طرطوس السورية، وأنه كان مسجوناً معه.
ونشرت سيدة منشوراً في فيسبوك تقول فيه إن الظاهر في المقطع المصور من قرية “كفرون سعادة” في ريف طرطوس و”خُطف من بيروت في 1986 عن طريق المخابرات السورية”.
كاتالينا سعادة، قالت لبي بي سي: “عندما شاهدت المقطع الخاص بالمفقود، لاحظت وجود شبه بينه وبين أقاربي”، وتحدثت كاتالينا مع والدها ووالدتها الذين أكدوا وجود الشبه مع مفقود من العائلة يُدعى حبيب سعادة.
وأوضحت أن حبيب: “خُطف من بيروت عام 1986 عن طريق المخابرات السورية”، ونُقل إلى السجون السورية.
وأشارت إلى وصول خبر منذ عامين ونصف يفيد بوجود حبيب سعادة وهو شقيق جدها في سجن صيدنايا.
“سنقدم تحاليل إلى الأردن حيث يوجد المفقود، وستؤخذ عينة من جدها المتواجد في قرية كفرون سعادة في ريف طرطوس … وهناك تواصل مع وزارة الداخلية الأردنية للتنسيق بشأن الإجراءات”.
تريد كاتالينا معرفة أي خبر عن حبيب، وتقول: “جدي سيرتاح إذا وجد شقيقه”.
وفي الأردن، يشتبه قاسم بشتاوي وعائلته أن المفرج عنه هو ابن عمه أحمد البشتاوي.
وقال قاسم لبي بي سي، أن ابن عمه، كان من المقاتلين الفلسطينيين وخُطف من لبنان ونُقل إلى سوريا.
وفي 1995، أتاهم مفرج عنه يخبرهم بوجود أحمد في سجن صيدنايا، وحاول ذووه الوصول إليه في سجن صيدنايا، لكنهم تعرضوا للتهديد من رجال أمن في سوريا، وفق قاسم.
“ننتظر رحمة الله”
ووصف بشير البطاينة هيأة المفرج عنه بـ”الهيكل العظمي” ويقول إنه “فاقد للذاكرة ومنظره يقطع القلب.. كل ملامحه تغيرت”، وذلك عند اعتقاده أنه نجله أسامة.
“مسك يدي طويلاً وأخذ يقبلها”، يقول بشير لبي بي سي.
أما شقيقة أسامة فتقول لبي بي سي إن المفرج عنه أشار بإصبعه على صورة أسامة وقال “أنا”، وعندما وصل الحدود قال “أردن”، وعند سؤاله عن اسم والدته ذكر اسمها.
يقول الوزير الأردني السابق نضال البطاينة الذي ينتمي للعائلة ذاتها ويرافق المعتقل بعد الإفراج عنه، إن أسامة يعاني من تدهور صحته وتبدو عليه أثار تعذيب تعرض له في السجون السورية.
وبعد ظهور نتيجة الفحص الجيني، قال محمد البطاينة شقيق المفقود أسامة لبي بي سي، وقد ظهر عليه الإحباط والعجز: “لا يمكننا فعل شيء وننتظر رحمة الله”.
ويبدو أن التغير في مسار الأمور، لن يدفع العائلة للتوقف عن رحلة البحث عن أسامة الذي يقول شقيقه محمد، “منذ اعتقاله لم نوقف البحث، ونحاول التواصل مع أشخاص في سوريا لمعرفة مصيره وما إذا كان حياً أو ميتاً”.
وأبدى محمد تخوفه من قصة منتشرة إعلامياً عن ممارسة “كبس الجثث وتذويبها في الأسيد” في سجن صيدنايا.
كيف اختفى أسامة البطاينة؟
يروي بشير البطاينة والد أسامة قصة غياب نجله لبي بي سي، بقوله في 10 سبتمبر/أيلول 1986، طلب مني أسامة الذهاب إلى سوريا “شمة هوا” أي للتنزه، خلال العطلة الصيفية قبل بدء آخر أعوامه الدراسية المدرسية (الثانوية العامة).
يذكر بشير (83 عاماً) أن نجله ذهب لسوريا لمدة يُفترض أن أقصاها أسبوع، لكن الأيام السبعة انقضت ولم يعد أسامة لتبدأ رحلة البحث عنه و”المعاناة”.
يتحدث بشير عن إجراءات ومماطلة طويلة خلال السؤال والبحث عن أسامة، ومبالغ مالية كبيرة أنفقها في محاولة منه لمعرفة مصير ولده.
“دفعت مبالغ كبيرة كرشاوى” لمسؤولين سوريين وضباط، يقول بشير.
“بعنا كل شيء”
في بداية الألفية الثانية “قطعنا الأمل ولم يتبق شيء نبيعه”، بعد أن “بعنا أملاكنا … بعنا كل شيء”.
يتحدث بشير بحسرة عن بيع “كل شيء”، الأراضي والبيوت والمحال.
“كان عندي أرض مساحتها 300 دونم. وكان لدي 3 بيوت وأراضي بأحسن الأماكن بإربد … لم يبق شيء … وأعيش اليوم في بيت مقابل أجرة”.
وينفي بشير ارتباط أسامة بأي نشاط سياسي، وقال إن ولده “كان مجتهداً ومن الأوائل” خلال المرحلة الدراسية.
https://www.youtube.com/watch?v=5TY4UdI15Fg
“ماتت حزناً عليه”
يتأثر بشير ويقاوم البكاء عند سؤاله عن والدة أسامة، ويقول “ماتت حزناً عليه وأصيبت بمئة مرض وتعرضت للعمى”، وتوفيت في 2016 بدون أن ترى ولدها.
يصف أحد رواد مقهى يعود لبشير في مدينة إربد لبي بي سي، أن والد أسامة كان يجلس شارد الذهن، مكسوراً مهموماً إثر غياب ابنه.
رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان ومناهضة التعذيب عبد الكريم الشريده، أوضح لبي بي سي، أن عدد المعتقلين والمفقودين الأردنيين في سوريا كان يُقدر بـ236 قبل سقوط حكم الأسد، لكنه يتوقع أن العدد الحقيقي يفوق تقدير منظمته.
وقال المحامي الشريدة الذي رأس اللجنة الوطنية للدفاع عن المعتقلين الأردنيين في السجون السورية: “خلال اليومين الأخيرين تأتينا اتصالات لأشخاص جدد فقدوا في سوريا وأتوقع أن العدد أكثر من ذلك”.
في 2019، قال القائم بالأعمال في السفارة السورية في الأردن في حينه شفيق ديوب لوكالة سبوتنيك الروسية، إن السلطات السورية أفرجت مؤخراً عن قرابة 107 معتقلين، وبقي “عدد قليل جداً من المعتقلين الأردنيين في سوريا” لا يتجاوز عددهم الثلاثين، بعضهم متهم بجرائم إرهابية والبعض الآخر متهم بجرائم جنائية عادية وبعضهم في حقه أحكام، وفق ديوب.
وتقدّر رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا أن 30 ألف شخص دخلوا السجن منذ اندلاع النزاع في العام 2011، وأفرج عن ستة آلاف منهم فقط، ويُعد معظم الباقين في حكم المفقودين، خصوصا أنه نادرا ما يُبلّغ الأهالي بوفاة أبنائهم، وإن تمكنوا من الحصول على شهادات وفاة لهم، فإنهم لا يتسلمون جثثهم.
وسجّلت منظمة العفو الدولية آلاف عمليات الإعدام ونددت بـ”سياسة إبادة جماعية حقيقية” في صيدنايا، “المسلخ البشري”، وفق وصف المنظمة.
- بي بي سي تزور سجن صيدنايا قبل إعلان الانتهاء من عمليات البحث عن معتقلين داخله
- صيدنايا.. مشاهد خروج المعتقلين من “المسلخ البشري”
- كيف ستبدو سوريا الجديدة بعد سقوط حكم الأسد؟
Powered by WPeMatico
Comments are closed.