عندما قال بيغن للسادات: “من الرائع أن نستقبلك، شكرا على مجيئك”
عندما هبطت طائرة الرئيس المصري أنور السادات في مطار بن غوريون في التاسع عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 1977، كان العالم بأسره يتابع الحدث. وكانت زيارته إلى إسرائيل، التي كانت الأولى من نوعها التي يقوم بها رئيس دولة عربية، بمثابة نقطة تحول حيث أنها كانت البداية لما أطلق عليه شيمون بيريز فيما بعد “الشرق الأوسط الجديد”.
وكان السادات قد فاجأ مجلس الشعب المصري في 9 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1977 بتجاهل نصه المُعد سلفاً، وإعلانه أنه “مستعد للسفر إلى أقاصي الأرض” لحماية أرواح المصريين وأن “إسرائيل سوف تفاجأ عندما تسمعني أقول إنني على استعداد للذهاب إلى برلمانها، الكنيست نفسه”.
قصة الرئيس المصري الذي اغتيل في ذكرى انتصاره
اغتيال السادات: حادث المنصة حال دون وقوع حدث غير مسبوق في تاريخ مصر الحديث، وثائق سرية بريطانية
الزيارة
لم يتردد السادات عندما وجه إليه مناحم بيغن رئيس الوزراء الإسرائيلي دعوة رسمية للزيارة، وبينما كانت طائرته تحلق على ارتفاع منخفض فوق تل أبيب صفق المئات من المارة في الشوارع.
وهبطت الطائرة في مطار بن غوريون في الساعة 8:03 مساء يوم 19 نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1977، ليغادرها السادات كي يصنع تاريخاً جديداً في الشرق الأوسط باعتباره أول زعيم عربي يزور إسرائيل منذ تأسيسها في عام 1948.
لقد سافر السادات وحاشيته من المسؤولين والمراسلين المصريين من قاعدة أبو صوير الجوية في مصر، مباشرة إلى مطار بن غوريون الدولي. وكان في انتظار الطائرة التي تحمل علم مصر وكلمات “جمهورية مصر العربية” سجادة حمراء على المدرج.
وبعد 3 دقائق من وصول الطائرة خرج الزعيم المصري إلى مدرج المطار حيث اُطلقت الأبواق ترحيبا به.
وقد استقبله رئيس الوزراء مناحيم بيغن والرئيس إفرايم كاتسير، اللذان أشادا بالسادات في الأيام الأخيرة لخطوته الجريئة في اتخاذ قرار زيارة إسرائيل.
وشكر السادات بيغن على دعوته، فرد الأخير قائلاً: “من الرائع أن نستقبلك، شكراً لك على مجيئك”.
وبعد دقائق قليلة من وصوله، عزفت فرقة إسرائيلية النشيد الوطني المصري، ثم تبعه النشيد الإسرائيلي، وأُطلقت المدافع تحية للرئيس.
وكان السادات متأثراً بشكل واضح وهو يقف على المنصة، وكانت عيناه دامعتين وفمه مغلقاً.
وفي المطار، حيث تجمع أكثر من ألف مراسل أجنبي ومحلي لمشاهدة الهبوط التاريخي، رفرفت الأعلام المصرية.
ومن بين الأشخاص الذين استقبلهم السادات كبار الشخصيات من الضفة الغربية المحتلة.
ثم استعرض السادات حرس الشرف الإسرائيلي المكون من 72 فرداً، والذي يتألف من جميع فروع القوات المسلحة الإسرائيلية، وفي لحظة ما، قام الرئيس المصري، الذي كان يرتدي ملابس مدنية، بتحية الحرس.
وبينما كان يسير مع بيغن وكاتسير، صفق كبار المسؤولين الإسرائيليين الذين أصيبوا بالذهول مثل مواطنيهم في الأيام الأخيرة عندما أعلن الرئيس المصري عن استعداده للذهاب إلى إسرائيل.
وصافحهم السادات وابتسم وهو يسير في صف طويل من المدعوين في احتفال رسمي غريب يُقام لزعيم دولة تعيش إسرائيل في حالة حرب معها.
وفي المطار، صافح السادات أشخاصاً تذكرنا أسماؤهم بسنوات الصراع التي ميزت العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي، ومن بينهم موشيه ديان، ورئيسة الوزراء السابقة غولدا مائير، ورئيس الوزراء السابق إسحاق رابين، والجنرال أرييل شارون.
تحية خاصة لغولدا مائير
كما توقف السادات وألقى تحية خاصة لغولدا مائير، رئيسة الوزراء السابقة.
وقال لها السادات:”لقد أردت أن ألتقي بك منذ زمن طويل”، فردت مائير: “سيدي الرئيس، لقد انتظرت طويلاً حتى ألتقي بك”.
فانحنى السادات وقبلها على خدها.
وبعد الترحيب في المطار وتبادل التحيات، استقل السادات، برفقة الرئيس كاتسير، سيارة ليموزين في رحلة بالسيارة إلى القدس، حيث سيقيم هو وحاشيته في فندق الملك داود.
وعلى طول الطريق من المطار إلى القدس، انتظر الآلاف من الإسرائيليين لمشاهدة الموكب التاريخي وهو يشق طريقه عبر الطرق المتعرجة.
وتم ترتيب موعد وصول السادات للفندق في الساعة 10:00 مساءً بناء على طلبه بحيث لا يتعارض مع شعائر السبت اليهودي الذي ينتهي عند غروب الشمس.
ورافقت زيارة السادات إجراءات أمنية غير عادية حيث كان الآلاف من الجنود ورجال الشرطة ومسؤولي الأمن الإسرائيليين في حالة تأهب دائم أثناء الزيارة.
وأغلق مسؤولون أمنيون الفندق، الذي يطل على المدينة القديمة المسورة التي احتلتها إسرائيل في عام 1967، ومنعوا جميع الغرباء من دخول الردهة.
وبعد وصوله إلى فندق الملك داود، التقى الرئيس السادات لمدة نصف ساعة ببيغن وديان ونائب رئيس الوزراء يغائيل يادين في زيارة وصفت بأنها مجاملة.
وقال بيغين للصحفيين، في إشارة إلى الزعيم المصري: “لقد أجريت معه بالفعل مناقشة خاصة، ويمكنني أن أقول إننا نحب بعضنا البعض”.
اللقاء الأكثر دراماتيكية
وفيما كان السادات يتحرك في رحلته التاريخية، كان محاطًا برجال الأمن والمراسلين الذين كانوا ينتظرون كل كلمة من اجتماعاته مع بيغين.
كان هذا اللقاء الأكثر دراماتيكية في الشرق الأوسط منذ 3 يناير/كانون الثاني من عام 1919، عندما التقى الدكتور حاييم وايزمان، الذي أصبح أول رئيس لإسرائيل، بالأمير فيصل، الذي أصبح ملكاً للعراق، ولم يتم تنفيذ الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الرجلين منذ فترة طويلة.
لقد توج وصول السادات إلى إسرائيل 10 أيام محمومة منذ كانت تصريحات الرئيس المصري أمام برلمانه بأنه مستعد لزيارة إسرائيل حيث تحول التزامه في سعيه إلى السلام في الشرق الأوسط من الخطابة إلى الواقع.
وكان الإجماع بين الساسة ورجال الدولة والمحللين في إسرائيل هو أن زيارة السادات قد غيرت المشهد في الشرق الأوسط بشكل لا رجعة فيه.
وشهدت شوارع القدس وتل أبيب خلال الزيارة مشهداً غريباً، فقد كانت سيارات الأجرة تحمل أعلاماً مصرية صغيرة، وكان فندق الملك داود الفخم يرفع علمي كل من إسرائيل ومصر.
في اليوم التالي
في صباح اليوم التالي، أدى السادات الصلاة في المسجد الأقصى، وشارك مع الحاضرين في الاحتفال بعيد الأضحى.
وبعد ذلك، زار ضريحًا مسيحيًا في كنيسة القيامة، كما قام بزيارة ياد فاشيم، النصب التذكاري الذي أقامته إسرائيل لإحياء ذكرى 6 ملايين يهودي قُتلوا على يد النازيين أثناء الحرب العالمية الثانية.
ثم ألقى السادات خطابًا تاريخيًا أمام الكنيست الإسرائيلي في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني، تحدث فيه بصراحة ووضوح عن رغبته في السلام.
وأكد السادات في خطابه، الذي ألقاه باللغة العربية، على الحقوق الفلسطينية، ودعا لإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، مشددا على ضرورة انسحابها من الأراضي المحتلة عام 1967.
وخاطب الشعب الإسرائيلي بشكل مباشر، قائلًا: “جئت إليكم اليوم على أمل أن نضع معًا حجر الأساس لسلام دائم”.
وأضاف قائلا: “أقول لكم بصدق إن أمامنا اليوم الفرصة المناسبة للسلام، إذا كنا جادين حقاً في مساعينا من أجل السلام، إنها فرصة لا يستطيع الزمن أن يضيعها مرة أخرى، إنها فرصة إذا ضاعت أو أُهدرت فإن المتآمرين ضدها سيحملون لعنة الإنسانية ولعنة التاريخ”.
وحرص على التحدث مع النواب الإسرائيليين من مختلف الأحزاب، ليؤكد جدية مصر في تحقيق السلام.
وناقش السادات مع بيغن تفاصيل المبادرة المصرية لتحقيق السلام، بما في ذلك الانسحاب من سيناء ومستقبل الأراضي الفلسطينية.
وقد قوبلت الزيارة برفض واسع في العالم العربي، واعتُبرت خيانة للقضية الفلسطينية.
أما على المستوى الدولي، فقد رُحّب بالخطوة باعتبارها فتحًا لباب جديد في مفاوضات السلام.
اتفاقية كامب ديفيد
بعد هذه الزيارة بتسعة أشهر وتحديدا في سبتمبر/ أيلول من عام 1978 وبعد 13 يومًا من المفاوضات، تم التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد في المنتجع الذي يحمل هذا الاسم بالولايات المتحدة، وقد وقع عليها كل من السادات وبيغن والرئيس الأمريكي جيمي كارتر (كراعٍ للاتفاقية).
وقد لعبت الولايات المتحدة، بقيادة كارتر، دورًا محوريًا في استضافة المفاوضات حيث تم التوصل للاتفاقية، وهي اتفاقية تمهيدية وضعت الأسس للتوصل إلى السلام بين مصر وإسرائيل.
وتضمنت الاتفاقية وثيقتين تناولت الأولى إطار العمل للسلام بين مصر وإسرائيل وشمل ذلك انسحاب إسرائيل من سيناء، وإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، وضمان أمن الحدود.
أما الوثيقة الثانية فتناولت إطار العمل للسلام في الشرق الأوسط وشمل ذلك حل القضية الفلسطينية عبر مفاوضات متعددة الأطراف.
وكان الهدف من هذه الاتفاقية هو وضع الأسس لاتفاق سلام شامل بين البلدين، لكنها لم تكن ملزمة قانونيًا.
وقوبلت الاتفاقية بانتقادات حادة من المعارضة المصرية، بما في ذلك بعض القوميين واليساريين، الذين رأوا أنها تنازل عن القضية الفلسطينية، وشهدت الجامعات المصرية احتجاجات واسعة.
وعلى الصعيد العربي، رفضت الدول العربية، باستثناء السودان وسلطنة عمان والصومال، الاتفاقية بشدة واعتبرتها خيانة للقضية الفلسطينية.
ونُظمت قمة بغداد عام 1978 التي أدانت الاتفاقية، وأصدرت قرارات بقطع العلاقات مع مصر ونقل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس.
وعلى الصعيد الدولي، رحبت الولايات المتحدة والدول الأوروبية بالاتفاقية باعتبارها خطوة كبيرة نحو تحقيق السلام في الشرق الأوسط، فيما اعتبر الاتحاد السوفييتي الاتفاقية محاولة أمريكية لتعزيز نفوذها في المنطقة.
معاهدة السلام
في 26 مارس/ آذار من عام 1979 تم توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في العاصمة الأمريكية واشنطن، بعد 6 أشهر من اتفاقية كامب ديفيد.
ووقع على معاهدة السلام السادات وبيغن وهي اتفاقية قانونية ثنائية رسمية قائمة على أسس اتفاقية كامب ديفيد، تُلزم مصر وإسرائيل بإنهاء حالة الحرب وإقامة علاقات سلام شاملة.
وتضمنت تفاصيل تنفيذ الاتفاق انسحاب إسرائيل من سيناء وهو الأمر الذي تم بحلول عام 1982، بما في ذلك تفكيك المستوطنات الإسرائيلية هناك، وتبادل السفراء والعلاقات الدبلوماسية، وإنهاء حالة الحرب والالتزام بحل النزاعات سلمياً، كما تضمنت المعاهدة بنودًا تضمن التزام الطرفين ببنود الاتفاق، برعاية الولايات المتحدة.
وقد كان اغتيال السادات عام 1981 من بين النتائج المباشرة لشعور البعض في مصر بأن المعاهدة تمثل ما اعتبروه انحرافًا عن الأهداف الوطنية والقومية.
وعلى الصعيد العربي، استمرت القطيعة العربية لمصر، حيث تم تعليق عضويتها في الجامعة العربية حتى عام 1989.
وعلى الصعيد الدولي، قوبلت المعاهدة بتأييد قوي من الولايات المتحدة والدول الغربية التي دعمتها باعتبارها نموذجًا لحل النزاعات، فيما أثارت المعاهدة انتقادات من قبل الاتحاد السوفييتي، الذي رأى فيها تعبيرًا عن هيمنة أمريكية على المنطقة.
محور فيلادلفي ومعبر رفح
في حرب غزة الأخيرة سيطرت القوات الإسرائيلية على محور فيلادلفي والجانب الفلسطيني من معبر رفح للمرة الأولى منذ انسحابها من قطاع غزة منتصف أغسطس/ آب من عام 2005 ، وتسليمها معبر رفح للسلطة الفلسطينية آنذاك بموجب اتفاق المعابر المُوقع بين الجانبين.
وترفض إسرائيل الانسحاب من المحور لأنها تؤمن بأنه بوابة حماس للحصول على الأسلحة المهربة عبر الأنفاق، لكن مصر ترى أن حدودها تحت السيطرة، ولا أنفاق ولا تهريب يمر عبر أراضيها.
وتنص معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية على ضمان أمن الحدود، وهو ما انعكس على السياسات المتعلقة بمحور فيلادلفيا ومعبر رفح، والأول هو الشريط الحدودي الذي يمتد بطول 14 كم بين مصر وغزة، والثاني هو المعبر البري الوحيد بينهما.
وبموجب معاهدة السلام فإن محور فيلادلفي منطقة عازلة، وكان يخضع لسيطرة إسرائيل قبل أن تنسحب من قطاع غزة عام 2005. وكانت إسرائيل ومصر قد وقعتا في نفس العام بروتوكولًا سُمي “بروتوكول فيلادلفي”، الذي سمح لمصر بنشر 750 جنديا على امتداد الحدود مع غزة، وهي قوة شرطية لمكافحة الإرهاب.
وفي عام 2007 سيطرت حماس على المحور بعد سيطرتها على القطاع، ومع تضييق الخناق الإسرائيلي على غزة تجاوزه الفلسطينيون إلى مصر عبر الأنفاق أسفل هذا الشريط الحدودي، وهي الأنفاق التي مثلت شريان حياة لسكان القطاع الذين يقدرون بنحو 2.3 مليون نسمة.
وخلال العقد الماضي شنت مصر حملة عسكرية ضد العناصر المسلحة في سيناء، شملت كذلك تدمير الأنفاق التي ربطت بين القطاع و مصر.
واتهمت مصر حماس مرارا بدعم الجماعات المتشددة التي استهدفت القوات المصرية في أعقاب الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي المنتسب لجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما نفته الحركة الفلسطينية. كما بنت القاهرة جدارا فولاذيا، وأزالت منازل ومزارع بمدينة رفح المصرية وقراها، لإقامة منطقة حدودية عازلة.
أما معبر رفح البري والذي سيطر الجيش الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني منه في الحرب الأخيرة فيمثل البوابة الرئيسية الوحيدة على طول هذا الشريط الحدودي بين الجانبين الفلسطيني والمصري.
وأكد بدر عبد العاطي وزير الخارجية المصري على رفض بلاده لاستمرار السيطرة العسكرية الإسرائيلية على الجانب الفلسطيني لمعبر رفح.
ونقل بيان للخارجية المصرية عن عبد العاطي القول إن “تقاعس إسرائيل عن فتح معابرها الأخرى بشكل كامل هو أمر يعكس إصراراً إسرائيلياً على إعاقة دخول الشاحنات الإنسانية في مخالفة صارخة للقانون الدولي الإنساني”.
وجاءت تصريحات وزير الخارجية المصري خلال استقباله في القاهرة، سيغريد كاغ كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في قطاع غزة.
وطالب عبد العاطي بالضغط على إسرائيل “لتتحمل مسؤولياتها” تجاه المدنيين داخل القطاع وفقاً لالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني وباعتبارها “قوة الاحتلال”، وفق ما ورد في البيان.
- ما هو محور فيلادلفيا الذي يشكل نقطة خلاف في مفاوضات إسرائيل وحماس؟
- وثائق تكشف أسباب “سأم” السعودية من ضخ الأموال لإنقاذ مصر في عهد السادات
- السادات كان “مستعدا لزيارة درامية ثانية للقدس استجابة لاقتراح لورد يهودي”
Powered by WPeMatico
Comments are closed.