التحرش الجنسي: أردنيات يروين تجاربهنّ
“ونحن نمشي باتجاهإحدى الزوايا في المكتب، اقترب مني كثيراً وحاول أن يحتضنني، وكان تصرفه غير لائق أبداً…” هكذا وصفت فرح (اسم مستعار لشابة أردنية)، تجربتها مع مديرها السابق في العاصمة الأردنية عمّان، قبل سنوات.
كانت فرح تعمل في إحدى الشركات بعد تخرجها، حيث التقت بمدير يستخدم بعض الكلمات “غير المريحة والخارجة عن إطار المهنية التي يتم التعامل بها داخل الشركة”، وتضيف فرح: “مثل أن يعلق أحياناً على وزني، جسمي، أو شكلي”.
تغاضت فرح عن كل ذلك، حتى تركت هذه المؤسسة وبدأت بحثها عن عمل آخر. ولكن علاقتها بمديرها السابق لم تنته، لأنها كانت مضطرة للاستعانة به كمرجع في سيرتها الذاتية، وذلك عندما تطلب منها أي شركة تتقدم إليها بطلب عمل، رسالة توصية من مدير سابق. “في كل مرة كنت أطلب منه رسالة توصية، كان يطلب مني الحضور شخصياً للمكتب للحصول عليها”.
“وفي المرة الأخيرة التي ذهبت لمكتبه فيها، وكانت المرة الأخيرة التي أراه فيها، ذهبت لأحصل على رسالة توصية كانت مطلوبة لإحدى الشركات” تقول فرح “طلب مني أن أنضم إليه في استراحة أثناء العمل لأنه يريد التدخين ولكي نتحدث عن عملي الجديد”.
وتضيف في تفاصيل ما حدث كيف اقترب منها بطريقة غير لائقة بتاتاً وحاول أن يحضنها.
“لقد تشجنت بشكل كامل ولا أدري ماذا حدث لي”، تروي فرح. “ولم أعرف ماذا أفعل، لأنني لم أملك أي طريقة للتبليغ عنه. لقد كنت أعرف أن الشخص الوحيد المسؤول عن هذا المدير هو رجل ولن يعطي الموضوع أية أهمية”.
قصة فرح ليست قصة فريدة من نوعها أو غريبة، فهي واحدة من العديد من القصص التي تتعرض لها السيدات بشكل متكرر في الأردن كما هو الحال في جميع أنحاء العالم.
ابتزاز بعد ضمان الحماية
أما سارة (اسم مستعار لشابة أردنية)، فتصف كذلك ما تعرضت له أثناء عملها في منظمة دولية في الأردن، عندما تعرضت لتحرش لفظي وجسدي. كما حاول أحد مسؤوليها، وهو المسؤول الأعلى في المنظمة، الاقتراب منها ولمسها بطريقة “غير لائقة، وهو يتحدث باللغة الإنجليزية ويقول: I want your magical hand to touch me in so many different places، ما يعني “أريد أن تلمسني يداكِ الساحرتان”.
وتضيف سارة: “توجهت للعديد من زميلاتي لسؤالهنّ ما إذا تعرضنّ للموقف نفسه، لأكتشف أن العديد من الزميلات تعرضن لنفس المواقف باختلاف القصص والتفاصيل، ما دفعنا لرفع شكوى بحسب السياسة الموضوعة من قبل المنظمة، ولكن لم يتم اتخاذ أي إجراء بحقه”.
القصة لم تنته عند ذلك، إذ إن المدير المسؤول تمادى لضمانه الحماية وبدأ بابتزاز الموظفات اللاتي ساهمن في رفع الشكوى ضده. تقول سارة: “قمنا حينها بتهديد الإدارة بأننا سنرفع الشكوى للشرطة ولجهات أعلى إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء بحقه، ما دفعهم إلى نقله لفرع آخر وإعطائه دورة في الإساءة والتحرش”.
تشريعات تفتقر لتعريف التحرش الجنسي
لم تملك كلً من سارة وفرح كما هو حال العديد من السيدات الأردنيات الأخريات، خيارات كثيرة للتعامل مع مثل هذه المواقف. فيقف ضحايا التحرش الجنسي في موقف لا يشجعهم على التقدم بشكوى، بين ثقافة لا تسمع الضحايا أو تكذبهم من جهة، وقانون عمل لا يذكر جريمة التحرش الجنسي نصاً أو يعرفها بشكل خاص من جهة أخرى.
ومع أن قانون العقوبات الأردني وقانون العمل يجرمان الأفعال التي تشكل سلوكاً جنسياً غير مرغوب به، إلا أن التشريعات الأردنية تفتقر لاستخدام أو تعريف التحرش الجنسي، وهو ما يسعى ناشطون ومحامون لتغييره.
ومؤخراً، أقر مجلس النواب الأردني مشروع قانون العمل المعدّل لسنة 2023، والذي ينص على أنه “إذا تبين للوزير وقوع اعتداء من صاحب العمل أو من يمثله بالضرب أو بممارسة أي شكل من أشكال الاعتداء الجنسي أو التحرش الجنسي على العاملين المستخدمين لديه، يعاقب صاحب العمل أو مدير المؤسسة أو من يمثله بغرامه لا تقل عن ألفي دينار ولا تزيد على خمسة آلاف دينار وتضاعف الغرامة في حال التكرار وذلك مع مراعاة أحكام أي تشريعات أخرى نافذة المفعول”.
ومن المنتظر أن يُعرض مشروع القانون المعدل على مجلس الأعيان قبل أن يقرّه العاهل الأردني عبدالله الثاني بشكل رسمي.
القانون الذي يفرض غرامة على “صاحب العمل أو من يمثله” في حال وقوع حادثة تحرش جنسي على العاملين، واجه جدلاً واسعاً في الأوساط القانونية في الأردن، بين مؤيد ومعارض يطالب بالتعديل عليه لقصوره في معالجة المشكلة بشكل كافٍ.
تقول المحامية الأردنية، نورا الساكت، وهي مستشارة سابقة لمنظمة العمل الدولية، إن أهم إنجازات التعديل الحالي على قانون العمل هو ذكر مصطلح التحرش الجنسي للمرة الأولى في التشريعات الأردنية، وهي خطوة أولى جيدة لمواجهة الإنكار المجتمعي لهذه الظاهرة.
“أما المآخذ على هذا التعديل فهي عدّة؛ بدءاً من قصوره في منح العامل الذي يواجه التحرش الجنسي حلاً حقيقياً لمواجهته أثناء وجوده على رأس عمله، كما أنه لا يعطي الحق للعامل أو العاملة في ترك العمل في حال تعرضهم للتحرش الجنسي مع الاحتفاظ بحقوقهم”، تضيف نورا الساكت.
وعلى الرغم من ذكر مصطلح التحرش الجنسي حرفاً في التعديل، إلا أنه لا يعرّف هذه الجريمة، ما تجده نورا الساكت تحدياً يجب العمل عليه وتعريف الجريمة بشكل واضح.
“لا يغطي التعديل الجديد للقانون أشكال التحرش الجنسي التي يمكن أن يتعرض لها العامل أو العاملة من قبل زملائهم أو زميلاتهم” إذ إنه يغطي فقط ما يمكن أن يتعرض له العامل أو العاملة من قبل “صاحب العمل أو من يمثله”، بحسب نورا الساكت.
وتضيف: “بينت دراسة اللجنة الوطنية لشؤون المرأة لعام 2017 في الأردن، أن النسبة الأكبر من مرتكبي التحرش الجنسي المرتبط بالعمل هم من الزملاء الذكور تجاه الزميلات”.
“ففي حال لم يغطي القانون الجديد جميع أشكال التحرش الجنسي، فإننا سنكون قد تركنا قصوراً كبيراً في التشريع” تقول نورا الساكت.
افتقار الأردن لتشريعات تشجع النساء على العمل
وبحسب البنك الدولي وتقريره السنوي بعنوان “المرأة وأنشطة الأعمال والقانون” الصادر عام 2023 الأردن بحاجة لإجراء مجموعة من الإصلاحات المتعلقة بتحسين المساواة القانونية للمرأة، مطالباً بإزالة العقبات التي تعترض الشمول الاقتصادي للنساء في الأردن.
كما حصل الأردن على ترتيب متدنٍ بين دول العالم من حيث قياس القوانين التي تؤثر على قرارات المرأة في العمل، ودعا التقرير إلى إعادة النظر في عدة قوانين متعلقة بحظر التمييز في العمل على أساس الجنس، وسن تشريعات تحمي النساء من التحرش الجنسي في أماكن عملهنّ، إضافة إلى اعتماد عقوبات جنائية أو مدنية على مرتكبي الجريمة.
أما بالنسبة لفرح وسارة وأخريات تعرضن للتحرش الجنسي في أماكن عملهنّ ولم يتمكنّ من التقدم بالشكوى، فإن التعديل القانوني الجديد لربما يفتح الباب ويشجع العديد من النساء على التحدث عمّا حدث معهنّ.
“أعتقد أن تغريم المسؤول في الشركة أو الشركة ذاتها عند وقوع حادثة تحرش جنسي فيها هو تصرف لن يحمي السيدات العاملات في الشركات، وسيضطرهنّ لأخذ حقهنّ بأنفسهنّ ما قد يعرضهنّ لمخاطر فقدان عملهنّ” تقول سارة. “أعتقد أن على القانون أن يكون أشدّ لترهيب من يقومون بهذا النوع من الأفعال”.
وبالنسبة لفرح، فتؤكد أنها لو ضمنت سرية في المعاملة القانونية لقصتها، وضمان أن يأخذ القانون مجراه، فبالتأكيد كنت سأتقدم بالشكوى، وتضيف: “أنا أعلم أنني لو امتلكت طريقة تبليغ مناسبة عمّا تعرضت له، فلن أكون خائفة اليوم إلى هذا الحدّ”.
Comments are closed.