سيليكون فالي و سيغنتشر: بعد انهيار البنكين الأمريكيين هل نحن إزاء أزمة مصرفية؟
عندما يقول الرئيس الأمريكي بنفسه للناس إن أموالهم آمنة فهذا يعني أن الحكومة تأخذ الانهيار المالي على محمل الجدّ.
تأكيدات جو بايدن جاءت بعد إنهيار بنكين أمريكيين. لكن هذا الأمر لا يتعلق بالولايات المتحدة فقط، إذ تراجعت قيمة الأسهم في العديد من البنوك حول العالم.
فما مدى سوء الوضع، وماذا يعني ذلك لك؟
ما الذي يحدث للبنوك، وهل هي تنهار؟
منذ العاشر من مارس /آذار، إنهار بنكان في الولايات المتحدة، هما “سيلكون فالي” و ” سيغنتشر”، ما يعتبر أكبر إفلاس بنكي يحدث منذ عام 2008.
يلبي البنكان إحتياجات الشركات، كما لديهما علاقات مع قطاع صناعة التكنولوجيا، الذي كان يعاني بسبب الإنخفاضات الحادة في أسواق العملات المشفرة وما تبعه من توتر بين المستثمرين.
عندما أعلن بنك “سيلكون فالي- SVB”،البنك السادس عشر في الولايات المتحدة، أنه بحاجة إلى جمع الأموال أصيب العملاء بالذعر واندفعوا لسحب ودائعهم. وفي أقل من 48 ساعة، كان ما يقرب من ربع أموال البنك قد سحبت.
وبعد أن وصلت حالة الذعر إلى بنك “سيغنتشر”، قالت السلطات إنها تضمن جميع الودائع في كلا البنكين، وليس فقط المبالغ المطلوبة بموجب القانون والبالغة 25 ألف دولار.
إخفاقات كلا البنكين، جاءت بعد أيام من تعرض بنك ثالث متخصص في العملات المشفرة، وهو بنك “سيلفر غيت”. ما أجبره على الإغلاق.
وعلّقت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين على الأمر، وقالت “شعرنا إن هناك مخاطر جدية من أن تكون العدوى قد تسببت في التهافت على السحب من عدى بنوك”.
هل سيؤدي هذا إلى إنهيار بنوك أخرى؟
يحدث التهافت على البنوك عندما يندفع العديد من العملاء لسحب أموالهم في نفس الوقت، وهناك مخاوف من أن البنوك الأخرى قد تكون عرضة للخطر.
وفي الولايات المتحدة، تراجعت الأسهم في البنوك متوسطة الحجم، حيث يخشى مستثمرو قطاع الشركات الصغيرة على أعمالهم، فيما يقوم العملاء الأثرياء بتحويل أموالهم إلى بنوك أخرى.
ويُنظر إلى البنوك الأكبر على أنها أكثر استقرارًا ، نظرًا لأن لديها مجموعة متنوعة من العملاء، بما في ذلك الأشخاص العاديون الأقل حساسية لما يحصل في أسواق الأعمال، بالإضافة لأولئك الذين تقل مدخراتهم عادةً عن حدّ مئتين وخمسين ألف دولار.
يقول المحللون في وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الإئتماني إنهم لم يرصدوا دليلًا في الولايات المتحدة على أن عمليات السحب “الخارجة عن السيطرة” قد انتشرت على نطاق واسع، على الرغم من ظهور مشكلات في السحب في عدد قليل من البنوك، من ضمنها بنك “فيرست ريبابلك” في سان فرانسسيكو.
- الأسواق المالية تتلقى ضربة موجعة بسبب قلق المصارف
- هبوط حاد في أسهم بنوك حول العالم بعد أزمة سيليكون فالي
لكن في إشارة إلى التوترات الحاصلة، أعلن البنك الفيدرالي المركزي الأمريكي عن زيادة في الإقراض الطارئ للبنوك التي تتطلع إلى تعزيز أموالها. وهو مشابه لما حدث في أوروبا، حيث حصل بنك “كريدي سويس” العملاق الذي كان مضطربًا لسنوات، على مساعدة طارئة بقيمة 45 مليار جنيه إسترليني من البنك المركزي السويسري، كانت بمثابة شريان حياة.
لماذا تنهار البنوك الآن؟
كل هذا يحدث على خلفية تغير عالمي أكبر بكثير، وهو الارتفاع الحاد في كلفة الاقتراض في العام الماضي.
حيث كانت البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنك إنجلترا، ترفع أسعار الفائدة في محاولة لإبطاء الاقتصاد وتخفيف الضغط الذي يؤدي إلى إرتفاع الأسعار.
وساهمت هذه الإرتفاعات في أسعار الفوائد في الإشكاليات التي يتعرض لها بنك “سيلكون فالي”، حيث أصبح من الصعب على عملائه المبتدئين إقتراض الأموال، و جعلَهم يسحبون ودائعهم المالية بوتيرة أسرع.
لكن الارتفاع في أسعار الفائدة – الذي يعتبر تحولاً هائلًا يحدث بعد سنوات من الاقتراض بكلف منخفضة – أوجد مشكلة أكبر بكثير، حيث أضر بقيمة استثمارات السندات طويلة الأجل التي اشترتها البنوك عندما كانت أسعار الفائدة منخفضة.
ففي الولايات المتحدة وحدها، تقارب خسائر البنوك غير المحققة 620 مليار دولار. وهي خسائر لا تشكّل إشكالًا في حال تمكنت البنوك من امتلاك السندات، لكن الأمر يصبح أكثر صعوبة إذا ما احتاجت البنوك لجمع الأموال على عجل.
وفي اليابان- التي تعتبر أكبر مالكٍ للسندات الأمريكية – أثارت السلطات هناك هذه القضية منذ أشهر. في الوقت الذي قلل المحللون في أوروبا من حجم المشكلة.
ووصف محللو شركة الخدمات المالية الأمريكية ” Morningstar ” يوم الجمعة مشاكل بنك كريدي سويس بأنها “إستثنائية”، وأكدوا أن البنوك الأوروبية على نطاق واسع “قوية”.
فيما رفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة 0.5 نقطة مئوية كما كان مخططًا له الخميس؛ لكن المحللين يتوقعون أن الاضطرابات الأخيرة ستدفع البنوك المركزية الأمريكية والبريطانية إلى التحرك بحذر أكبر عندما يجتمعان الأسبوع المقبل.
هل أموالي آمنة؟
بالنسبة للمودعيين الأفراد، لا يوجد هناك خوف على أموالهم، إذ لطالما ضمنت الحكومة الأمريكية الودائع التي لا تتجاوز حدّ 250 ألف دولار. ويبلغ هذا الحدّ في المملكة المتحدة خمسة وثمانين ألف جنيه إسترليني.
وتعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن بفعل “كل ما يتطلبه الأمر” لضمان سلامة النظام المصرفي وطمأنة الناس أن أموالهم آمنة، في حين سعى المسؤولون في أوروبا واليابان وأستراليا وأماكن أخرى إلى تخفيف القلق.
تقول السلطات إن القوانين التي تم إقرارها في أعقاب الأزمة المالية لعام 2008 تعني أن معظم البنوك في وضع أقوى لتحمل الصدمات، حيث تم إعفاء “سيلكون فالي” من بعض هذه المتطلبات بصفته أصغر بنك أمريكي، في عام 2018 والذي كان مطلبًا لبنك “سيلكون فالي” حينها.
تقول السناتور الأمريكية إليزابيث وارين، وهي عضو في الحزب الديمقراطي ومعروفة بعملها في القطاع المصرفي، “إن هذا الفشل يأتي كنتيجة مباشرة لضعف قدرات القادة في واشنطن على قراءة القواعد المالية”
هل هذه أزمة مصرفية؟
بالنسبة للكثيرين ، فإن الانهيارات في بعض البنوك الأمريكية أعادت إلى الأذهان شبح الأزمة المالية التي وقعت عام 2008 ، عندما إنهارت بعض أكبر البنوك في أمريكا ، بسبب تراجع سوق العقارات في الولايات المتحدة، ما استدعى عمليات إنقاذ حكومية هائلة، وأدى إلى الركود الاقتصادي العالمي.
في حين قارن آخرون الوضع مع حقبة الثمانينيات، وهي المرة الأخيرة التي كان فيها التضخم مرتفعًا إلى هذا الحد، ما دفع البنك المركزي الأمريكي لرفع أسعار الفائدة على عجل حينها، وهو ما تسبب بحدوث إخفاقات مصرفية لسنوات في الولايات المتحدة، بما يعرف بأزمة “المدخرات والقروض”.
في الوقت الحالي ، يعتقد العديد من المحللين أنه سيتم احتواء الصدمة. لكن عالم الأعمال كان بالفعل في حالة توتر بشأن ما إذا كان الاقتصاد يتجه إلى الركود ، ما سيؤدي إلى طرد ملايين الأشخاص من العمل.
ومن المتوقع الآن أن تؤدي المشاكل في القطاع المصرفي إلى تباطؤ في حركة الإقراض. لذا مهما كان التباطؤ الجاري فمن المرجح أن يزداد سوءًا. .
Comments are closed.