“نتائج غير متوقعة من الحرب على الإرهاب”- نيويورك تايمز
في جولة الصحف ليوم الجمعة، نسلط الضوء على مقالات رأي ناقشت تحولات المشهد السوري على وقع المعارك الدائرة بين فصائل المعارضة والجيش السوري، كما نقرأ التحليلات وراء هيمنة “هيئة تحرير الشام” على بعض الأراضي السورية في إطار هجومها المباغت الذي بدأته في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني. وعلى وقع ذلك، يتم التأكيد على ضرورة معالجة الإعلام الغربي لصورته عن الإسلام والمسلمين بشكل أكثر توازناً ودقة، بعيداً عن الخلط بين التطرف والممارسات الدينية المعتدلة.
البداية من صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، ومقال بعنوان “نتائج غير متوقعة في الحرب على الإرهاب”، يستهله كاتبه حسن حسن بالقول إن “الهجوم الناجح الذي شنه المتمردون السوريون الأسبوع الماضي حقق ما فشلت فصائل أكبر في تحقيقه خلال سنوات من إراقة الدماء”.
ويرى الكاتب، وهو أمريكي من أصل سوري، إن وراء “نجاح هيئة تحرير الشام” في السيطرة على حلب وإدلب هو تحولها عبر الزمن من “أكثر الحركات الجهادية العنيفة” إلى “قوة قومية”.
ويسرد الكاتب حسن كيف وصلت “هيئة تحرير الشام” إلى موقع “استقرار” بعد أن نشأت كفرع من فروع “تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)”، حتى أصبحت القوة المهيمنة في شمال غرب سوريا، واحدة من المناطق التي لا تسيطر عليها الحكومة السورية، بحسب الكاتب.
ويضيف: “حاولت إظهار اعتدالها من خلال تبني ممارسات إسلامية أقل قسوة، وجذب التقنيين والمتخصصين. أظهرت الجماعة انضباطاً أكبر من الجماعات القومية الأخرى، إذ حثت مقاتليها على احترام المسيحيين والأقليات الأخرى، وعقدت لقاءات مع قادة دينيين لضمان حمايتهم. كما لعبت دوراً حيوياً في محاربة داعش والقضاء على بقايا القاعدة في سوريا”.
ورغم ذلك، يرى الكاتب أن هذا التحول “ليس أقل خطوة، بل يجعلها أكثر تعقيداً ويصعب القضاء عليها”، لأنها ستعمل على تطبيق سياساتها من خلال “الترهيب، والاغتيال، وقتل النشطاء المدنيين”.
وبينما يتوقع سوريون “ممارسات قمعية” من هذه الجماعة، بحسب ما ينقل الكاتب، يقول حسن إن هذه الجماعات لا تشكل التهديد ذاته الذي حاربته الولايات المتحدة الأمريكية تحت ما يعرف بـ”حربها على الإرهاب”، بل يراها “حركات أعادت تشكيل نفسها كحركات وطنية تركز على قضايا محلية، لا للبقاء فقط، بل للازدهار في المشهد الجيوسياسي الجديد”.
وفي هذا الإطار، يقرأ الكاتب تصريحات سابقة لزعيم الهيئة أبو محمد الجولاني يقول فيها إن “سوريا لن تكون قاعدة للهجمات الجهادية ضد الغرب”.
ويعلق على تلك التصريحات بالقول إن الجماعة “بذلت جهوداً كبيرة للإشارة إلى أنها لا تتصارع مع الولايات المتحدة”، وأنها قدمت نفسها “شريكاً موثوقاً لتركيا” يركز على سوريا فقط، وفق الكاتب.
ويحلّل الكاتب هذا التحوّل في سياسة “هيئة تحرير الشام” من خلال إشارات عدّة إحداها “أن التدريبات المقدمة للمجندين الجدد تركز على جهاد محلي بدلاً من الجهاد العالمي الذي تبنته القاعدة”.
ويقول إنها قادرة على أن تكون “قوة دائمة في سوريا، كما فعلت طالبان في أفغانستان، رغم افتقار الهيئة للاعتراف الدولي، وهو ما لعب لصالح طالبان آنذاك”.
أما عن الحكومة السورية، فيقول حسن إن “نظام الأسد يواجه أخطر أزمة له منذ سنوات. وتبدو قدرته على استعادة الأراضي المفقودة قد تآكلت بشكل كبير”.
ويعلّق على الدعم الروسي بالقول إن “انشغال روسيا بالحرب على أوكرانيا، جعل النظام أقل اعتماداً على حليفته”.
“وبينما تتحول أولويات الولايات المتحدة نحو التنافس بين دول كبرى مثل الصين، فإنها تترك منطقة الشرق الأوسط وراءها، إذ لم تعد الشعوب والدول الإقليمية ترى جماعات مثل هيئة تحرير الشام مجرد جماعات إرهابية، بل فاعلين سياسيين يشغلون الفراغ الذي تركته الدول الفاشلة”، بحسب ما يقول الكاتب.
ويرى كاتب المقال وهو مؤلف كتاب “داعش: داخل جيش الإرهاب”، إن إهداف هذه الجماعات “لم تعد تتعلق بالجهاد العالمي بل بالهيمنة الإقليمية، وهي استراتيجية تجعل من الصعب إزاحتها”، مشيراً إلى أنها “حقيقة جديدة” يجب على صنّاع السياسات في الغرب التعامل معها.
ويختم الكاتب حسن حسن مقاله بالإشارة إلى إن الدول الغربية تواجه خيارين الآن، الأول “إنشاء بديل معتدل يمكنه الحكم بشكل فعال، وهذا يتطلب مشروع بناء دولي طويل الأمد قد تكون الولايات المتحدة المتركزة على الصين غير قادرة أو غير راغبة في تنفيذه”.
أما الخيار الثاني فهو “الاعتراف بأن هذه الجماعات ستستمر في الحكم في عالم غير مثالي”، وبالتالي هو الخيار الأسوأ برأي الكاتب لأنه “لن يسمح للغرب باتخاذ أي خطوة على الإطلاق”.
“سوريا… أعداء في هيئة أصدقاء”
وإلى صحيفة الشرق الأوسط التي يقرأ فيها الصحفي الإيراني أمير طاهري التحديات والتغييرات التي أعادت رسم خارطة سوريا على مر العقود الماضية.
ويبدأ الكاتب مقاله الذي جاء تحت عنوان “سوريا، أعداد في هيئة أصدقاء”، بذكر ثلاثة أهداف لنشأة “هيئة تحرير الشام”، الأول هو تحويلها إلى جيش شبه نظامي، والثاني إبعادها عن النزعة الجهادية، والثالث تسويقها على أنها جيش هدفه طرد المحتل الأجنبي، وفق الكاتب.
ويتساءل الكاتب عن استخدام مصطلح “بلاد الشام” بدلاً من “سوريا”، وهو ما يضع علامة استفهام أمام “القوة المحررة”، بحسب رأيه.
ويقارن بين المصطلحين بالقول إن مصطلح “بلاد الشام” (شام) هو خَصِيصة كلامية مُبهمة، بينما تشير كلمة سوريا إلى هوية وطنية “عصية على الإنكار”.
يرى طاهري أن سوريا، التي عانت من تدخلات روسية وتركية وإيرانية وأمريكية، أصبحت ساحة لتقسيمات إقليمية، وهو ما يروج له بعض الإعلام التركي، الذي بدأ يروج لفكرة تشكيل دويلات صغيرة على غرار ما حدث في مناطق أخرى.
” على مدى العامين الماضيين، اتخذت تركيا عدة خطوات في هذا الاتجاه من خلال تشكيل إدارة في المناطق الخاضعة لسيطرة حلفائها في إدلب وفرض الليرة التركية كعملة محلية”، بحسب طاهري.
ويتوقع الكاتب أن يكون للرئيس التركي رجب طيب إردوغان مصلحة أخرى في إعادة تصميم سوريا إلى دويلات صغيرة، “وهي القضاء على التهديد الكردي الذي تدعمه الدولة السورية في عهد أسرة الأسد منذ سبعينات القرن الماضي”.
ويقول إن “الحجة القائلة بأن تقسيم المنطقة إلى دويلات صغيرة من شأنه أن يُقلل من خطر الحرب حجة غير مستدامة أيضاً. ومن الأمثلة على ذلك غزة، التي لا تُعدّ دولة”.
ويختم الكاتب أمير طاهري، وهو رئيس تحرير سابق لصحيفة “كيهان” اليومية في إيران، بأن إنكار وجود الدولة السورية يشكل “خطراً على أمن واستقرار المنطقة بأسرها”، وأن “أولئك الذين ينكرون وجود الأمة السورية لا يمكنهم التظاهر بأنهم أصدقاء لسوريا أو دعاة للاستقرار في الشرق الأوسط”.
“لا فائدة من التوازن الزائف في التغطيات الإعلامية للقضايا الإسلامية”
وبينما تتعامل وسائل الإعلام مع المنظمات القومية الجديدة على أنها نتاج حركات جهادية إسلامية سابقة، تقول صحيفة إندبندنت البريطانية إن “وسائل الإعلام لا تحقق أن فائدة من التوازن الزائف في التغطيات الإعلامية للقضايا الإسلامية، وإن الطريقة الوحيدة لتفادي ذلك هي الأخلاق”.
جاء ذلك في مقدمة مقال كتبه ويل جور، رئيس تحرير سابق لصحيفة الإندبندنت، بعد حضوره مؤتمراً تناول موضوعاً هاماً يتعلق بصورة الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الرئيسية.
ويقول جور إن الوضع الجيوسياسي السائد في السنوات الأربع عشرة الماضية فرض تغطيات إعلامية “غير متوازنة”، من خلال “إشارات سلبية” إلى الدين الإسلامي ومتبعيه في الصحف، مؤكداً على أنه “من الخطأ تجاهل البُعد الديني الذي يغذي التطرف” أيضاً، على حد تعبيره.
“يتحمل الإعلام مسؤولية نقل الأخبار السيئة التي تحدث في العالم؛ فذلك هو ما يمثل “الأخبار” في النهاية، ولكن يجب أن نقوم بذلك بطريقة منطقية تتجنب التبسيط المفرط للأحداث والأشخاص، وأيضاً الدين”، بحسب الكاتب.
ويقول: “معظم المسلمين يعتبرون الإرهابيين الذين يعملون باسم دينهم أمراً مرفوضاً تماماً. لكن معظم القراء يفهمون ذلك بشكل ضمني، وسوف يستمرون في ذلك- شريطة أن يضع الصحفيون الأخبار في سياقها الصحيح”.
ويقارب الكاتب بين التغطيات المتطرفة لبعض وسائل الإعلام لقضايا المسلمين وتغطياتها لقضايا الهجرة واللجوء أيضاً.
وينتقد جور استجابة أوروبا لأزمة اللاجئين المستمرة، والتي يصفها بـ”المحبطة” رغم كل الدعوات لنهج موحد في التغطيات، وفق الكاتب.
ويستشهد الكاتب بتعليقات كثيرة أرفقت على مواد إعلامية عن المهاجرين في صحف عالمية، بعضها دعت إلى وضعهم في غرف وفتح أنابيب الغاز للتخلص منهم، وهو ما وصفه بالتعليق الأكثر تطرفاً، داعياً إلى إغلاق مساحة التعليقات على أمل أن “تتحسن هذه الآراء البدائية”، بحسب تعبيره.
- الأسد وأردوغان: هل يمكن تجاوز سنوات القطيعة؟
- سوريا: ما أسباب وأهداف الهجوم الذي تشنه المعارضة؟
- ماذا يحدث في شمال غرب سوريا، ولماذا الآن؟
Powered by WPeMatico
Comments are closed.