فيروس كورونا: ثلاث سنوات منذ الإصابة به ولا يوجد علاج سحري
لقد عانيتُ من مرض كوفيد-19 لمدة ثلاث سنوات. وعلى الرغم من أنني أحرزتُ تقدماً كبيراً، إلا أنني ما زلتُ أعاني معظم الأيام من ألم ٍمزمن ٍفي مفاصلي، وأشعرُ بالدوار والتعب وضباب الدماغ.بالنظر إلي، قد تعتقد أنني بخير ولكن من المُحزن جداً أنني لا أستطيع القيام بالأنشطة التي كنتُ أستمتعُ بها جسدياً.قبل كوفيد-19، كنتُ أقودُ دراجتي كل يوم، وأحياناً لمسافات طويلة للتمتّع فقط، حتى أنني قمتُ بجولةٍ بالدراجة حول شرق إفريقيا.ولكن بعد ثلاث سنوات من إصابتي بالفيروس لأول مرة في مارس/ آذار 2020، بِتُ أجلسُ على دراجة تمرين في إحدى غرف مستشفى في غلاسكو، وأضعُ قناعاً على وجهي لإجراء اختبار وظائف الجهاز التنفسي والرئة، وأجد صعوبة في التبديل إذ كانت تزداد مقاومة الآلة وأنا أضعف بشدة.تشير الممرضة إلى أن لديهم أشخاصاً يبلغون من العمر 80 عاماً ويقومون بنفس التدريبات لكن بضجةٍ أقل، في حين أنني أبلغ من العمر 46 عاماً.الآن، بالطبع، ما مررتُ به لا يُقارن بمن لا يزالون في المستشفى، أو أولئك الذين فقدوا أحباءهم.أشعرُ في معظم الأيام بالامتنان الشديد لكل الدعم الذي تلقيته من العائلة والأصدقاء والجيران وحتى الغرباء.أنا ممتنةٌ أيضاً لأنني أستطيع أن أفعل أكثر مما استطعت في تلك المراحل المبكرة.لكن في الأيام السيئة أشعر بإحباط واضح، فأنا لا أقترب من الشعور بالتعافي الكامل.
لقد كتبتُ سابقاً عن كيفية إصابتي بمرض كوفيد-19 وأعراضه، وذلك قبل بدء الإغلاق الأول.لأسابيع كنتُ على ما يرام، وحتى بعد الإصابة الأولية استمرت الأعراض.
بعد مرور أشهر، ما زلتُ أعاني من حمى شديدة وصداع شديد ودوار وآلام في المفاصل وضيق في التنفس ومشاكل في الجهاز الهضمي وإرهاق دائم وتعرّق شديد.
بعد سبعة أشهر كتبتُ عن شعوري كمصابة بكوفيد طويل الأمد. استغرق الأمر أسابيع لتجميع المقال، إذ كتبتُ كل شيء مستلقيةً على سريري بشكل أفقي، أكتبُ بإصبع واحد على هاتفي.
بعد مرور أكثر من عام على إصابتي لأول مرة، قمتُ بإعداد حلقة من برنامج “بانوراما” عبر تلفزيون بي بي سي تتناول آثار كوفيد-19 على المدى البعيد وتسآئلت: “هل سأتحسن يوماً ما؟”
نتيجة لذلك، لا يزال الناس يسألونني يومياً تقريباً: “هل أنت أفضل؟ ما الذي أخبرك به الأطباء؟ ما هو العلاج؟ وما هو الجواب؟”
الحقيقة هي أنني وجدتُ طرقاً للتعامل مع الأعراض التي أعانيها، لكنني أخشى أنه ليس لدي إجابات.
بعد ثلاث سنوات، أردتُ التحقق مما إذا كان قد فاتني أي اكتشاف كبير لذلك عدتُ إلى بعض الخبراء المشاركين في برنامج “بانوراما” منذ يوليو/ تموز 2021.
تخبرني الدكتورة إيلين ماكسويل، التي أشرفت على المراجعة الأولى والثانية لكوفيد طويل الأمد بالمعهد الوطني للبحوث الصحية (NIHR) أنه لا يوجد علاج طبي أو دواء واحد يمكنه علاج الحالة بسرعة وفعالية.
تقول: “لا يوجد علاجٌ سحري”. “لكننا نشهد بحثاً يُظهر أن عيادات كوفيد طويل الأمد في إنجلترا تساعد الناس على التعايش مع أعراضهم”.
وتضيف: “نود أن نجد علاجاً، لكن في غضون ذلك، هناك الكثير من الظروف المنهكة على المدى الطويل والتي نعرف الكثير عن كيفية التعامل معها”.
تقول الدكتور ماكسويل إن الخبراء لم يتعلموا الكثير عن “الآليات السببية” لآثار كوفيد-19 طويلة المدى منذ صيف 2020.
وتقول أيضاً: “ما زلنا لا نملك الدليل الذي يقول إنه شيء واحد له سبب واحد، ولا يوجد له علاج واحد”.
كان عالم المناعة البروفيسور داني أولتمان، من جامعة إمبريال كوليدج لندن، يبحث في النظرية القائلة بأن مرض كوفيد-19 بالنسبة لبعض الناس هو حالة مناعية ذاتية، وأن الجسم يهاجم نفسه، حيث أن لديه مؤشرات مبكرة للعلامات الحيوية في الدم ولكن لا توجد استنتاجات أو علاج، قائلا: “أود أن أقول تحمل معنا”. “نحن نحاول بصدق. بحثُنا يسير بشكل جيد حقاً. لدينا الكثير من القرائن ولكن ليس لدينا إجابات”.
“الإجماع غير واضح على الإطلاق”.
وطمأنني الدكتور ألتمان قائلاً: “لم تفوتك الإجابة الكبيرة”.
عندما أذيع برنامج “بانوراما”، كانت المملكة المتحدة قد بدأت في فتح أبوابها من جديد بعد عمليات الإغلاق المتتالية.وكان لا يزال على رأس جدول الأعمال السياسية العثور على علاجات لمرض كوفيد-19 ولآثاره على المدى الطويل، ولكن منذ ذلك الوقت تضاءل التركيز على هذه النقطة.
لقد تناسى الناس المرض وآثاره لأنهم يسعون لمواصلة حياتهم.
تشير أحدث أرقام مكتب الإحصاء الوطني من فبراير/ شباط 2023 إلى أن حوالي مليوني شخص في المملكة المتحدة يعانون من مرض كوفيد طويل الأمد، لكن جمع هذه البيانات توقف.
وتشير بيانات الأبحاث إلى أن ما بين 2 ٪ و 20 ٪ من الأشخاص الذين يصابون بكوفيد يعانون من أعراض كوفيد على المدى الطويل.
وتقول الدكتورة ماكسويل: “من الواضح أن الأشخاص الذين تم تطعيمهم تقل لديهم الأعراض بعيدة المدى لكوفيد كما تقل عدد الأشخاص الذين تتطور لديهم هذه الأعراض”.
“الصعوبة تكمن في أن هناك مجموعة منكم قد أصيبوا بالفيروس في وقت مبكر جداً ولا يزالون يعانون من أعراضه، إلا أن الاهتمام لم يعد منصبّاً على ذلك”.
أخبرني البروفيسور آلان كارسون، من جامعة إدنبرة، بأنه لا يحتاج إلى رؤية المؤشرات الحيوية في الدم لمعرفة الأعراض التي يعاني منها الناس وبأنها حقيقية و”مروعة”.
يقول: “بصفتك طبيباً، إذا كنت بحاجة إلى علامة بيولوجية أو اختبار فحص لإظهار التشوهات بعد ساعتين من الاستماع إلى المريض حول أعراضه، فمن الواضح أنك في الوظيفة الخطأ”.
يقارن البروفيسور كارسون أولئك الذين يقولون بأن الأعراض طويلة الأمد لكوفيد مجرد أوهام بأولئك الذين يعتقدون بأن الأرض مسطحة.وهو كان أول شخص يستطيع أن يشرح بطريقة أفهما ما كان يحدثُ لي وكيف انحرفت أنظمة الاتصال بين دماغي والأعضاء الأخرى في جسدي.
كنت أحد المشاركين في دراسته تبحث في تأثير الأعراض طويلة الأمد لكوفيد على الدماغ وكجزء من ذلك خضعتُ لفحص التصوير بالرنين المغناطيسي.
كان انتظار النتائج مرعباً، لكن من المطمئن معرفة أنه لم يكن هناك ضرر واضح لدماغي ومن المفترض أن أتعافى تماماً.
يوافق البروفيسور كارسون على عدم وجود حل سحري ولكنه يؤمن بشدة أن هناك عمليات إعادة تأهيل مجربة ومختبرة من شأنها أن تساعد الناس.
يقول أيضاً أن هناك مجموعات فرعية مختلفة جداً من الأشخاص المصابين بالأعراض طويلة الأمد لكوفيد، بما في ذلك أولئك الذين لديهم تلف دائم في الرئتين أو أعضاء أخرى في أجسادهم، والأشخاص، مثلي، الذين تأتي نتيجة اختباراتهم سلبية ولكن لديهم أعراض مستمرة.
يقول: “كانت المشكلة منذ البداية هي افتراض أن كوفيد طويل الأمد شيء واحد”.
“يشبه الأمر محاولة دراسة التفاح من خلال النظر إلى وعاء فاكهة كامل”.
“ليس هناك شك، على سبيل المثال، في أن بعض المرضى في المستشفى أصيبوا بندوب تليُّفية دائمة في الرئتين، لكن جمع هؤلاء المرضى معاً في الدراسات مع أولئك الذين لم يتعرضوا لأي ضرر يمثل مشكلة”.
“هذا يعني أننا أمام مجموعة من التشوهات الالتهابية التي لا نفهمها تماماً”.
ويضيف البروفيسور كارسون “تحتاج، كمريض، إلى معرفة ما إذا كنت ستتحسن أم لا”.
مجموعات كبيرة من الأعراض
منذ أن كتبت تلك المقالة الأولى لبي بي سي، اتصل بي مئات الأشخاص المصابين بكوفيد وبمرض التهاب الدماغ والنخاع العضلي، وهي حالة أخرى يشير إليها البروفيسور كارسون باسم “مجموعات كبيرة” من الأعراض.
اقترح البعض بعض العلاجات، في حينا قترح البعض الآخر أن أستسلم وأقبل أنني لن أتحسن أبداً. لقد سأل معظمهم عما جربته وما الذي ساعدني.
من الواضح أنني لستُ خبيرةً ولستُ عالمةً، لذا لا يمكنني الكتابة إلا عما ساعدني شخصيّاً وما لم يساعدني.
أخبرني الكثير من الناس أنهم يعتقدون أن كوفيد طويل الأمد يشير إلى الشعور بالتعب. لكن ذلك أخف الأضرار.
في بعض الأيام السيئة، أشعر أن الغرفة تدور بأكملها من حولي، كما أشعر بألم شديد في عظامي.
لكنني تمكنتُ من القيام بأشياء اعتقدت قبل عامين أنها ستكون مستحيلة، بما في ذلك العودة إلى العمل – وإن كان ذلك بدوام جزئي – وعمل بث تلفزيوني مباشر. ففي السابق شعرتُ بالرعب من أن أذهب على الهواء وأصاب بضباب أو تشوش الدماغ، لكنني تمكنتُ من تجاوز ذلك.
بالنسبة لي، فإن التوتر هو أكبر مسبب لتفاقم هذه الأعراض، إذ أجدُ أنه من المستحيل تجنب ذلك ولكن أحاول على الأقل السيطرة عليه كل يوم.
كل يوم تقريباً أذهبُ لأستلقي في فترة ما بعض الظهر. في المكتب لدي غرفة هادئة لأستريح فيها وبدون ذلك سأجد صعوبة في العمل. أنا محظوظة جداً لأنني تمكنتُ من الاحتفاظ بعملي، والحفاظ على منزلي – الكثير من الأشخاص الآخرين الذين يعانون من الأعراض طويلة الأمد لكوفيد كانوا أقل حظًا.
أحمل قناعاً للعين وسماعات، لذا حتى إذا كنتُ في تصوير خارجي، يمكنني أن أذهب وأجلس بعيدا عن العالم الخارجي، لأن الإجهاد الزائد لا يزال يمثل مشكلةً كبيرةً.
لقد أدركتُ أنه إذا لم أذهب إلى المسبح بانتظام، فإن آلام المفاصل والصداع تصبح لا تُطاق. أحياناً أمتلكُ الطاقة لأسبح لنحو خمس دقائق فقط، لكن ذلك يظل أمرا مُجدياً.
جاء أحد أكبر التحسينات بالنسبة لي عندما تمت إحالتي إلى مركز غلاسكو للرعاية التكاملية المتخصص في الحالات طويلة الأمد.لقد ساعدتني الدكتورة بريدي اوداود وبرنامج اليقظة الذهنية في السيطرة على أعراضي.
إنه ليس شيئاً كنت سأفكر فيه سابقاً ولكني ما زلتُ أحاول استخدام ما تعلمته كل يوم.
كجزء من ذلك، تساعد المرضى على فهم الحاجة إلى القيام بأشياء صغيرة تجلب السعادة في كل يوم، حتى لو كان الجلوس في الحديقة أو قراءة كتاب.
أمارس تمارين التنفس واليوغا بقدر ما أستطيع وأحاول تنظيم أنشطتي. كما ساعدتني دروس الغناء في تنفسي إذ انضممتُ مؤخراً إلى جوقة.
منذ عام مضى ، بدأتُ في تناول دواء أوصى به الدكتور كارسون، والذي يستخدم في أغراض مختلفة، لكنه يُخففُ بشكل كبير إحساسي المستمر بالدوار.
في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، اعتقدتُ أنني كنت أفضل حالًا من أي وقت مضى، لكن بعد ذلك أصبتُ بكوفيد-19 مرةً أخرى ووجدت صعوبة بالغة في التعافي.
وكملاذٍ أخير، جربتُ علاج الأكسجين عالي الضغط. إذ كانت تجربةً مثيرةً للاهتمام، شعرتُ أنه ساعدني قليلاً لكن طاقتي لم تعد ولم يتلاشى الألم وضباب الدماغ.
أنا أعلم أن البعض قد وجد في العلاج معجزةً له، لذا أنا سعيدةٌ من أجلهم، إلا أنه لم يكن علاجاً سحريًا بالنسبة لي.
أنا الآن أكثر وعياً بعدد الأشخاص الذين يتعاملون بصمت مع أعراض غير مرئية بما في ذلك الألم المزمن والتعب المزمن لمجموعة من الحالات بما في ذلك كوفيد طويل الأمد.
غالباً ما أشعرُ بالإرهاق من كمية المعلومات والحقائق عن المرض التي لا يمكنني معالجتها بنفسي.
أنا أكتب هذا المقال من أجل التوعية بالمرض خاصة وأنني أصبتُ به لذلك آمل وبعد ثلاث سنوات أن أساعد الآخرين بطريقةٍ أو بأخرى.
في نهاية المطاف، أتساءل ما إذا كنتُ سأستعيد عافيتي أم لا، لكنني ممتنةٌ لما حققته.
Comments are closed.