ماذا نعرف عن قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد؟ وهل تفقد نفوذها بعد معركة حلب؟
لحظات من الترقب يعيشها الشعب السوري بمختلف مكوناته في ظل التحولات الجديدة التي يشهدها الصراع الدائر في بلادهم.
فقد شنت فصائل معارضة مسلحة هجوماً مباغتاً يوم الأربعاء 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، تمكنت خلاله من السيطرة على مدينة حلب من قبضة القوات الحكومية.
كما أكدت قوات سوريا الديمقراطية انتشارها في مناطق انسحبت منها القوات الحكومية في دير الزور.
ومع عودة التقارير عن سوريا إلى واجهة الإعلام الدولي، أصبحت الفصائل السورية محور نقاش واستفسار، خاصة في ظل تشعب خريطة الجماعات المسلحة في البلاد.
وتشمل هذه الخريطة جماعات إسلامية متشددة، مثل هيئة تحرير الشام التي قادت الهجوم على حلب. لكن، إلى جانب هذه الجماعات، هناك فصائل مسلحة أخرى تحمل أيديولوجيات مختلفة، مثل قوات سوريا الديمقراطية
فما الذي نعرفه عن هذه الجماعة المسلحة التي يقودها أكراد سوريا؟
“هل هجوم حلب سيطرة على مناطق جديدة أم مجرد معركة محلية محدودة؟”- هآرتس
كيف تغيّرت خارطة السيطرة على سوريا بعد 13 عاماً من الصراع؟
“قسد” والصراع المطول
مع حلول تشرين الأول/أكتوبر 2024، دخلت قوات سوريا الديمقراطية ( التي تعرف اختصارا بقسد) العام التاسع على تأسيسها.
ارتبط اسم “قسد” بالحرب في سوريا التي بدأت عام 2011. ولم يتم الإعلان عن تأسيسها إلا في خريف 2015، وذلك في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة، إحدى المناطق الحدودية في شمال سوريا التي تسكنها أغلبية كردية، وكانت المسرح الرئيسي لعمليات “قسد”.
منذ البداية، عُرف عن “قسد” أنها مدعومة بشكل مباشر من الولايات المتحدة، وأنها تشكلت لتصبح الشريك المحلي لقوات التحالف الدولي المناهض لتنظيم الدولة الإسلامية. فمنذ إعلان تشكيل التحالف في سبتمبر/أيلول 2014، عملت قواته على دعم مجموعات وهيئات مسلحة في سوريا والعراق.
عندما أصدرت “قسد” بيانها التعريفي، قدمت نفسها على أنها “تكتل عسكري وطني لكل السوريين يضم الأكراد والعرب والتركمان والسريان”، وأوضحت أن هدفها الرئيسي هو دحر تنظيم الدولة الإسلامية واستعادة جميع الأراضي التي اجتاحها التنظيم المتشدد آنذاك.
حصلت قوات سوريا الديمقراطية على الدعم المالي والعسكري في إطار الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، وشقت طريقها على الأرض بدعم أساسي من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. ومع ذلك، أثار استحداث هذا التشكيل المسلح، ومناطق تمركزه ومكاسبه في شمال شرق سوريا المتاخمة للحدود الجنوبية لتركيا، حفيظة حكومة أنقرة.
تمكنت “قسد” من طرد تنظيم الدولة الإسلامية من عدة مناطق استراتيجية، والسيطرة على مساحات واسعة من شمال شرق سوريا. ومن أشهر معاركها ضد التنظيم معركة عين العرب/كوباني في عام 2015.
قسد وسلسلة التحديات
كانت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” حليفا للأمريكيين في الحرب السورية وأمنت لنفسها بذلك موطئ قدم في شمال شرقي سوريا .
ومن بعد سلسلة من الانتصارات العسكرية، أعلن عن هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في آذار مارس 2019، لكن بدلا من تقوية وضعها في النزاع شعرت قسد بتعثر وبقلق من أن يتم التخلص منها وإزاحتها في أي لحظة.
وما أذكى هذه المخاوف إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في العام نفسه سحب معظم الجنود الأمريكيين مع الإبقاء على بعضهم لتأمين المنشآت النفطية في المنطقة التي تحتوي على احتياطي نفطي هام.
ونُظر لذلك الانسحاب على أنه تخل واضحٌ عنها وسط تربص تركي بها، وتأثّرت العلاقة بين التحالف الدولي و”قسد” نسبياً بموقف الولايات المتّحدة.
كان تقارب الولايات المتحدة و”قسد” نقطة خلاف طويلة بين واشنطن وحليفتها في حلف الناتو، تركيا، التي دأبت لعقود على مناهضة تطلعات الأكراد في المناطق الحدودية سواء في سوريا أو العراق.
لكن متاعب “قسد” وقادتها الأكراد لم تقتصر على تركيا، إذ نددت الحكومة السورية، شأنها شأن أنقرة، بإعلان الأكراد النظام الفيدرالي في مناطق سيطرتهم عام 2016.
في ظل خشية أنقرة من تصاعد تلك التطلعات، ومن الأبعاد التي قد يصل إليها المشروع الكردي بتحويل التقدم العسكري إلى إنجاز سياسي على الأرض، ومع ضعف قبضة القوات الحكومية السورية على مساحات واسعة، شنت تركيا مرارًا توغلات عبر الحدود برًّا وجوًّا ضد “قسد”.
وتشير التقارير إلى أنه خلال حرب غزة، التي اندلعت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تصاعدت وتيرة الهجمات التركية التي استهدفت “قسد”.
وترى تركيا أن “قسد” تمثل الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تصنفه كمنظمة إرهابية، وتخوض معه حربًا مستمرة منذ أربعة عقود أسفرت عن مقتل أكثر من 40 ألف شخص.
إضافة إلى ذلك، تواجه “قسد” تحديات مرتبطة بعلاقتها مع المكوّن العربي، وتأثير ذلك على بنيتها الداخلية وتماسكها العسكري.
فقد ساعدت الانتصارات العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية ضد تنظيم الدولة الإسلامية على ضم مناطق ذات أغلبية عربية إلى سيطرتها. كما تشمل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا مناطق تضم سكانًا مسيحيين من السريان والآشوريين والأرمن، إلى جانب الإيزيديين والتركمان والشيشان، مما يزيد من تعقيد تجربة الإدارة الذاتية.
وفي أغسطس/آب 2024، دخلت “قسد” موجة ثانية من الاشتباكات مع قوات عشائرية عربية في ريف دير الزور، بعد مواجهات سابقة بين الجانبين في سبتمبر/أيلول 2023. إلى جانب هذه الاشتباكات، نفذت مجموعات مسلحة موالية لإيران هجومًا منسقًا استهدف مقرات “قسد” في عدة مدن وبلدات في ريف دير الزور.
وعلاوة على ذلك، تعاني “قسد” من الخلافات الكردية-الكردية في المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد في شمال سوريا.
ومع ذلك، يبقى الخصوم الرئيسيون لقوات سوريا الديمقراطية وحلفائها هم الجماعات الجهادية المنخرطة في الحرب السورية، لا سيما تنظيم الدولة الإسلامية، وجماعات المعارضة السورية المدعومة من تركيا، والجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة وحلفائها.
فصائل قصد وقيادة عبدي
عندما تأسست القوات المعروفة باسم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بالتنسيق مع الولايات المتحدة، لم يحمل اسمها ما يشير إلى توجهات أيديولوجية أو عرقية، لكن ذلك لم يحل دون قلق تركيا من هذه الجماعة المسلحة التي يقودها الأكراد.
وتحت اسم “قوات سوريا الديمقراطية”، ضم التشكيل المسلح فصائل وألوية متعددة.
تباينت الآراء حول البنية الأساسية لقسد. يرى البعض أن وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) تشكل الغالبية العظمى من المقاتلين، وأنها تُعتبر “العمود الفقري” لقسد. بينما تشير تقارير أخرى إلى أن عدد المقاتلين العرب تزايد مع تقدم قسد في الأراضي ذات الأغلبية العربية.
ووفقًا للبنتاغون، كان الأكراد يشكلون 40% من قسد، بينما العرب يمثلون 60% في مارس/آذار 2017، رغم أن مصادر أخرى تشير إلى أن نسبة المقاتلين العرب كانت أقل من ذلك. ومع ذلك، هناك إجماع على أن القيادة في قسد تعود للأكراد.
تشمل قائمة الفصائل المنضوية تحت قسد العديد من الجماعات المسلحة ومن بينها
المجلس العسكري السرياني المسيحي: ميليشيا سريانية نشأت في مدينة القامشلي برعاية الحكومة السورية عام 2012. يتبع المجلس لحزب الاتحاد السرياني، القريب من حزب العمال الكردستاني، قبل انضمامه إلى قسد.
قوات الصناديد: تتألف بالأساس من مقاتلين من قبيلة شمر، وهي إحدى أبرز القبائل العربية في المناطق الريفية الشمالية من محافظة الحسكة.
جيش الثوار: فصيل عسكري مسلح متعدد الأعراق، تحالف في البداية مع وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) قبل أن يصبح جزءًا من قسد. تأسس الجيش عام 2015، كامتداد للجيش الثوري الحر الذي تلاشت بنيته بحلول أواخر 2012.
لواء السلاجقة التركماني: تأسس مطلع 2013 وتلقى دعمًا من تركيا في البداية، قبل أن تتوتر العلاقة بين الجانبين. انضم اللواء إلى جيش الثوار في أغسطس/آب 2015، الذي انضم لاحقًا إلى قسد. وعلى عكس الجماعات التركمانية المرتبطة بتركيا، تحالف اللواء مع وحدات حماية الشعب الكردية.
وحدات حماية المرأة الكردية (YPJ): شريك رئيسي لقسد، تأسست مع تزايد عدد النساء المجندات ضمن وحدات حماية الشعب (YPG).
تركيا لم تعترف يومًا بقوات سوريا الديمقراطية، وتصرّ على الإشارة إلى مكونيها الرئيسيين، وحدات حماية الشعب (YPG) ووحدات حماية المرأة (YPJ)، اللتين تصنفهما أنقرة كـ”منظمات إرهابية”.
وتشير تقارير وحدة الرصد التابعة لبي بي سي إلى وجود “غرفة عمليات بركان الفرات”، وهي غرفة عمليات مشتركة تضم مسلحين من وحدات حماية الشعب الكردية ولواء ثوار الرقة، الذي يتكون أساسًا من مقاتلين عرب.
يترأس مظلوم عبدي، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، هذا التجمع للفصائل المسلحة.
القائد الكردي، الذي هنأ مؤخرًا دونالد ترامب بفوزه بالانتخابات الأمريكية، سبق أن انتقد السياسات الأمريكية تجاه سوريا خلال إدارة ترامب الأولى.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، لعب عبدي دورًا بارزًا في ساحات القتال وعلى صعيد الجهود الدبلوماسية للتواصل مع القادة الغربيين.
وُلد عبدي في مدينة كوباني/عين العرب بمحافظة حلب حوالي عام 1967، ويُعرف باستخدامه المستمر للأسماء الحركية. اسمه الحقيقي هو فرهاد عبدي شاهين، لكنه اشتهر باسمه الحركي “الجنرال مظلوم كوباني”. ومع ذلك، استخدم أسماءً أخرى مختلفة للتملص من ملاحقات الإنتربول بعد اتهامات تركيا له بالإرهاب.
انضم عبدي إلى حزب العمال الكردستاني (PKK) في سوريا عام 1990، وكان صديقًا شخصيًا لزعيم الحزب عبد الله أوجلان. ألقت السلطات السورية القبض عليه عدة مرات بسبب نشاطه السياسي، وفي آخر مرة أُفرج عنه غادر إلى أوروبا عام 1997. بقي هناك حتى الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، عندما عاد إلى إقليم كردستان العراق لتولي مسؤوليات سياسية.
قبل اندلاع الحرب السورية، لم يكن عبدي شخصية معروفة في الأوساط الشعبية السورية. لكن مع بدء الحرب، تصاعد اسمه بشكل كبير نتيجة دوره البارز في الصراع. ارتقى إلى صدارة المشهد العسكري بعد قيادته معارك ناجحة في شمال سوريا، بما في ذلك التغلب على تنظيم الدولة الإسلامية.
عندما اندلعت الحرب في سوريا، كان عبدي يتزعم وحدات حماية الشعب الكردية (YPG). وفي عام 2014، قاد المفاوضات مع واشنطن لتشكيل تحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وعند تأسيس قوات سوريا الديمقراطية عام 2015، أصبح قائدًا لها.
يتمتع عبدي بعلاقات قوية مع الإدارة الأمريكية، التي تعتبره شخصية موثوقة. ويحظى بدعم قوي من الكونغرس، حيث ينظر إليه العديد من أعضائه كشريك استراتيجي أسهم في تقويض خطر تنظيم الدولة الإسلامية، مما يخدم المصالح الوطنية الأمريكية.
سجون قسد موضع اتهام
أدانت جهات حقوقية، على رأسها منظمة العفو الدولية، في تقاريرها قوات سوريا الديمقراطية بسبب وضع السجون التي تتولى إدارتها في شمال شرق سوريا ونظام الاحتجاز المتبع.
وتشير العفو الدولية إلى أن تلك المرافق، على مدى السنوات الخمس الماضية، أصبحت سيئة السمعة بسبب ظروفها المزرية التي تتفاقم بشكل متزايد، بالإضافة إلى حقيقة أنه لا يوجد تقريبًا أي سبيل للمحتجزين للطعن في احتجازهم.
وتفيد التقارير الحقوقية بأن المحتجزين في تلك السجون هم في الأساس مقاتلون مشتبه في انتمائهم إلى تنظيم الدولة الإسلامية، بالإضافة إلى أقاربهم وأطفالهم وأفراد أسرهم الذين يقبعون في معسكرات اعتقال، ومن بينهم نساء وأطفال. كما أن هناك مدنيين تعرضوا غالبًا للاحتجاز بسبب رفضهم الخضوع للتجنيد الإجباري أو بسبب آرائهم المعارضة.
وتسجل تلك المنظمات في تقاريرها حالات تعذيب تصل إلى حد القتل في بعض الأحيان، ومعاملة قاسية وترهيبًا ممنهجًا للمساجين، بالإضافة إلى انتهاكات أخرى. كما تستمر حالات الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري، وهي اتهامات تنكرها قوات سوريا الديمقراطية.
قسد والخيارات في حلب
جاءت المكاسب المفاجئة التي حققتها فصائل المعارضة ضد القوات الحكومية السورية في الأيام الأخيرة لتثير تساؤلات حول تداعيات ما يحدث على القوات الحكومية والميليشيات المتعاونة معها، بالإضافة إلى قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والمناطق التي تسكنها المجتمعات الكردية. كما يطرح السؤال حول كيفية تعامل “قسد” مع التطورات الميدانية في حلب.
ويؤكد رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن “قسد” لم تعد موجودة في حلب، بل إن الوجود العسكري الكردي هناك مرتبط بقوات ميدانية كردية أخرى تتدخل حسب الضرورة للدفاع عن المواطنين الأكراد في حلب، الذين يتركزون في المدينة والمناطق الشمالية، وبشكل خاص في بلدتين بريف حلب.
وأضاف عبد الرحمن أن “قسد” تتمركز بشكل رئيسي في الضفة الشرقية لنهر الفرات، لكنه أكد أن تلك القوة الكردية على اتصال بـ “قسد” التي تسيطر على ربع مساحة الأراضي السورية حتى وقت التصريح.
وبحسب رامي عبد الرحمن، فإن “قسد” أمامها خياران: إما الانخراط في الصراع في حلب لمواجهة الفصائل المسلحة الإسلامية المدعومة من قبل أنقرة وعرقلة ما وصفه بالمشروع التركي في شمال سوريا، الذي سيعود بالضرر على الأكراد، أو الانسحاب السلمي وقبول تهجير المجتمع الكردي المتواجد في حلب.
- من يسيطر على سوريا التي مزقتها الحرب بعد 13 عاما من الصراع؟
- جولة في تاريخ العلاقات التركية السورية منذ 2011 وحتى الآن
Powered by WPeMatico
Comments are closed.