الجولان السوري : مجتمع ممزق بين مصيرين
في الطريق من القنيطرة باتجاه قرية حضر في الجولان السوري المحتل، تتجلى آثار سنوات الحرب الأهلية السورية في كل زاوية.
على مدخل المدينة تستقبل الدبابات المهجورة ونقاط التفتيش المهملة الزائرين، بينما تقف جداريات بشار الأسد تحت ظلال أبراج المراقبة الإسرائيلية.
يُخيم الوجود العسكري الإسرائيلي على المشهد في حضر منذ سقوط حكم الأسد.
تتحرك الدوريات بانتظام داخل القرية، ويصف السكان كيف أصبحت إسرائيل تتحكم في جميع التلال المحيطة بمنازلهم، مما يخلق شعورًا دائمًا بأن الكل هنا مراقب.
حضر هي إحدى القرى الدرزية بجبل الشيخ في مرتفعات الجولان السورية، وتبعد عن دمشق 75 كيلومترا باتجاه الجنوب الغربي على الحدود السورية الإسرائيلية.
منذ انهيار نظام بشار الأسد، أصبحت مرتفعات الجولان نقطة توتر متزايد.
توسعت القوات الإسرائيلية في المنطقة العازلة وما وراءها، مدعية أن هذه التدابير مؤقتة لأسباب أمنية، لكن الكثيرين يخشون أن تكون هذه بداية لاحتلال أوسع.
- الجولان السوري: اشتباكات بين الدروز والشرطة الإسرائيلية، فما القصة؟
- دمشق: قصة تاريخ العاصمة السورية التي كانت عاصمة الخلافة الأموية
مجتمع عند مفترق الطرق
بالنسبة للطائفة الدرزية في حضر، يبدو المستقبل غامضًا. كانت القرية معقلًا لحزب الله في الماضي، لكنها تجد نفسها اليوم محاصرة بين احتمالات الضم الإسرائيلي وماضي صراعها مع قوى المعارضة في الداخل السوري.
للمرة الأولى، بدأ المجتمع الدرزي يُعبر عن مخاوفه وآماله في وسائل الإعلام الدولية، باحثًا عن مستقبل أكثر وضوحًا واستقرارًا.
بعد اتفاق وقف إطلاق النار عام 1974، بقيت جبهة الجولان هادئة نسبيًا لعقود. ولكن مع تصاعد الحرب السورية، تحولت المنطقة إلى ساحة مواجهة مزدوجة: الأولى بين النظام السوري والمعارضة المسلحة، والثانية بين إسرائيل وحزب الله.
يجد المجتمع الدرزي في حضر نفسه عند مفترق طرق. اقترح بعض قادة المجتمع علانية التحالف مع إسرائيل، معتبرين أنها “الشر الأقل” مقارنة بالفوضى التي تعصف بسوريا.
ويظهر هذا الشعور بوضوح في فيديو لاجتماع مجتمعي: ”إذا كان علينا الاختيار، سنختار الشر الأقل. حتى لو كان يُعتبر شرًا طلب الانضمام للجولان، فهو أقل شرًا بكثير من الفوضى التي تنتظرنا”.
ومع ذلك، يدعو آخرون للبقاء مخلصين لسوريا، مشددين على أهمية الوحدة وضرورة بناء دولة ديمقراطية علمانية.
يعكس هذا الانقسام صراعًا أوسع داخل المجتمع للتوفيق بين مخاوف الاحتلال وآمال السلام والاستقرار.
ترك النزاع من 2011 إلى 2018 جراحًا عميقة في حضر. أصبحت القرى المجاورة ساحات معارك، ووجدت الطائفة الدرزية نفسها في مرمى النيران. القصف المدفعي، السيارات المفخخة، والاشتباكات التي دمرت التعايش السلمي الذي كان قائمًا. وتفرقت العائلات، حيث دعم البعض النظام السوري بينما انضم آخرون إلى قوى المعارضة.
اليوم، يعبر البعض مثل فرج صقر عن رغبته في المصالحة والوحدة: ”نقول إننا سوريون ونريد أن نبدأ صفحة جديدة. كانت هناك الكثير من الدموع والدماء والحزن. نحن جميعًا، كسوريين، تعبنا من هذا. الأهم هو أن تبقى سوريا بلدًا واحدًا موحدًا”.
بينما تحافظ القوات الإسرائيلية على وجودها، يبقى العديد في حضر حذرين. يخشى البعض، مثل جودات عطاوي، العواقب الأوسع للاحتلال المطول: ”إذا أخذت إسرائيل جزءًا من سوريا، فسوف تُقسم سوريا. وربما تأخذ تركيا جزءًا آخر. هذا التقسيم سيُقرر باتفاقيات دولية، وليس بيدنا”.
آخرون، مثل الزعيم الديني يقظان حلاوة، يسلطون الضوء على تعقيد موقفهم. يشير إلى أنه على الرغم من أن الإطار الديمقراطي لإسرائيل يوفر حريات معينة، إلا أن ولاء المجتمع يبقى في النهاية لسوريا موحدة وعلمانية.
الرسالة في حضر واضحة: المجتمع يرغب في سوريا ديمقراطية، علمانية، وشاملة.
لخص الشيخ نديم حسون، أحد كبار القرية، الطموح الجماعي بقوله: ”يجب أن تكون سوريا دولة ديمقراطية مدنية علمانية لجميع السوريين. علينا أن نحافظ على وحدتها، ونحن جزء من هذا الشعب”.
بينما تواجه المنطقة حالة من عدم اليقين، تجسد دروز حضر كفاح العديد من السوريين. تعكس قصتهم التحديات الأكبر المتمثلة في إعادة بناء وطن مزقته الحرب وانقسم بفعل القوى المتنافسة. سواء كان المستقبل يحمل الوحدة أو المزيد من الانقسام يبقى غير واضح، ولكن المؤكد هو أن أصوات سكان حضر تستحق أن تُسمع.
- من هم الموحدون الدروز؟
- كيف يشكل التنوع الطائفي والعرقي الهوية السورية؟
- من هي طائفة الموحدين العرب أو الدروز؟
Powered by WPeMatico
Comments are closed.